القول في العلم بالشراء قول الشفيع

 

القول في العلم بالشراء قول الشفيع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وفقاً للقواعد  الفقهية فإن القول في العلم بشراء العين المشفوعة هو قول الشفيع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-9-2015م في الطعن رقم (57057)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث المعتبر في القانون أن الإستدلال بالعرف على فرض توفر شروطه لا يكون إلا في حالة عدم وجود نصوص قانونية تحكم الموضوع، وبعد الرجوع إلى القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية، وحيث أن محور النزاع وجوهره يتلخص في ثبوت أو عدم ثبوت علم الشفيع بالشراء وتراخيه عن طلب الشفعة في وقتها المعلوم  وحيث أن القول في العلم قول الشفيع، ومن كان القول قوله فاليمين يمينه، واليمين في مثل الحالة تكون على نفي العلم بأنه لا يعلم بالشراء ولم يتراخ عن طلب الشفعة فور علمه بالبيع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: علم الشفيع بالشراء:

يترتب على علم الشفيع بشراء العين المشفوعة أحقيته في طلب الشفعة من تاريخ علمه خلال مدة ثلاثة أيام من تاريخ علمه حسبما هو مقرر في المادة (17) إثبات التي نصت على أنه (لا تسمع الدعوى في شفعة بعد مضي ثلاثة أيام للعالم في البلد وشهر للغائب خارج البلد، وتعتبر المدة في الحالتين من وقت العلم)، ولذلك فإن لعلم الشفيع بشراء العين المشفوعة أثره البالغ في تحديد الوقت الشرعي والقانوني الذي ينبغي على الشفيع أن يستخدم حقه في الشفعة خلاله فإذا ثبت علم الشفيع بالشراء ولكنه تراخى عن طلب الشفعة خلال الثلاثة أيام يسقط حقه في الشفعة، ولذلك فإن غالب النزاعات في قضايا الشفعة تتعلق بعلم الشفيع بالشراء وتراخيه عن طلب الشفعة في المدة المحددة في القانون وإثبات علم الشفيع بالشراء.

الوجه الثاني: من كان القول قوله فلخصمه طلب اليمين:

 أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن  طلب اليمين  يكون لخصم من كان القول قوله، لأن الفقه الإسلامي يذهب إلى أن: من كان القول قوله  فعليه لخصمه اليمين . لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه}  رواه مسلم.
ولأن اليمين يشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه تقوية لقوله واستظهارا ، والذي جعل القول قوله كذلك ، فيجب أن تشرع اليمين في حقه

 وفي هذا المعنى نصت الفقرة (9) من المادة (1269) مدني ا على انه (والقول قول الشفيع اذا ادعى عدم حصول الظن وللمشتري تحليفه على ذلك).

الوجه الثالث: حصول العلم بالشراء ووقته وإثباته:

يحصل العلم بالشفعة عن طريق حضور الشفيع مجلس البيع والشراء اما بصفته كاتباً لوثيقة الشراء أو شاهداً أو ساعيا او دلالا او مساحاً أو خبيراً أو مستشاراً أو حضوره مجلس العقد من غير أن تكون له صفة من تلك الصفات فمجرد حضور الشفيع مجلس البيع وسماعه لعبارات الانعقاد فأن العلم بالشراء يكون قد حصل ويتم إثبات حصول العلم ووقته في هذه الحالة بأية وسيلة بما في ذلك بصيرة الشراء المتضمنة اسم الكاتب والشهود والسعاة والمساحين وغيرهم كما يتم إثبات ذلك عن طريق شهادة الاشخاص الحاضرين مجلس العقد ولو كانت الشهادة بصيغة الاخبار كما يمكن إثبات ذلك عن طريق اقرار الشفيع بانه كان حاضراً مجلس العقد والقضاء في اليمن يقبل الشهادة على الاقرار  إذا تم خارج مجلس القضاء أو جلسات المحاكمة، ويتم احتساب وقت حصول علم الشفيع ساعة انتهاء مجلس العقد حيث يحتسب ميعاد الشفعة من تاريخ انتهاء المجلس وانصراف اطراف المتعاقدين، كما يحصل علم الشفيع اذا لم يكن حاضراً مجلس العقد يحصل علمه بأية وسيلة ومنها اخباره شفويا من قبل اي ًشخص بان الشراء للأرض المشفوعة قد تم سواء أكان هذا الاخبار كتابة أم شفاهة وبعض القوانين العربية تشترط أن يتم العلم عن طريق اخطار خاص يتم توجيهه إلى الشفيع، اما القانون اليمني فلم يشترط حصول العلم بعد انتهاء مجلس العقد بطريقة الاخطار او غيره فيتحقق العلم باية طريقة سواء تم علمه عن طريق اخباره شفاهة أو كتابة وسواء اخبره بذلك البائع ام المشتري أم الشاهد أم الساعي أم غيرهم فالعبرة بحصول العلم والقدرة على إثباته حيث يتم إثبات حصول العلم في هذه الحالة بالشهادة أو الاقرار أو الكتابة أو القرائن القطعية مثل ظهور المشتري على الارض بمظهر المالك مثل قيامه بزراعتها او البناء عليها. وفي هذا المعنى نصت الفقرة (9) من المادة (1269) مدني على ان (تبطل الشفعة ويسقط حق الشفيع فيها بأحد الامور الأتية :  -9- تراخي الشفيع الغائب عن مجلس العقد بعد علمه بشهادة  كاملة على التصرف ولو بغير لفظ الشهادة أو تراخيه بعد علمه بالعقد بخبر يفيد الظن مدة تزيد على ما يمكنه فيه طلب الشفعة ما لم يكن معذوراً فمن وقت زوال العذر والقول قول الشفيع ان ادعى عدم حصول الظن وللمشتري تحليفه على ذلك).

