تشغيل العامل أكثر من ساعات الدوام الرسمي

 

تشغيل العامل أكثر من ساعات الدوام الرسمي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حدد قانون العمل الحد الأقصى لساعات عمل العامل وهي المقصودة بساعات الدوام الرسمي اي المحددة في القانون ، فقد صرح قانون العمل بأنه لا يجوز أن تزيد ساعات عمل  العامل على ثمان ساعات في اليوم أو ثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع، وأضاف القانون بأن يتم توزيع ساعات العمل الأسبوعي على ستة أيام عمل يعقبها يوم راحة بأجر كامل حسبما ورد في المادة (71) من قانون العمل، فإذا قام صاحب العمل بتشغيل العامل أكثر من الثمان الساعات المقررة في القانون، فإن العامل يستحق أجراً إضافيا تعويضاً عن الساعات الزائدة التي عمل خلالها حتى لو كان العامل وصاحب العمل قد اتفقا في عقد العمل أو غيره على تحديد ساعات الدوام بأكثر من الثمان الساعات المحددة في القانون، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-2-2017م في الطعن رقم (58123)، المسبوق بقرار اللجنة التحكيمية العمالية الذي قضى بأنه: (على المؤسسة المدعى عليها دفع أجر ساعات العمل الإضافي لعام كامل بواقع اجرة الساعة بساعتين في اليوم من واقع الدوام الرسمي، بما في ذلك ايام العطل الرسمية والأعياد التي عملا فيها من واقع الأجر المحدد بالفقرة الأولى من المنطوق وسقوط الإضافي عن السنوات السابقة لعدم المطالبة من المدعين اثناء عملهما لدى المؤسسة، فلا يستحق المدعيان سوى الأجر الإضافي عن السنة الأخيرة)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتاييد القرار الصادر من اللجنة التحكيمية العمالية، وبعد ذلك أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا أنه: ((فقد تبين: أن الشعبة الاستئنافية قد فحصت كل ما طرح لديها من قبل المؤسسة الطاعنة من الأدلة المضمنة في حيثيات الحكم الاستئنافي وناقش الحكم الاستئنافي ما اثارته الطاعنة أمام الشعبة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ساعات الدوام الرسمي في قانون العمل من النظام العام الذي لا يجوز الإتفاق على خلافه أو التنازل عنه:

حسبما هو مقرر في المادتين (6 و 7) من قانون العمل فإن النصوص والأحكام الواردة في قانون العمل من النظام العام الذي لا يجوز لصاحب العمل أو العامل الإتفاق على خلافه، كما أنه لا يجوز للعامل التنازل عن حقوقه المقررة في قانون العمل أو إبراء صاحب العمل منها، ومن هذا المنطلق فقد حدد قانون العمل الحد الأقصى لساعات عمل العامل( ساعات الدوام الرسمي ) وذلك في المادة (71) التي نصت على أنه (لا يجوز أن تزيد ساعات العمل الرسمية على ثمان ساعات في اليوم أو ثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع، وتوزع ساعات العمل الأسبوعي على ستة أيام عمل يعقبها يوم راحة بأجر كامل...إلخ)، وأوجب هذا النص أن لاتكون ساعات عمل  العامل متواصلة  أكثر من خمس ساعات ولذلك  يجب أن تتخلل ساعات العمل فترة راحة لا تزيد على ساعة لا يتم إحتسابها ضمن ساعات العمل حسبما ورد في النص القانوني السابق.

وقيام قانون العمل بتحديد ساعات العمل اليومية والأسبوعية على النحو  السابق يدل على أن القانون استهدف من ذلك مراعاة طاقة العامل وعدم تحميله ما لا يطيق، لأن غالب العمال لا يطيق العمل اليومي لأكثر من ثمان ساعات في اليوم ، فالعامل إذا اشتغل لأكثر من ثمان ساعات في اليوم يداهمه الإرهاق والإجهاد البدني والنفسي، وبما أن تحديد ساعات عمل العامل في القانون على هذا النحو، فأنه لا يجوز للعامل أو صاحب العمل الإتفاق على ساعات عمل أكثر من الحد الأقصى الوارد في القانون  سواء اكان الإتفاق ضمن عقد العمل أو في وثيقة أخرى.(  التعويض النقدي لرصيد الاجازات الإعتيادية، د. عبد الغفار إبراهيم موسى، ص 269).

فإذا وقع إتفاق بين العامل وصاحب العمل على ساعات عمل أكثر من الحد الأقصى فأن هذا الإتفاق يكون باطلاً لمخالفته للقانون، ويحق للعامل مطالبة صاحب العمل بدفع أجور الساعات الإضافية الزائدة عن الحد الأقصى المقرر في قانون العمل حسبما قضى الحكم محل تعليقنا في القضية التي فصل فيها هذا الحكم، لأن العامل وصاحب العمل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانا قد اتفقا على أن يعمل العامل لدى صاحب العمل من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة مساء، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإعتبار الساعات الزائدة على ساعات الدوام المقررة (8 ساعات) اعتبرها  الحكم ساعات عمل إضافية وألزم صاحب العمل بدفع أجرها.

