الشفعة بسبب الإشتراك في حق الشرب
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قررت
الشريعة الإسلامية الشفعة دفعاً لمضار الإشتراك والخلطة في الأراضي والطرق المؤدية
إلى الأراضي والمساقي التي تشرب منها الأراضي الزراعية ، فإذا كان مسقى أو مشرب
الأرض مشترك، فيحق لمالك الأرض التي تشترك في شربها من المسقى المختلط أو المشترك
أن يطلب الشفعة وفقاً للقانون المدني، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2017 م في الطعن رقم (58267)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((ذلك أن الطاعن قد اكتفى بالخروج للمعاينة وبما قرره العدول بعدم
تحقق سبب الشفعة لعدم الخلطة في الماء والمسقى...إلخ))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الشفعة بسبب الخلطة والإشتراك في حق الشرب في القانون المدني اليمني:
بينت
المادة (1256) مدني أسباب الشفعة بصفة عامة وعلى سبيل الإجمال، إذ نصت هذه المادة
على أن (سبب الشفعة هو: إتصال الشفيع بالعين المشفوعة إتصال شركة (خلطة) في أصلها
أو في حق من حقوقها، وتختلف أسباب الشفعة في القوة طبقاً لما ينص عليه القانون)، ووفقا
لهذا النص تندرج الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب أو المسقى تندرج ضمن أسباب الشفعة المقررة في هذا النص،
لأن حق الشرب أو السقي من الحقوق الملحقة بأصل العين المشفوعة المشار إليها في هذا
النص ، فإذا ثبت الإشتراك والخلطة في حق الشرب، فقد تحقق سبب الشفعة.
اما
المادة (1257) مدني فقد صرحت بأن الإشتراك والخلطة في حق الشرب سبب من أسباب الشفعة، إضافة
إلى أن هذه المادة قد بينت مرتبة الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب ضمن أسباب
الشفعة، فقد نصت هذه المادة على أن (تستحق الشفعة لأصحابها على الترتيب التالي:
-1- الشريك المخالط في أصل العين -2- الشريك المخالط على الشيوع في الشرب ومجراه
-3- الشريك المخالط على الشيوع في الطريق)، فمن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد
صرح بأن الإشتراك في حق الشرب أو المجرى أو المسقى أو المشرب من أسباب الشفعة، فضلاً
عن أن هذا النص قد حدد مرتبة الشفعة بسبب الإشتراك في حق الشرب، فقد ذكر هذا النص أن
الشفعة بسبب الخلطة في حق الشرب تأتي في المرتبة الثانية بعد الشفعة بسبب الإشتراك
في ملكية اصل العين.
وبناء
على ذلك إذا طلب الشفعاء المذكورون في النص وهم الشافع بسبب الخلطة في ملكية اصل
العين والشافع بسبب الخلطة في حق الشرب والشافع بسبب الخلطة في حق الطريق، فإذا طلب
هولاء الشفعة في وقت واحد فيتم تقديم الشفيع صاحب السبب الأقوى اي يكون لصاحب الحق
الأقوى أو الاعلى مرتبة تملك العين
المشفوعة كاملة إذا تساووا في طلب الشفعة مع إختلافهم في مرتبة الشفعة ، اما اذا تساوى
الشافعون في وقت طلب الشفعة وفي مرتبة حق الشفعة، فيتم تقسيم العين المشفوعة بين الشفعاء بالتساوي بحسب عدد رؤوس الشفعاء
وليس بحسب نصيب كل واحد في سبب الشفعة، بحسب ما ورد في المادة (1258) مدني التي
نصت على أنه (إذا تساوى الشفعاء في الطلب قدم صاحب السبب الأقوى على الترتيب
المبين في المادة السابقة (م1257)، وإذا تساووا في الطلب والسبب قسمت الشفعة على
رؤوس الشفعاء).
الوجه الثاني: معنى الخلطة أو الإشتراك في حق الشرب:
حق
الشرب هو: حق تابع للعين او الأعيان التي تنتفع بهذا الحق، فإذا كانت هناك عدة أراضي زراعية يتم سقيها من مسقى أو مصدر واحد
مشترك بينها، فيسيل منه الماء إلى تلك الأراضي الزراعية المملوكة لعدة أشخاص،
فعندئذ يتحقق الإشتراك والخلطة في حق الشرب الذي يكون سببا للشفعة ، وتطبيقاً لهذا
المفهوم فقد يكون الإختلاط في المشرب أو المجرى أو المصب الذي يصب منه الماء فتشرب
منه الأرض الزراعية التي يملكها أكثر من شخص.
وقد
ورد الإشتراك والإختلاط في حق الشرب كسبب للشفعة ورد في القانون المدني اليمني
مطلقاً، وهذا يعني أن الإشتراك والإختلاط في حق الشرب
يشمل أيضاً الشرب من ماء الآبار والبرك والأحوال والسدود التي يتم تجميع الماء
فيها ثم سقي مزروعات آخرين، بيد انه لا يتحقق سبب الشفعة عند السقي من الآبار
والاحواض والسدود الا اذا تحقق الاشتراك والخلطة في مجرى الماء الصادر من
الآبار السدود .
الوجه الثالث: الحكمة من جعل حق الشرب سبباً للشفعة:
اتفق الفقه الإسلامي في تقرير الشفعة في حالة الخلطة في حق الشرب، وقد اخذ القانون المدني اليمني بما ذهب إليه الفقه الإسلامي حسبما سبق بيانه، والحكمة من تقرير الشفعة في حالة الخلطة في حق الشرب هي أن الخلطة والإشتراك في حق الشرب أو السقي يترتب عليه طغيان وبغي الخلطاء في حق الشرب على بعضهم بعضا، حسبما اخبر الله تعالى في قوله {..وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.} [ص:(24)]، فالخلطة في حق الشرب تحدث مضار بين الخلطاء مثلها في ذلك مثل الخلطة في أصل العين وإن كانت هذه المضار أقل بقليل من الخلطة في أصل العين حسبما سبق بيانه في ترتيب أسباب الشفعة، والله اعلم.
![]() |
الشفعة بسبب الإشتراك في حق الشرب |