الوجه الرابع: القول قول الشفيع عند عدم إثبات علم الشفيع بالشراء:

ذكرنا فيما سبق انه يجوز إثبات علم الشفيع بشراء الارض المشفوعة ووقت ذلك العلم حيث يجوز إثبات ذلك بأية وسيلة من وسائل الإثبات المقررة شرعاً وقانوناً، إلا أنه قد يتعذر على المشتري إثبات علم الشفيع ووقته وهذا يحدث في اليمن غالباً .ففي هذه الحالة قرر القانون أن القول في ذلك يكون للشفيع وانه يجوز للمشتري أن يطلب اليمين من الشفيع بانه لم يعلم بالشراء الا في وقت كذا حسبما ورد في نهاية الفقرة (9) من المادة (1269) مدني التي نصت على انه (والقول قول الشفيع اذا ادعى عدم حصول الظن وللمشتري تحليفه على ذلك) حيث قرر هذا النص ان الشفيع مصدق في قوله بانه لم يعلم بالشراء الا في الوقت الذي يدعيه كان يقول لم اعلم لالشراء الا في ساعة كذا أو في يوم وذلك في الحالة التي يعجز فيها المشتري عن إثبات حصول علم الشفيع ووقت ذلك العلم.

الوجه الخامس: تطبيق قاعدة الاصل إضافة الحادث الى اقرب اوقاته في إثبات العلم بالشراء في الشفعة:

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد استند إلى هذه القاعدة في القضاء بقبول قول الشفيع بعدم علمه بالشراء الا قبل رفعه لدعوى الشفعة، ولذلك فان الامر يستدعي الاشارة الموجزة إلى المقصود بهذه القاعدة وتطبيقها في هذه الحالة، فنقول : ان الحادث هو الشيء الذي كان غير موجود ثم وجد فاذا وقع خلاف في زمان وقوعه وسببه فينسب الى الزمان القريب الا اذا ثبت نسبته الى زمان ابعد بوسيلة من وسائل الاثبات لان وقوع الحادث في القريب متيقن ووقوعه في البعيد مشكوك.، فلو أدعى المشتري ان الشفيع علم بالشراء في وقت سابق فلم يشفع في حينه ولم يثبت ذلك فالقول قول الشفيع بانه لم يعلم بذلك الا في وقت قريب لان حدوث علمه كان في الوقت القريب ولو أدعت الزوجة أن زوجها طلقها اثناء مرض الموت فقال الورثة انه طلقها في الصحة فالقول قول الزوجة لان الاصل اضافة الحادث الى اقرب أوقاته ولو وقع الخلاف في عيب المبيع فقال المشتري : كان العيب قديماً وقال البائع العيب حادث فالقول للبائع لان الأصل إضافة الحادث إلى اقرب أوقاته ولو رأى الرجل في ثوبه نجاسة فيعيد فقط اقرب صلاة لان الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص64).

الوجه السادس: لا يحكم بالعرف الا اذا لم يوجد نص قانوني ينظم المسألة:

حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم محل تعليقنا يظهر إلى أنه قد قضى بأنه لا يحكم بالعرف الا اذا لم يوجد نص قانوني ينظم المسألة لأن المادة (1) من القانون المدني قد نصت على أن (يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المعاملات والمسائل التي تتناولها نصوصه لفظاً ومعنى، فإذا لم يوجد نص في هذا القانون يمكن تطبيقه يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المأخوذ منها هذا القانون، فإذا لم يوجد حكم القاضي بمقتضى العرف الجائز شرعاً، فإذا لم يوجد عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية جملةً، ويستأنس برأي من سبق لهم إجتهاد من علماء فقه الشريعة الإسلامية، ويشترط في العرف أن يكون ثابتاً ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب العامة)، فهذا النص صريح في عدم جواز اللجوء إلى  العرف وتطبيقه على القضايا والوقائع إلا إذا لم يكن هناك نص في القانون أو الشرع بشأن القضية أو الواقعة، وشريطة أن يكون العرف  في هذه الحالة ثابتا ومنضبطا وغير مخالفاً للشرع والقانون والنظام العام والآداب العامة.

الوجه السابع: لا يتم اللجوء إلى تطبيق العرف إذا كان هناك إتفاق أو عقد ينظم  المسألة محل النزاع:

العقد شريعة المتعاقدين حسبما نص القانون المدني، وتبعاً لذلك يكون العقد هو الواجب التطبيق بين أطراف  العقد فإنه يتم تطبيق ما ورد في ذلك العقد أو الاتفاق، فلايتم تطبيق ما جرى عليه العرف وإنما ماورد في العقد أو الاتفاق، فالعرف لا يتم تطبيقه إلا إذا انعدم النص في الشرع والقانون، والله اعلم.

القول في العلم بالشراء قول الشفيع
القول في العلم بالشراء قول الشفيع