طلب تعيين محاسب عندما يكون الحساب واضحاً

 

طلب تعيين محاسب عندما يكون الحساب واضحاً

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وفقاً للمادة (165) من قانون الإثبات اليمني فإن تعيين الخبير العدل يكون في المسائل الفنية الدقيقة التي يدق على القاضي فهمها والإحاطة بها، اما إذا كانت المسألة الحسابية واضحة كما لو تصادق الخصوم عليها  أو لم يعترضوا عليها اثناء التعامل بين الخصوم أو كانت مفردات الحساب أو القيود المحاسبية  بسيطة وقليلة العدد وواضحة في الكشوفات المقدمة أمام المحكمة ولا تحتاج القيود المحاسبية إلى دراسة وفحص للتأكد من صحتها وسلامتها، ففي هذه الحالات لا تكون  المسألة الحسابية  فنية دقيقة، ولذلك لا يعيب حكم محكمة الموضوع إذا رفض طلب الطاعن تكليف محاسب قانوني لفحص وتدقيق الحساب بين الطرفين، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-1-2016م في الطعن رقم (57389)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما طلب الطاعن الإستعانة بخبير محاسب قانوني فذلك يرجع إلى تقدير محكمة الموضوع فيما يدق فهمه، مع أن ما عليه النزاع واضح لا يستدعي الإستعانة بمحاسب))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: حالات وضوح الحساب التي لا تستدعي تعيين محاسب:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه إذا كان الحساب واضحاً  فلايلزم محكمة الموضوع الاستجابة لطلب تعيين محاسب لإجراء الحساب، لأن وضوح الحساب يجعل المسألة محل الخلاف واضحة يستطيع القاضي بنفسه إدراكها من غير إستعانة بأعمال الخبرة، لأن الإستعانة بأعمال الخبرة لا تكون إلا في المسائل الفنية الدقيقة التي لا يستطيع القاضي  الإحاطة بها حسبما هو مقرر في المادة (165) إثبات التي نصت على أن (على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة  والحساب وغيرها ممايدق فهمه ان تعين خبيرا (عدلا) أو أكثر من المؤهلين علميا وفنيا أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد في إثبات الواقعة المراد إثباتها، ويجب على المحكمة أن تذكر في قرارها بيانا دقيقا لمامورية الخبير والأجل المضروب لايداع تقريره فيه، ويكلف الخبير بتقديم تقرير بما أدت اليه ابحاثه في الموعد المحدد، ويجوز ان يتفق الخصوم على خبير عدل أو أكثر تعينهم المحكمة بناء على طلبهم كما يجوز أن يختار كل من الخصمين خبيرا عدلا على أن تختار المحكمة خبيرا عدلا مرجحا)، فهذه  المادة صرحت بأن اختيار الخبير يكون في حالة المسائل الفنية الدقيقة، وهذا يعني أنه لا يلزم اختيار خبير في الحالات التي يكون فيها الحساب واضحا، وهناك حالات يكون فيها الحساب واضحاً بالنسبة للقاضي منها الحالات الآتية:

الحالة الأولى: قلة عدد القيود المحاسبية محل الخلاف: فعندما تكون القيود المحاسبية قليلة العدد فأن ذلك يدل على أن التعامل بين المتنازعين كان محدودا  في تعاملات قليلة جداً يستطيع القاضي من خلال مطالعته للمستندات المقدمة من الخصوم التحقق من صحة إحتساب المبالغ والاطلاع على المستندات المؤيدة لما ورد في القيود المحاسبية ومعرفة كيفية إحتساب  المبالغ المقيدة في القيود المحاسبية، والفصل في النزاع في ضوء ذلك من غير حاجة للإستعانة بالخبير المحاسب.

