سقوط نفقة الأقارب الماضية

 

سقوط نفقة الأقارب الماضية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نص قانون الأحوال الشخصية على سقوط النفقة الماضية للاقارب باستثناء النفقة الماضية المستحقة للوالدين والنفقة الماضية  المستحقة للولد الصغير والمجنون، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-9-2013م في الطعن رقم (52732)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه (اما نفقة القريب وهو الابن فلا تسقط وفقاً للنص القانوني ونفقة المولود واجبة على ابيه وفقاً لنص المادة (165) أحوال شخصية)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما ورد في صحيفة الطعن فلم تجد فيها أي سبب من أسباب الطعن المنصوص عليها قانوناً، وحيث أن الحكم محل الطعن جاء موافقاً في نتيجته للشرع والقانون فإن ذلك يستوجب رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: الأقارب الذين تجب النفقة عليهم في الفقه الإسلامي:

يكفل الفقه الإسلامي النفقة على الأقارب المعسرين جميعا ويوجبها على الموسرين من الأقارب جميعاً الأقرب فالاقرب  بحسب ترتيب درجات القرابة ، فيجب على القريب الموسر أن ينفق على قريبه المعسر، فإن لم يكن القريب الأقرب موسراً ينتقل واجب النفقة إلى القريب الموسر الذي يليه في الترتيب، فإن لم يوجد القريب الموسر ينتقل واجب النفقة على المعسر إلى بيت مال المسلمين (الخزينة العامة).

الوجه الثاني: الأقارب الذين تجب عليهم النفقة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:

اتجه قانون الأحوال الشخصية إلى الوجهة ذاتها التي اتجه إليها الفقه الإسلامي وان نص القانون على أن واجب النفقة على الأقارب يشمل الوالدين والأولاد وبقية الأقارب الورثة إذا كانوا موسرين، فقد قررت المادة (158) أحوال شخصية نفقة الولد المعسر والمجنون على ابيه وإن علا إذا كان موسراً أو معسراً قادراً على الكسب وإلا على الأم الموسرة ثم على سائر الأقارب الورثة، وكذلك الحال بالنسبة للبنت البالغة المعسرة ولو كانت قادرة على الكسب فتكون على الأب الموسر فإن كان معسراً فعلى الأم الموسرة فإن كانت معسرة ينتقل واجب الإنفاق عليها إلى عاتق الموسرين من اقاربها الورثة أي ورثتها.

 وقررت المادة (159) أحوال شخصية نفقة الولد البالغ العاقل العاجز عن الكسب أو المشغول بطلب العلم إلى الثانوية العامة على ابيه إن كان موسراً وإن كان معسراً فعلى الأم إن كانت موسرة، فإن كانت معسرة فينتقل واجب  الإنفاق عليه إلى ورثته من أقاربه الموسرين.

في حين نصت المادة (164) أحوال شخصية على أن (تجب نفقة القريب المعسر العاجز عن الكسب على قريبه الموسر الوارث لو فرض موته وإذا تعدد الورثة الموسرون تكون النفقة عليهم جميعاً كلٍ بقدر حصته من الميراث، والإخدام للأقارب لا يجب إلا للعجز)،  فقانون الأحوال الشخصية اليمني قد اتجه إلى الوجهة التي اتجه إليها الفقه الإسلامي وإن كان القانون اليمني قد اوجب النفقة على الأقارب الورثة الموسرين إلا إن نطاق مفهوم الورثة يتسع حتى يصل إلى بيت مال المسلمين الذي يكون وارثاً لمن لا وارث له، وعلى هذا الأساس فقد كفل القانون النفقة للاقارب المعسرين جميعا مثله في ذلك مثل الفقه الإسلامي .

الوجه الثالث: سقوط نفقة الأقارب الماضية عدا الوالدين والولد الصغير والمجنون وتوصيتنا بإلحاق البنت البالغة غير القادرة على الكسب في هذا الاستثناء:

 قرر قانون الأحوال الشخصية سقوط نفقة الأقارب الماضية بعدم مطالبة المستحق لها باستثناء النفقة الماضية المستحقة للوالدين والولد الصغير والمجنون، حسبما هو مقرر في المادة (165) أحوال شخصية التي نصت على أن (تسقط نفقة القريب عن المدة الماضية بعدم المطالبة لمن تلزمه النفقة إلا إذا كان المنفق عليه والداً أو ولداً صغيراً أو مجنوناً)، ومن الملاحظ أن هذا النص قد اطلق المدة الماضية فلم يحددها بمدة معينة، ومقتضى ذلك سقوط النفقة الماضية مطلقاً بصرف النظر عن مدتها، والتصريح في هذا النص بسقوط النفقة الماضية مطلقاً يمنع من تطبيق مدد التقادم المقررة في قواعد تقادم الحقوق المنصوص عليها في قانون الإثبات، الذي قرر أن قواعد التقادم المقررة فيه لا تخل بما يرد في القوانين الأخرى حسبما ورد في المادة (25) إثبات التي نصت على أن (لا تخل الأحكام الواردة في هذا الفصل بما يرد في القوانين الخاصة)، فما ورد في المادة (165) أحوال شخصية حكم خاص مقرر في قانون خاص وهو قانون الأحوال الشخصية، فبموجب هذا القانون تسقط النفقة الماضية مهما كانت مدتها قصيرة ام طويلة .

وقد صرحت المادة (165) أحوال شخصية السابق ذكرها بأن النفقة الماضية المستحقة للوالدين أو الولد الصغير والمجنون لا تسقط ابدا ، إذ تظل ديناً واجب الأداء في ذمة من تجب عليه النفقة.

ونوصي المقنن اليمني بان يلحق البنت البالغة غير المتزوجة غير قادرة على الكسب ضمن هذا الاستثناء حتى لاتسقط النفقة الماضية المستحقة لها، لان الاعتبارات التي جعلت المقنن يستثني الوالدين  والولد الصغير والمجنون متحققة في البنت البالغة غير القادرة على الكسب .

وقد استثنى قانون الأحوال الشخصية الوالدين والولد الصغير والمجنون من سقوط النفقة الماضية سداً لذريعة التهرب من الإنفاق في هذه الصور التي تتضمن أقرب الأقارب وأكثرهم حاجة للنفقة ، فضلا عن كثرة النصوص الشرعية التي توجب البر بالوالدين وتحث على الإنفاق على الأولاد المحتاجين وعدم إضاعتهم وإضاعة حقوقهم، والله اعلم.

سقوط نفقة الأقارب الماضية
سقوط نفقة الأقارب الماضية