حكم إختلال عقد المغارسة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من
العقود الشائعة بكثرة في اليمن عقد المغارسة الذي يتم في اليمن بصيغ عدة منها أن
يقوم مالك الأرض بإستئجار الشخص
الغارس الذي يقوم بموجب عقد المغارسة يقوم
بغرس أشجار مثمرة في أرض الشخص الذي استاجره، وتكون اجرة الغارس جزءا من محصول الغروس القائمة في الأرض أو جزء من الأرض ذاتها، وعقد المغارسة
مثل غيره من العقود له أركان هي: الركن
الأول العاقدان وهما مالك الأرض والغارس، والركن الثاني: الصيغة وهي الإيجاب
والقبول، والركن الثالث محل العقد وهي الغرس والأجرة، ولاريب انه ينبغي أن تتحقق
في كل ركن من أركان عقد المغارسة شروط حتى يكون عقد المغارسة صحيحاً، فمثلا يجب أن
يكون الإيجاب متطابقا مع القبول، كما يشترط
رضاء المتعاقدين، وان تكون الغروس معلومة ومدة عقد المغارسة معلومة، وكذا
الأجرة يجب أن تكون معلومة وغير ذلك من شروط المغارسة ، فإذا تخلف اي ركن من أركان
عقد المغارسة أو شرط من شروطها فإن عقد المغارسة يكون مختلا ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-3-2018م في الطعن رقم (59471)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((فإن ما ورد في الحكم الاستئنافي لا يمكن القبول به على إطلاقه، لأنه في
حالة إختلاف الطرفين في شرط من شروط صحة عقد المغارسة فعلى محكمة الموضوع الفصل
فيما شجر بينهما وفقاً للثابت في الأوراق وتطبيق المادة (762) مدني، وعند التفاسخ
يخير الغارس بين تفريغ الأرض بقلع الغروس ويرجع بنقصانها وهو ما بين قيمتها قائمة
ليس لها حق البقاء وقيمتها مقلوعة أو تركها لمالك الأرض وأخذ قيمتها قائمة ليس لها
حق البقاء فإذا لم يسلم المستأجر الغلة فعليه تسليمها بحسب عرف الجهة))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية عقد المغارسة وحكم عقد المغارسة الصحيح:
المغارسة: هي
أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجراً، وعرفها الشافعية: بأن يسلم المالك
أرضه إلى الغارس ليغرسها من عنده والشجر
بينهما ، وتسمى عند أهل الشام المناصبة أو المشاطرة؛ لأن الشجيرة الغرسة تسمى
عند العامة في الشام نصباً، أي منصوباً، ولأن الناتج يقسم بينهما مناصفة لكل واحد
منهما الشطر اي النصف فتسمى مشاطرة، (الفقه الإسلامي وادلته، د. وهبة الزحيلي. 6/340).
وقد عرف القانون المدني اليمني المغارسة بتعريف مقارب للتعريف الفقهي حسبما ورد في
المادة (761) مدني التي نصت على أن (المغارسة الصحيحة أن يستأجر مالك الأرض من
يغرس قدراً معلوماً من أرضه بغرس معين من عند الأجير من الأشجار التي لها أصل
ثابت، ويقوم الأجير بتربية الغرس حتى يكتمل صلاحه وتبدو ثمرته في مدة معلومة بأجرة
معلومة ولو جزءاً معلوماً من الأرض أو الغرس، وهذا النوع من المغارسة ملزم للطرفين
بما تراضيا عليه حال العقد وليس لأحدهما الفسخ ولا تعود الأرض كاملة إلى مالكها
إلا بذهاب كامل الغرس أو بإتفاق الطرفين)، ومن خلال سياق هذا النص يظهر أن محل عقد
المغارسة ليس الأرض التي يتم غرسها وإنما محلها الأجير الغارس الذي يستأجره مالك
الأرض لغرسها، كما يظهر من النص السابق أن الغروس التي يتم غرسها في الأرض تكون
مقدمة من الأجير وليس من مالك الأرض، ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر
أن الأجرة التي يستحقها الأجير الغارس هي جزء من الأرض المغروسة أو جزء من الأشجار
المغروسة، ويجب أن تكون مدة عقد المغارسة معلومة وتكون غالبا طويلة، لأن الأشجار
التي يقوم الأجير بغرسها تدوم لسنوات كالبن والقات والبرتقال والمانجو وغيرها من
الأشجار المثمرة التي يستفيد المالك والأجير بثمارها.
ويختلف عقد المغارسة عن عقد المزارعة الذي يقوم
فيه مالك الأرض بتأجير أرض معلومة للمزارع كي يزرعها مقابل جزء معلوم مما تنتجه
الأرض، فمحل عقد المزارعة هي الأرض التي يقوم المالك بتأجيرها للمزارع لزراعتها بخلاف
عقد المغارسة الذي يكون محله هو الأجير المزارع الذي يستأجره مالك الأرض
لغرسها بأشجار مثمرة لها اصل ثابت حسبما ورد في النص القانوني السابق
.
