لا شفعة في حق الشرب إذا كان فيضاً أو موجاً

 

لا شفعة في حق الشرب إذا كان فيضاً أو موجاً

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الخلطة في حق الشرب من أسباب الشفعة المقررة في القانون المدني اليمني، والخلطة أو الإشتراك في حق الشرب  تعني الخلطة في مصدر الماء أو مجرى الماء أو الساقية  التي يسيل منها الماء إلى الأراضي الزراعية التي يمتلكها أكثر من مالك، اما إذا كان الماء يسيل موجا أو فيضاً أي يسيل الماء الفائض من أرض زراعية إلى الأرض المجاورة لها فلا يكون الشرب في هذه الحالة سبباً للشفعة الا اذا كان الرهق أو المجرى الذي يصب منه الماء مشتركا بين عدة أراضي اي مشتركا بين الشفيع والمشفوع منه ، فالشرب فيضاً لا يتحقق فيه سبب الشفعة، ويطلق على الشرب فيضاً في بعض مناطق اليمن الشرب موجا ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-2-2018م في الطعن رقم (59368 )، الذي ورد ضمن أسبابه انه (وقد سببت الشعبة الحكم الاستئنافي بأن الحكم الابتدائي قضى بعدم قبول دعوى الشفعة بعد أن ثبت توفر سببها وهو السقي من الساقية التي تسقي الموضع  المشفوع والموضع المشفوع فيه، وأن السقي  بين الموضعين ليس فيضاً حسبما ذكر الطاعن بل توجد للماء ساقية يمر فيها الماء من الموضع الأعلى إلى الموضع الأسفل المشفوع به، ولكن الحكم الابتدائي قضى بعدم قبول الشفعة بسبب  تراخي الشفيع عن طلب الشفعة في وقتها، مع أنه قد ثبت لمحكمة أول درجة أن الشفيع قد طلب الشفعة في وقتها، وتسبيب الحكم الاستئنافي سائغ وموافق للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: معنى الشرب أو السقي فيضاً:

الشرب أو السقي فيضاً هو: أن يسيل الماء الفائض من أرض زراعية إلى الأرض المجاورة لها أو الأسفل منها من غير أن يسيل من ساقية مشتركة أو رهق مشترك ، فالماء الفائض الذي يسيل من الأرض الزراعية إلى أرض مجاورة لها ليس فيه خلطة أو إشتراك في ساقية أو مجرى الماء أو الرهق أو الصبابة التي يصب منها، لأن الماء الذي يفيض من أرض إلى أرض مجاورة يكون مصدره مجرى خاص بالأرض الذي يفيض الماء منها أو صبابة أو رهق خاص بها يصب الماء منه إلى الأرض، فإذا أرتوت الأرض فاض الماء منها إلى الأرض المجاورة لها أو الأرض الأسفل منها ، فلا يتحقق سبب الشفعة في هذه الحالة لعدم وجود إشتراك في مجرى الماء أو صبابة الماء – اما إذا كان مجرى الماء أو المسقى أو الصبابة مشتركاً فإن سبب الشفعة يتحقق لوجود الخلطة في مجرى أو مسقى الماء أو الصبابة التي يصب منها الماء حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: ماهية  حق الشرب  وماهية الإشتراك فيه:

