العلم اليقيني لصاحب الشأن بالقرار الإداري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تقوم
الإدارة بإصدار قرارات تمس المراكز القانونية لموظفيها أو عمالها أو الأفراد
الآخرين، وقد كفل الدستور والقانون للأفراد حق التقاضي أو الطعن في القرارات غير
المشروعة التي تمس مصالحهم وحقوقهم ومراكزهم القانونية، ولا يتمكن الأشخاص من
التظلم أو الطعن في القرارات المخالفة إلا إذا تم إعلامهم بها، وعلى هذا الأساس
فإن علم الموظف أو العامل بالقرار الإداري شرط لنفاذ القرار الإداري، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
15-8-2016م في الطعن رقم (57981)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه
(الخطابين الموجهين من المدعى عليه إلى المدعي لم يتضمنا علم العامل اليقيني بأنه قد تم الإستغناء عن خدماته، وحيث
أن المعلوم فقهاً وقضاءً أن من شروط نفاذ القرارات الإدارية في مواجهة الأفراد هو
العلم بها علماً يقينياً وليس ظنياً أو إفتراضياً، وحيث أن علم العامل بقرار إنهاء
خدمته لم يثبت فإن سريان القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء يبدأ في مواجهة
المدعي من تاريخ العلم به، إضافة إلى أن المستندات المقدمة من قبل المدعي تؤيد عدم
علمه بصدور ذلك القرار، وأنه ظل حبيس الأدراج في البنك)، وقد قضى الحكم الاستئنافي
بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضى حكم المحكمة
العليا بأنه: ((فقد تبين للدائرة أن الدفع الذي تقدم به محامي البنك بعدم إختصاص
المحكمة الإدارية الابتدائية نوعياً بالفصل في القضية وإن الإختصاص منعقد للجنة
التحكيمية العمالية، فقد تبين للدائرة: أن ذلك الدفع في محله...إلخ))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية العلم اليقيني لصاحب الشأن بالقرار الإداري:
المقصود بصاحب الشأن هو الشخص المعني بالقرار
الإداري الذي يمس القرار مركزه القانوني وحقوقه ومصالحه، والمقصود بالعلم
اليقيني بالقرار الإداري هو: علم الفرد
صاحب الشأن بمضمون القرار الإداري وبنوده وعناصره واسبابه ومحتوياته وملحقاته، شريطة ان يكون هذا العلم علماً
يقينياً نافياً للجهالة وشاملاً محتويات القرار واسبابه وبنوده بما يمكن الفرد صاحب الشأن من تحديد موقفه
ومركزه القانوني من القرار، فإذا ثبت العلم اليقيني للفرد صاحب الشأن بالقرار
الإداري فإن هذا العلم اليقيني يقوم مقام النشر أو التبليغ لصاحب الشأن ، وهذا هو
مفاد نظرية العلم اليقيني التي ابتدعها مجلس الدولة الفرنسي.
وهناك
شروط لتطبيق نظرية العلم اليقيني بالقرار الإداري منها: الشرط الأول: يجب أن يكون
العلم بالقرار علماً قاطعاً يقينياً لا ظنياً وثابتاً لا إفتراضياً، ويعني هذا
الشرط وجوب تحقق علم صاحب الشأن بالقرار علماً قاطعاً لا يعتريه شك أو ظن أو
إفتراض، وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا بمصر، الشرط الثاني: أن
يكون العلم بالقرار شاملاً لكافة بنود القرار ومحتوياته وعناصره واسبابه، وعلى
النحو الذي يمكن صاحب الشأن من تحديد مركزه وموقفه القانوني من القرار.
الوجه الثاني: إثبات علم صاحب الشأن بالقرار الإداري:
لم يشترط الفقه والقضاء وسيلة معينة يتحقق بها العلم اليقيني بالقرار، وقد درج القضاء الإداري في اليمن ومصر وفرنسا على أن العلم اليقيني يتم إثباته عن طريق وسائل الإثبات الآتية:
1- إقرار صاحب الشأن: وهذا الإقرار قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً وقد يكون كتابياً كما قد يكون شفهياً، ولا يشترط في الاقرار أن يكون في مجلس القضاء أو مكان معين.
2- تظلم صاحب الشأن من القرار: فالتظلم دليل على علم صاحب الشأن بالقرار الذي تظلم منه.
3- تنفيذ صاحب الشأن للقرار الإداري: فتنفيذ صاحب الشأن للقرار الإداري دليل على علم صاحب الشأن بالقرار الذي يقوم بتنفيذه.
4- قيام صاحب الشأن بالطعن في القرار أو المطالبة بإلغائه: فإذا قام صاحب الشأن بالطعن في القرار الإداري أو طلب إلغاء القرار، فإن ذلك دليل على علم صاحب الشأن بالقرار.
5- المكاتبات المتبادلة فيما بين صاحب الشأن وجهة الإدارة: فقد تتضمن هذه المكاتبات ما يدل على العلم اليقيني لصاحب الشأن بالقرار الإداري.
6- نشر القرار الإداري: ويشترط في النشر أن يتم في صحيفتين محليتين، وقد يكون النشر في الجريدة الرسمية عندما يشترط القانون ذلك، ويشترط في النشر المفضي إلى العلم اليقيني أن يكون نشراً كاملاً للقرار يتضمن تفاصيله ومحتوياته حتى يتمكن صاحب الشأن من تحديد طريقة الطعن فيه، ومع ان العلم عن طريق النشر يكون افتراضيا الا ان القانون يقرر في بعض الحالات إعتباره وسيلة تفيد العلم اليقيني بالقرار الإداري المنشور .
7- الشهادة على علم صاحب الشأن بالقرار الإداري: فقد استقر القضاء الإداري على جواز إثبات واقعة العلم اليقيني بالقرار الإداري عن طريق شهادات الشهود. (نظرية العلم اليقيني في قضاء محكمة العدل العليا الأردنية، د. فيصل عبدالحافظ الشوابكة، ص9) و (العلم اليقيني بالقرار الإداري، د. محمد فوزي نويحي ، ص132).
الوجه
الثالث: سريان القرار الإداري في مواجهة الأفراد:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن القرار الإداري لا
يكون نافذاً في مواجهة الأفراد إلا من تاريخ علمهم اليقيني بالقرار، وقد سبق أن
عرضنا في الوجه السابق طرق إثبات علم صاحب الشأن بالقرار الإداري، ومن مقتضيات
نفاذ أو سريان القرار الإداري من تاريخ العلم اليقيني به مبدأ عدم جواز رجعية
القرار الإداري على الحالات السابقة لصدوره، ولذلك نجد في البند الأخير من القرار
الإداري ترد عبارة (العمل به من تاريخ صدوره).
وإن كانت القاعدة العامة في القرارات الإدارية هي نفاذها من تاريخ صدورها، غير أنه يجوز إرجاء نفاذ بعض القرارات التنظيمية إلى فترة لاحقة من تاريخ صدورها، لأن نفاذ هذه القرارات التنظيمية يحتاج إلى وقت وإجراءات تنفيذ تستلزم إرجاء نفاذها إلى المستقبل. (وسائل نفاذ القرار الإداري الإلكتروني،د. عمر عبدالحفيظ، ص5)، والله اعلم.
![]() |
العلم اليقيني لصاحب الشأن بالقرار الإداري |