القرار الإداري المعيب بوقف الموظف عن العمل

 

القرار الإداري المعيب بوقف الموظف عن العمل

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الأصل وفقا لقانون الخدمة المدنية انه لايجوز وقف الموظف عن العمل حتى في حالة التحقيق الإداري مع الموظف، واستثناء من هذا الأصل يجوز وقف الموظف عن العمل في حالة التحقيق الإداري معه إذا اقتضت مصلحة التحقيق والعمل ذلك.

اما بالنسبة للموظف المحال إلى التحقيق الجنائي معه في قضية جنائية سواء أكانت القضية الجنائية متعلقة بالعمل ام بغيره فإن الموظف المحال للتحقيق الجنائي يكون موقوفاً عن العمل بحكم القانون حسبما هو مقرر في اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية.

وتوقيف الموظف عن العمل عند التحقيق الإداري معه لايجوز الا إذا اقتضت مصلحة التحقيق توقيف الموظف عن العمل، كالخشية من قيام الموظف المخالف  بالعبث بأدلة المخالفة ومحو معالمها  أو كان يخشى من بإستمرار الموظف بالعمل استمراره في المخالفة ذاتها أو إرتكابه مخالفات أخرى، وعلى هذا الأساس فإن القرار الإداري بوقف الموظف عن العمل لغير مصلحة التحقيق ولغير مصلحة العمل يكون غير مشروعا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-12-2014م في الطعن رقم (55790)، الذي جاء ضمن أسبابه أنه: ((والدائرة تجد: أن مناعي الطاعن في غير محلها كون دعوى المطعون ضدهم أمام المحكمة الإدارية قد اقتصرت على مطالبتهم بإلغاء القرار الإداري الصادر من رئيس الجهة الذي قضى بتوقيفهم عن العمل من غير مقتضى ، ومن ثم فإن الإجراءات التي قامت بها محكمة الموضوع لم تخرج عن موضوع الدعوى، حيث كان الإختصام للقرار الإداري بتوقيفهم عن العمل، ولذلك فإن الحكم المطعون فيه موافق للقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: حالات الوقف المشروعة للموظف عن العمل (إذا اقتضت ذلك مصلحة التحقيق ومصلحة العمل ذلك، وكذا وقف الموظف المحال للتحقيق الجنائي بحكم القانون):

الأصل في القانون أنه لا يجوز توقيف الموظف عن العمل حتى عند التحقيق الإداري معه أو عند إحالته للتحقيق الإداري ، والاستثناء هو جواز توقيف العامل المخالف المحال للتحقيق الإداري إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو العمل ذلك كالخشية من قيام الموظف المحال للتحقيق من العبث في أدلة المخالفة وطمس معالمها أو كان من شان وقف الموظف عن العمل الحيلولة دون إستمرار الموظف المخالف في ارتكاب المخالفة ذاتها أوارتكابه مخالفات أخرى ، وفي هذا المعنى نصت المادة (117) من قانون الخدمة المدنية على أنه (-أ- لا يجوز توقيف الموظف اثناء فترة التحقيق إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق والعمل ذلك وبموافقة الوزير المختص ورئيس الوحدة الإدارية. –ب- يتقاضى الموظف راتبه أثناء فترة التحقيق إذا استمر في عمله أما إذا تم توقيف الموظف فأنه يتقاضى نصف راتبه أثناء فترة التحقيق التي لا يجوز أن تتعدى أربعة أشهر. –ج- لا يستحق الموظف الموقوف نصف الراتب المتبقي إذا كانت العقوبة المتخذة بحقه هي عقوبة الفصل من الخدمة أو عقوبة قيد الحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولا يكون مطالباً في هذه الحالة بإسترداد ما صرف له أثناء فترة التحقيق).

أما وقف العامل عن العمل بحكم القانون  فيقع عند إحالته للتحقيق الجنائي وخلال فترة التحقيق الجنائي معه وكذا في حالة الحبس الاحتياطي للموظف، فقد نصت على الوقف الحكمي اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية حسبما ورد في المادة (207) من اللائحة التي نصت على أنه (ب- يعتبر الموظف موقوفاً حكماً أثناء فترة التحقيق الجنائي أو الحبس قبل صدور الحكم مهما كانت مدته، وعلى الوحدة الإدارية متابعة سرعة إستكمال التحقيق وإصدار الحكم)، فهذا النص يعني أن الموظف المحال للتحقيق الجنائي يكون أثناء فترة التحقيق معه وكذا خلال فترة الحبس الاحتياطي له يكون موقوفاً عن العمل بحكم القانون دون حاجة إلى أي إجراء من جهة عمله سواء أكانت التهمة الجنائية المسندة للموظف متعلقة بعمله أم لا، لأن النص الوارد في اللائحة عام يشمل اية جريمة اقتضت التحقيق الجنائي مع الموظف اوحبسه إحتياطا على ذمة التحقيق أو المحاكمة الجنائية .