الحالة الثانية: سبق إقرار الخصوم أو مصادقتهم على الحساب: فإذا كان قد سبق للخصوم أن أقروا بصحة وسلامة القيود المحاسبية كلها، فالحساب عندئذ واضح، فلا محل للمطالبة بتعيين خبير محاسب، وإذا كانت الخصوم قد تصادقوا على صحة بعض القيود، فلا مجال لتعيين محاسب لتدقيقها ، اما تلك القيود التي لم يتم التصادق بشأنها فلها حكمها، فإذا كانت القيود قليلة فينطبق بشأنها ما سبق ذكره في الحالة الأولى.

الحالة الثالثة: إذا كانت القيود المحاسبية بسيطة لا تحتاج إلى دراسة سجلات أو مستندات مؤيدة للقيود المحاسبية.

الحالة الرابعة : إذا كان قد ثبت ان الخصم قد سبق له  ان اطلع على كشف الحساب ولم يعترض على أي قيد من القيود الواردة في كشف الحساب .

الوجه الثاني: الطلبات الكيدية بتكليف الخبراء:

من المقرر في الفقه والقضاء أن تعيين الخبير من عدمه يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، مثلما أن نتائج أعمال الخبرة ذاتها تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وعلى هذا الأساس فليست محكمة الموضوع ملزمة قانوناً بالإستجابة لطلبات الخصوم بإنتداب خبراء عدول، فالسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في تعيين الخبير من عدمه من الوسائل التي يتوسل بها القاضي في مواجهة الطلبات الكيدية للخصوم بإنتداب خبراء عدول، إذ يعمد الخصوم في حالات عدة إلى مطالبة المحكمة بإنتداب خبراء في مسائل ليست دقيقة وليست فنية بهدف إطالة إجراءات التقاضي وإرهاق الخصوم وحبس أموال وحقوق خصومهم خلال فترة التقاضي الكيدي الطويلة ، لأن إجراءات التعيين للخبراء وإجراءات عملهم طويلة، فغالباً ما تكون عملية الإختيار للخبراء محل خلاف وجدل وإعتراض بين الخصوم وذلك يستغرق وقتا، وبعد أن يتم تكليف الخبير أو الخبراء تبدأ مرحلة جديدة من الجدال والخلاف بين الخصوم حينما يقدم الخبير التقرير الأولي حيث يواجه الخصوم ذلك بالإعتراضات والتظلمات، وبعد ذلك يبدأ الخبير بتنفيذ مهمته وعندئذٍ يواجه الخصوم كل إجراء من الإجراءات بسلسلة من الإعتراضات التظلمات، وبعد الإنتهاء من تنفيذ المهمة وقبل إعداد التقرير النهائي للخبراء غالباً ما يختلف الخبراء تبعاً لخلاف الخصوم الذين رشحوهم، ففي هذه الحالة قد يقوم القاضي بإختيار خبير مرجح، وبعد تقديم الخبراء العدول للتقارير المتضمنة نتائج الأعمال التي قاموا فيها يقوم الخصوم في مواجهتها بالإعتراض والمناقشات وإبداء الملاحظات، وربما أن المحكمة قد تأمر بإعادة القيام بالمهمة أو بالإستيفاء في ضوء ملاحظات الخصوم، وهكذا تكون طلبات الخصوم الكيدية سببا في إطالة إجراءات التقاضي.

ولذلك يقوم القضاة في بعض القضايا بتحديد أوجه الخلاف من أجل حصر مهمة الخبير، فمثلاً في الخلافات المحاسبية يكلف القاضي الخصم الذي يطالب بتعيين محاسب بتحديد القيود المحاسبية التي يعترض عليها حتى يقوم المحاسب ببحثها دون بقية القيود المحاسبية، وحصر القيود المحاسبية محل الخلاف وسيلة لمواجهة الطلبات الكيدية بتعيين الخبراء العدول، والله اعلم.

طلب تعيين محاسب عندما يكون الحساب واضحاً
طلب تعيين محاسب عندما يكون الحساب واضحاً