الوجه الثاني : حكم إختلال شرط من شروط عقد المغارسة:
سبق القول في الوجه الأول ان المادة (761) مدني
قد بينت حكم عقد المغارسة الصحيح الذي توفرت فيه كافة الأركان والشروط الصحيحة،
اما إذا اختلت بعض أركان وشروط عقد المغارسة فيتم تطبيق ما ورد في المادة (762)
مدني التي نصت على أنه (إذا اختل شرط أو أكثر من شروط الصحة فالغروس للغارس وعليه
أجرة المثل وعند التفاسخ يخير الغارس بين تفريغ الأرض بقلع الغروس ويرجع بنقصانها
وهو ما بين قيمتها قائمة ليس لها حق البقاء وقيمتها مقلوعة أو تركها لرب الأرض
وأخذ قيمتها ليس لها حق البقاء)، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص حسبما
هو ظاهر في أسباب الحكم المذكورة في مقدمة هذا التعليق، والمقصود بإختلال شروط عقد
المغارسة: تخلف أي شرط من شروط صحة عقد المغارسة، لأن أركان عقد المغارسة ثلاثة الركن الأول صيغة المغارسة وهي الإيجاب
والقبول والركن الثاني العاقدان وهما مالك الأرض و الغارس والركن الثالث محل عقد
المغارسة وهو الغروس والاجرة المستحقة للغارس، ويجب ان تتوفر في كل ركن من أركان المغارسة شروط
معينة، فهناك شروط في المتعاقدين أهمها: البلوغ والرشد والرضاء، وهناك شروط في
الأرض وهي: أن تكون مملوكة لمن يستأجر الغارس ويجب أن تكون الأرض معلومة، كما أن
هناك شروط في الأجرة ومدة العقد مثل: أن تكون معلومة، وهناك شروط في صيغة عقد
المغارسة وهي: الإيجاب والقبول مثل: تطابق الإيجاب مع القبول...إلخ.
إضافة إلى أن الفقهاء الذين ذهبوا إلى جواز
المغارسة قد اشترطوا لصحة المغارسة بعض الشروط منها:
1-
يُشترط
في عقد المغارسة أن تكون الأشجار التي تُزرع في الأرض المعقود عليها ثابتة الأصول،
ولا يصح استخدام الزروع الموسمية السنوية، التي لا تدوم لأكثر من موسم،
كالبقوليات.
2-
يجب أن
تكون الأشجار المغروسة من الأشجار التي يُدرك ثمرها في نفس الفترة الزمنية.
3-
لا
يجوز استخدام الأشجار التي يمتد أجلها إلى مدّة طويلة، تحتاج إلى عدّة سنوات في
عقد المغارسة.
4-
يجب
تخصيص حصة من الأرض والشجر المغروس للغارس ، من خلال تحديدها خلال إنشاء العقد.
5-
لا يصح
تعليق عقد المغارسة على شروط معيّنة، لأن المغارسة كعقد البيع، وعقد
البيع ممّا لا يجوز توقيفه على شروط، فإذا
تخلف أي شرط من شروط المغارسة السابق
ذكرها فيتم تطبيق ما ورد في المادة (762) مدني السابق ذكرها. (فقه المعاملات
المالية المعاصرة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص316).
الوجه الثالث: حكم التعدي في غرس الأشجار في الأرض من غير إذن أو موافقة مالك الأرض:
يتحقق الإعتداء على الأرض بغرس الأشجار فيها من
غير رضاء مالكها، فإذا ثبت قيام الشخص بغرس الأشجار في أرض غيره بدون عقد مغارسة
أو طلب من مالك الأرض أو موافقته أو قبوله بالغرس في أرضه فإن الغرس في هذه الحالة
يكون اعتداءا على الأرض، وفي هذه الحالة يتم تطبيق المادة (713) مدني التي نصت على
أن (ما وضع بتعد من غرس أو بناء أو نحوهما وجب على واضعه إزالته وتسليم أرش الأرض
لما لحقها من ضرر بسبب القلع والإزالة، مالم يرغب الطرفان في بقاء الغرس أو البناء
ونحوهما فعلى مالك الأرض دفع قيمة الغرس قائمة ليس لها حق البقاء وعلى الواضع
تعدياً أجرة الأرض بما يقدره عدلان وأرش جناية ما أحدثه).
الوجه الرابع: إختلاف الفقهاء بشأن حكم المغارسة:
اختلف الفقهاء بشأن حكم المغارسة ، فأجازها
المالكية ومنعها الفقهاء الآخرون، وبيان أقوال الفقهاء في ذلك على النحو الاتي:
قال الشافعية: لا تصح
المغارسة، إذ لا يجوز العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها، ولأن الغرس ليس من عمل
المساقاة، فضمه إليها يفسده، ويمكن للمالك أن يحقق ما يريد عن طريق الإجارة.
![]() |
حكم إختلال عقد المغارسة |