نظم القانون المدني حق الشرب في المواد (من 1359 حتى 1365)، حيث نصت المادة (1359) على أن (الماء مباح اصلا للجميع ولا يملك ملكية خاصة الا بالنقل او بالاحراز او ما في حكمهما وهو مثلي يضمن بمثله , ويعتبر حفر البئر لتلقي الماء احرازا له اذا اتى من مباح ومر في المجرى)، فوفقا لهذه المادة يكون الماء مباحا فإذا تدفق الماء إلى الأرض من تلقاء ذاته من غير ساقية قام ببنائها أو حفرها صاحب الأرض أو اشترك في حفرها وبنائها اكثر من مالك فإن ذلك يكون احرازا للماء، فيتحقق بذلك الاحراز للماء والإشتراك في حق الشرب، اما
المـادة (1361) فقد بينت ماهية الإشتراك في حق الشرب الذي يعني قيام ملاك الارا ضي المتجاورة بإنشاء منشآت مائية أو إستعمالها على سبيل الإشتراك وصيانتها لغرض تحقيق حق الشرب المشترك حيث نصت هذه المادة على أنه (من انشأ جدولاً او مجرى لري ارضه فليس لاحد غيره حق الانتفاع به الا باذنه، ولا يجوز لاحد الشركاء في الجدول المشترك ان يشق منه جدولا اخر الا باذن باقي الشركاء) ، في حين بينت المادة (1362) التزامات الشركاء في حق الشرب بإصلاح وصيانة المنشآت المائية المشتركة التي تشرب أراضيهم منها، وفي هذا الشأن نصت هذه المادة على أنه (اذا لم يتفق اصحاب حق الشرب على القيام بالاصلاحات الضرورية للجدول المشترك جاز بناءً على طلب اي منهم الزامهم بالاصلاحات الضرورية كل بنسبة حصته فيه)،
وفي السياق ذاته صرحت المــادة (1363) بأن حق الشرب تابع للارض التي تشرب بمقتضى هذا الحق، ومفاد ذلك ان المساقي  التي تشرب منها الأرض تكون تابعة للارض  التي تشرب منها سواء أكانت هذه المساقي خاصة أو مشتركة بين اكثر من أرض، وفي هذا الصدد نصت هذه المادة على أن (حق الشرب يورث ويوصى بالانتفاع به, ولا يباع الا تبعا للارض ولا يوهب ولا يؤجر الا لعرف)، اما المادة (1364) فقد بينت ان الماء الذي ينحدر من تلقاء ذاته فتشرب منه الأراضي لايكون مشتركا وإنما يكون من حق  صاحب الأرض الملاصقة للمنحدر الذي يصب الماء منه إليها اولا وأنه ليس لصاحب الأرض الاسفل منها الا مازاد عن حاجة الأرض العليا من الماء، ومع ان الأرض السفلي تشرب من الأرض الأعلى منها الا  ان حق ا الشرب في هذه الحالة لايكون مشتركا، لان الماء يتدفق من الأرض الأعلى إلى الأرض الاسفل من تلقاء ذاته بسبب الانحدار الطبيعي، فالماء يفيض من الأعلى إلى الاسفل، وفي هذا الصدد نصت المادة (1364) على أنه (لا يمنع ذو الصبابة من حقه وهو ما فضل من الماء عن كفاية المتقدم في الاحياء والعبرة في الكفاية وقت الاحياء , واذا لم يعرف فالعبرة بوقت السقي)، وبناء على ماتقدم فإن الإشتراك في حق الشرب لايتحقق الا اذا كانت هناك منشآت مشتركة بين ملاك الأرض يتجمع الماء فيها ثم يتم تقسيمه أو توزيعه لشرب الأراضي حيث يتم تقسيمه بحسب الإتفاق بين أصحاب الحق المشترك أو  بحسب قواعد العرف في المنطقة.

الوجه الثالث: الشفعة بسبب  الخلطة والإشتراك في حق الشرب في القانون المدني اليمني:

بينت المادة (1256) مدني أسباب الشفعة بصفة عامة وعلى سبيل الإجمال، إذ نصت هذه المادة على أن (سبب الشفعة هو: إتصال الشفيع بالعين المشفوعة إتصال شركة (خلطة) في أصلها أو في حق من حقوقها، وتختلف أسباب الشفعة في القوة طبقاً لما ينص عليه القانون)، ووفقا لهذا النص تندرج الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب أو المسقى  تندرج ضمن أسباب الشفعة المقررة في هذا النص، لأن حق الشرب أو السقي من الحقوق الملحقة بأصل العين المشفوعة المشار إليها في هذا النص، فإذا ثبت الإشتراك والخلطة في حق الشرب، فقد تحقق سبب الشفعة.