كما اجازت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية اجازتي لجهة الإدارة إصدار قرارها برفع توقيف الموظف عن العمل وإعادته إلى العمل، فقد نصت اللائحة في المادة (210) على أنه (يجوز رفع التوقيف على الموظف قبل إنهاء مدته بقرار من السلطة المختصة إذا تبين لها أن ذلك لا يؤثر على مصلحة العمل أو التحقيق)، لأنه قد يظهر للجهة الإدارية بعد توقيف الموظف المخالف أن عودته للعمل لا تؤثر على مصلحة التحقيق أو مصلحة العمل، ومن المعلوم أن رفع التوقيف في هذه الحالة قاصر على التوقيف الذي يقع بقرار من جهة الإدارة اي التوقيف الذي يصدر من الإدارة بمناسبة التحقيق الإداري مع الموظف ، فلا يسري رفع التوقيف بالنسبة للتوقيف الحكمي للعامل الذي يقع بحكم القانون اثناء التحقيق الجنائي مع الموظف أو اثناء فترة الحبس الاحتياطي للموظف على ذمة التحقيق الجنائي أو المحاكمة.

الوجه الثاني: الوقف غير المشروع للموظف عن العمل:

سبق القول في الوجه الأول أن وقف الموظف عن العمل وفقاً للقانون هو إجراء استثنائي تقتضيه مصلحة التحقيق أو مصلحة العمل وكذا الوقف الحكمي للموظف  اثناء التحقيق الجنائي معه واثناء فترة الحبس الاحتياطي للموظف على ذمة التحقيق أو المحاكمة ، والظاهر ان حالات وقف الموظف المشار إليها قد وردت في القانون ولائحته التنفيذية على سبيل الاستثناء، وبما أن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ولا القياس عليه، فإن أي وقف للموظف خلاف الحالات المحددة في القانون ولائحته  يكون إجراء باطلا ومخالفا للقانون، وعندئذ يكون قرار وقف الموظف معيبا ، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا  قضى بإلغاء قرار وقف الموظفين عن العمل، لأن وقفهم عن العمل  قد صدر من جهة الإدارة مع أنه لم تصدر من الموظفين مخالفات تقتضي إحالتهم إلى التحقيق معهم ومن ثم إتخاذ قرار وقفهم عن العمل، إضافة إلى أن مصلحة العمل لم تستدعي قيام الإدارة بإصدار قرار وقفهم عن العمل.

الوجه الثالث: الآثار السلبية الخطيرة المترتبة على وقف الموظف عن العمل:

سبق القول أن وقف الموظف عن العمل لا يقع إلا بمناسبة إرتكاب الموظف لجريمة أو مخالفة تستدعي التحقيق الجنائي والإداري معه، أي أن الوقف يكون عند إتهام الموظف بإرتكاب جريمة أو مخالفة، ومن هذا المنطلق فإن المحيط الوظيفي والاجتماعي ينظر ويتعامل مع الموظف الموقوف عن العمل على أنه مذنب قد ارتكب جرائم و مخالفات يستحق العقاب عنها، ولذلك تلحق بالموظف الموقوف عن العمل اضراراً مادية ومعنوية بالغة. 

الوجه الرابع: ضمانات توقيف الموظف عن العمل:

تضمن قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية ضمانات عدة لعدم إنحراف الإدارة في إستعمال سلطتها بتوقيف الموظف عن العمل، ومن هذه الضمانات أن قرار  التوقيف لا يصدر إلا من الرئيس الأعلى للجهة الإدارية، كما أن التوقيف يكون مؤقتاً لا يتجاوز أربعة أشهر بالنسبة للمخالفات الإدارية، فضلاً عن أن القانون قد اجاز لجهة الإدارة إعادة النظر في قرارها بتوقيف الموظف عن العمل وإصدار قرارها برفع التوقيف المفروض على الموظف المخالف، إضافة إلى أن القانون قد ضيق من نطاق التوقيف، فجعله محصوراً في التوقيف لمصلحة التحقيق والعمل أو التوقيف الحكمي اثناء فترة التحقيق الجنائي أو الحبس الاحتياطي للموظف ، والله اعلم.

القرار الإداري المعيب بوقف الموظف عن العمل
القرار الإداري المعيب بوقف الموظف عن العمل