الوجه الثاني: إحتساب أجور الساعات الإضافية:

منع قانون العمل العامل وصاحب العمل من تحديد ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية باكثر من المعدل اليومي أو الأسبوعي المقرر في القانون (8 ساعات في اليوم و48 ساعة في الأسبوع)، وهذا هو الأصل المقرر في القانون، الا ان قانون العمل ذاته أجاز تشغيل العامل في أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والعطل الرسمية إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك حسبما هو مقرر في المادة (74) من القانون التي نصت على أنه (-1- يجوز تشغيل العامل في أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والعطل الرسمية إذا اقتضت الضرورة زيادة الإنتاج أو تقديم الخدمات العامة وفي حالة وقوع الكوارث أو إتقائها أو صيانة وسائل العمل أو الإنتاج أو تلبية المصلحة العامة للمجتمع -2- يجب أن لاتزيد ساعات العمل الاعتيادية أو الإضافية على اثني عشر ساعة في اليوم الواحد)، ومع ان هذا النص قد تناول تشغيل العامل في أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والعطل الرسمية الا ان هذا النص قد تضمن ضابطا قانونيا عاما مفاده: عدم جواز تشغيل العامل أكثر من اثني عشرة ساعة في اليوم الواحد، وعلى هذا الأساس فإن تشغيل العامل الإضافي لايجوز ان يزيد على اربع ساعات إضافية إلى ساعات الدوام الرسمي الثمان سواء أكان التشغيل قد تم في أيام العمل الإعتيادية أو في أيام الراحة والإجازات الرسمية والعطل.
ومع ان نص المادة (74) السابق ذكرها قد تناول حالات ضرورة العمل التي تستدعي تشغيل العامل في أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والعطل الرسمية الا ان هذا الحكم العام يحكم أيضا تشغيل العامل الإضافي في أيام الدوام الاعتيادية، ففي ايام العمل الإعتيادية لايجوز تشغيل العامل زيادة عن ثمان ساعات الا اذا اقتضت ضرورة العمل ذلك شريطة ان لاتزيد ساعات العمل الإعتيادي الإضافي عن 12 ساعة في اليوم.
علما بأن حالات ضرورة العمل المذكورة في المادة (74) كزيادة الإنتاج أو الصيانة.. إلخ هي مذكورة على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر حسبما ورد في النص المشار اليه.( قانون العمل – عقد العمل الفردي، د. همام محمد محمود، ص 581).
وبما أن قانون العمل قد أجاز لصاحب العمل تشغيل العامل في حالات ضرورة العمل المشار إليها في المادة (74) السابق ذكرها، لذلك فقد أوجب قانون العمل على صاحب العمل تعويض العامل عن تشغيله الإضافي في الأيام العادية (غير ايام الاجازة) وكذا تشغيله في أوقات الراحة وأيام الاجازات والعطل الرسمية أوجب القانون تعويض العامل تعويضاً نقدياً أو عينياً كما يأتي:
أ‌- التعويض النقدي: وذلك بتعويض العامل الساعة بساعة ونصف من الأجر الأساسي عن ساعات العمل الإضافية في نهار أيام العمل العادية (غير ايام الاجازة)، أما إذا كانت ساعات العمل الإضافية قد كانت ليلاً أو في أيام الراحة والاجازات والعطل الرسمية فيتم تعويض العامل الساعة بساعتين من الأجر الأساسي حسبما هو مقرر في المادة (56) من قانون العمل.
ب‌- التعويض العيني: وهو تعويض العامل بساعات راحة عوضاً عن تشغيله في أيام العمل العادية اي في غير الاجازات، وكذا عند تشغيله في ساعات الليل (مابين الساعة 8 مساء والساعة 5 صباحا)، فقد حددت المادة (75) من قانون العمل التعويض العيني بأنه: يكون مرة ونصف أي ساعة ونصف إذا كان تشغيل العامل قد تم في أيام العمل العادية أي في نهار ايام الدوام العادية، اما إذا كان تشغيل العامل قد تم في ساعات الليل فإن التعويض العيني يكون الساعة بساعتين.
كما حددت المادة (77) التعويض العيني عن تشغيل العامل في يوم الراحة أو يوم الاجازة، وهو تعويض العامل عوضا عن ذلك يوما كاملا عن كل يوم اجازة أو راحة، عملا بالمادة (77) من قانون العمل التي نصت على أن (يكون يوم الجمعة هو يوم الراحة الأسبوعية ويجوز إبدال هذا اليوم بيوم آخر من ايام الاسبوع بالنسبة لجميع العمال أو بعضهم إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك).

الوجه الثالث: تقادم حق العامل في الأجور الإضافية:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن العاملين المدعيين لا يستحقا الأجور الإضافية إلا عن السنة الأخيرة التي تم خلالها رفع الدعوى، لأن حقهما في أجور الساعات الإضافية عن السنوات السابقة قد سقط بالتقادم لعدم مطالبتهما بها قبل نهاية كل سنة من السنوات السابقة ، لأن حقوق العامل تسقط بعدم المطالبة بها إذا انقضت سنة من تاريخ استحقاقها، عملاً بما ورد في المادة (22) إثبات التي نصت على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الإستحقاق في الاحوال الآتية: -3- حقوق العمال والخدام والأجراء من أجور يومية وغير يومية أو ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم)، والله اعلم.