اما المادة (1257) مدني فقد صرحت بأن الإشتراك  والخلطة في حق الشرب سبب من أسباب الشفعة، إضافة إلى أن هذه المادة قد بينت مرتبة الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب ضمن أسباب الشفعة، فقد نصت هذه المادة على أن (تستحق الشفعة لأصحابها على الترتيب التالي: -1- الشريك المخالط في أصل العين -2- الشريك المخالط على الشيوع في الشرب ومجراه -3- الشريك المخالط على الشيوع في الطريق)، فمن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد صرح بأن الإشتراك في حق الشرب أو المجرى أو المسقى أو المشرب من أسباب الشفعة، فضلاً عن أن هذا النص قد حدد مرتبة الشفعة بسبب الإشتراك في حق الشرب، فقد ذكر هذا النص أن الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب تأتي في المرتبة الثانية بعد الشفعة بسبب الإشتراك في ملكية اصل العين.

وبناء على ذلك إذا طلب الشفعاء المذكورون في النص وهم الشافع بسبب الخلطة في ملكية اصل العين والشافع بسبب الخلطة في حق الشرب والشافع بسبب الخلطة في حق الطريق، فإذا طلب هولاء الشفعة في وقت واحد فيتم تقديم الشفيع صاحب السبب الأقوى اي يكون لصاحب الحق الأقوى أو الاعلى مرتبة  تملك العين المشفوعة كاملة إذا تساووا في طلب الشفعة مع إختلافهم في مرتبة الشفعة ، اما اذا تساوى الشافعون في وقت طلب الشفعة وفي مرتبة حق الشفعة، فيتم تقسيم العين المشفوعة  بين الشفعاء بالتساوي بحسب عدد رؤوس الشفعاء وليس بحسب نصيب كل واحد في سبب الشفعة، بحسب ما ورد في المادة (1258) مدني التي نصت على أنه (إذا تساوى الشفعاء في الطلب قدم صاحب السبب الأقوى على الترتيب المبين في المادة السابقة (م1257)، وإذا تساووا في الطلب والسبب قسمت الشفعة على رؤوس الشفعاء).

الوجه الرابع:  الخلطة أو الإشتراك في حق الشرب من الآبار والسدود والاحواض:

حق الشرب هو: حق تابع للعين او الأعيان التي تنتفع بهذا الحق، فإذا كانت هناك  عدة أراضي زراعية يتم سقيها من مسقى أو مصدر واحد مشترك بينها، فيسيل منه الماء إلى تلك الأراضي الزراعية المملوكة لعدة أشخاص، فعندئذ يتحقق الإشتراك والخلطة في حق الشرب الذي يكون سببا للشفعة ، وتطبيقاً لهذا المفهوم فقد يكون الإختلاط في المشرب أو المجرى أو المصب الذي يصب منه الماء فتشرب منه الأرض الزراعية التي يملكها أكثر من شخص.

وقد ورد الإشتراك والإختلاط في حق الشرب كسبب للشفعة ورد في القانون المدني اليمني مطلقاً، وهذا يعني أن الإشتراك والإختلاط في حق الشرب يشمل أيضاً الشرب من ماء الآبار والبرك والاحواض والسدود التي يتم تجميع الماء فيها ثم يتم سقي مزروعات الاشخاص منها، بيد انه لا يتحقق سبب الشفعة عند السقي من الآبار والاحواض والسدود الا اذا تحقق الاشتراك والخلطة في مجرى الماء  الصادر من  الآبار والاحواض والسدود، والله اعلم.

لا شفعة في حق الشرب إذا كان فيضاً أو موجاً
لا شفعة في حق الشرب إذا كان فيضاً أو موجاً