الخطأ في تكييف التصرف والخطأ في تطبيق القانون

 

الخطأ في تكييف التصرف والخطأ في تطبيق القانون

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

التكييف هو إطلاق وتطبيق التسمية الشرعية والقانونية للتصرف أو الفعل أو الواقعة حتى يتم التطبيق السليم والصحيح لأحكام الشرع والقانون على الفعل أو التصرف، ويترتب على الخطأ في التكييف الخطأ في تطبيق الأحكام الشرعية والقانونية على الفعل والتصرف، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-1-2017م في الطعن رقم (58266)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والثابت أن محكمتي الموضوع كيفتا تصرف والد الطاعن على أنه إرجاع للهبة، وهذا التكييف لا يقوم على سند من الواقع والقانون، لعدم إثبات خلاف الأصل، وهي دعوى الشراكة الثابتة في أصل البصيرة، مما يتعين معه قبول الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: التصرف الذي تناوله الحكم محل تعليقنا الذي اخطأ في تكييفه حكم محكمة الموضوع:

كانت الواقعة محل الخلاف التي تناولها الحكم محل تعليقنا : تتمثل في أن الطاعن كان يتمسك ببصيرة الشراء المشتركة التي تحكي شراؤه للأرض شراكة مناصفة بينه وبين والده وشراكتهما في الأرض على هذا النحو ، ومع أن البصيرة تحكي البيع والشراء للأرض المشار إليها والشراكة فيها  مناصفة بين الطاعن ووالده، إلا أن حكم محكمة الموضوع قام بتكييف التصرف  المذكور في البصيرة على أنه هبة من الوالد لولده الطاعن وليس بيعا و شراء وشراكة بين الطاعن ووالده، وقد اعتمد حكم محكمة الموضوع في تكييفه للتصرف بأنه كان هبة يجوز للوالد الرجوع عنها  اعتمد الحكم في ذلك على قرائن ليس لها اصل في أوراق القضية، سيما ان المطعون ضدهم قد عجزوا عن إثبات خلاف ماورد في بصيرة الشراء والشراكة المشار إليها بادلة تدحض الثابت في البصيرة.

الوجه الثاني: معنى التكييف القانوني للتصرف:

المقصود بالتكييف هو: إطلاق التسمية الشرعية والقانونية  الصحيحة على التصرف المعروض على القضاء، وذلك يقتضي الرجوع إلى كتب الفقه المعتمدة والقوانين الناظمة للتصرف لمعرفة الاسم الشرعي والقانوني الصحيح للتصرف بعد الاحاطة والالمام التام  بتفاصيل التصرف أو الواقعة المعروضة على القاضي وادلة ثبوتها ، ومعنى ذلك بالنسبة للتصرف الذي تناوله الحكم محل تعليقنا :أنه كان ينبغي على محكمة الموضوع قبل الحكم في القضية الرجوع إلى القوانين الناظمة للبيع والهبة لمعرفة التسمية الصحيحة للتصرف محل الخلاف المنظور أمامها ، ومن ثم تطبيق الأحكام الشرعية والقانونية على التصرف بحسب التسمية الشرعية والقانونية للتصرف ، ولذلك ورد في الحكم محل تعليقنا القول: بأن تكييف محكمة الموضوع ليس له أصل في الشرع والقانون.

كما أن تكييف التصرف يقتضي أيضاً  الاحاطة والفهم الدقيق والصحيح بتفاصيل وإجراءات وادلة ثبوت التصرف أو الواقعة  المعروضة على القاضي حتى يتم إطلاق التسمية الشرعية والقانونية الصحيحة على التصرف، وفي هذا الشأن ينبغي على القاضي الإحاطة التصرف من حيث اركانه وشروطه وأحكامه وإجراءاته، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد ذكر أن تكييف التصرف ليس له أصل في الواقع.

الوجه الثالث: الخطأ في التكييف والخطأ في تطبيق القانون:

الخطأ في التكييف معناه: الخطأ في إطلاق التسمية القانونية على التصرف ومن ثم الخطأ في تطبيق الأحكام القانونية للتصرف تبعاً للخطأ في إطلاق التسمية، وهذا بعينه هو الخطأ في تطبيق القانون، ولذلك فقد ورد في الحكم محل تعليقنا أن الخطأ في التكييف سبب كافٍ لنقض الحكم.

الوجه الرابع: تكييف الرجوع عن الهبة:

اشار الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الصادر عن محكمة الموضوع قد أخطأ في تكييفه للتصرف بأنه هبة يجوز للواهب الرجوع عنها، لأن هذا التكييف يخالف الثابت في البصيرة التي حكت أن التصرف بيع وشراء وليس هبة، وتبعاً لذلك لا تنطبق على التصرف أحكام الهبة بما في ذلك الرجوع عن الهبة، لأن التصرف الثابت في البصيرة هو بيع توفرت فيه أركان وشروط البيع وأحكامه، سيما وقد عجز المطعون ضدهم عن إثبات خلاف ما ورد في البصيرة اي إثبات ان التصرف كان هبة ولم يكن بيعا ، فما ثبت  في البصيرة كتابة لا يدحض إلا كتابة، فضلاً عن أن الطاعن كان قد ثبت وقبض نصيبه من الأرض المشتراه المشتركة في حينه، فأحكام البيع وآثاره مغايرة لأحكام الهبة، وعلى من يدعي خلاف الظاهر أن يثبت ذلك - اي انه لاينبغي تكييف التصرف على أنه هبة الا اذا اثبت المطعون ضدهم ان بالأدلة اللازمة ان التصرف كان هبة وليس بيعا، حسبما ورد في البصيرة، وذلك هو المقصود بقول الحكم محل تعليقنا (خلاف الأصل)، والله اعلم.

الخطأ في تكييف التصرف والخطأ في تطبيق القانون
الخطأ في تكييف التصرف والخطأ في تطبيق القانون