تمام القسمة بتمييز ما ورد في الفصول

 

تمام القسمة بتمييز ما ورد في الفصول

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتولى القسام تحرير الفصول أو الفروز أو التخاريج وذلك بعد الإنتهاء من توقيع المتقاسمين على التركيز وبعد إتفاق الورثة على إجراءات التخارج وفرز الأنصبة وتعيينها في أموال التركة أو إجراء القرعة، فعندئذٍ يتم تحرير فصول القسمة بحسب عدد الورثة المتقاسمين حيث يتضمن كل فصل أو فرز الأموال التي تعينت للمقاسم بموجب القسمة والتركيز وبعد إجراء التخارج  الذي يتضمن في معناه ازالة حالة الشيوع  في أموال التركة المقسومة ، ويسمى الفصل فصلاً لأنه يفصل نصيب كل وارث مقاسم عن الأنصبة الأخرى، ويبين الفصل الأموال التي صارت من نصيب الوارث من حيث نوعها وتسمياتها ومساحاتها وأماكن وجودها وحدودها، ولذلك فإن المقصود بتمييز ما ورد في الفصول هو: قيام القسام بالإنتقال إلى أماكن وجود الأموال المقسومة وتطبيق ما ورد في محررات الفصول على الواقع بحضور المتقاسمين ووضع أو تحديد العلامات الفاصلة بين أنصبة الورثة على أرض الواقع كل نصيب على حدة، وعند التمييز يقوم القسام بتحرير محاضر يثبت فيها إجراءات التمييز وتوقيعات المتقاسمين الحاضرين ، وتعد هذه المحاضر بمثابة محاضر تسليم كل وارث نصيبه بحسب ما ورد في فصله، وعلى هذا المعنى فإن إجراءات التمييز تعد المرحلة الأخيرة والنهائية من إجراءات القسمة، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-12-2013م في الطعن رقم (50177) المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه من (الثابت عدم حصول التمييز سيما أن الفصول كانت قد افادت بأنه حضر ابن المستأنف ضده دون أن يكون له صفة في تمثيل والده، الأمر الذي يقتضي تأييد ما قضى به الحكم الابتدائي من لزوم التمييز لفروز القسمة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد وجدت الدائرة: أن ما اثارته الطاعنة في عريضة طعنها قد سبق لها أن اثارته أمام الشعبة الاستئنافية التي قامت بمناقشة ما اثارته الطاعنة، ومن خلال ذلك توصلت الشعبة في حكمها إلى نتيجة صحيحة موافقة للقانون، وحيث أن الطعن لم يشتمل على أية حالة من حالات الطعن بالنقض فأنه يتعين رفض الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية التمييز لما ورد في فصول القسمة:

التمييز هو: فرز وتعيين وتمييز نصيب كل وارث على حدة  بحسب ماورد في فصله، ويتم التمييز عن طريق تطبيق الفصول في الواقع العملي، ويتضمن التمييز معنى تسليم كل وارث لنصيبه حسبما هو محدد في فصله  أو بحسب ما ورد في فصله، ولذلك فإن القسام عند التمييز يضع العلامات التي تميز حدود نصيب كل وارث  عن غيره، بحيث يمنع اختلاط  نصيب الوارث بالأنصبة الأخرى، ويتم التمييز بموجب محاضر يتم فيها إثبات عملية الإنتقال لتمييز الفصول وحضور الورثة المتقاسمين وتسليم كل وارث نصيبه، فيقوم المتقاسمون بالتوقيع على المحاضر للتدليل على تمام عملية التمييز واستلام كل مقاسم وقبضه لنصيبه بحسب ماهو محدد في فصله.

الوجه الثاني: أهمية تمييز الفصول:

لتمييز الفصول أهمية بالغة، إذ أنها تدل على تمام القسمة وتنفيذها في الواقع والحقيقة، وان القسمة لم تكن مجرد إتفاقات لم يتم العمل بموجبها، إضافة إلى أن تمييز الفصول يتحقق به القبض الشرعي من قبل الورثة المتقاسمين كلٍ لنصيبه، فعندئذٍ تكون القسمة لازمة، فلا يحق لأي من الورثة المتقاسمين التراجع أو العدول عنها، ولأهمية عملية تمييز أنصبة الورثة المتقاسمين سواء في التركيز أو في الفصول أو تمييزها على أرض الواقع، فقد نصت المادة (1216) مدني على أنه (على القاضي أن يندب عدلين (خبيرين) أو أكثر لإفراز الأنصبة وتكون تكاليف القسمة على قدر الحصص لا على الرؤوس)، كما نصت المادة (1217) مدني على أنه يجب على القسام (إفراز كل نصيب بطريقه ومجرى مائه وما إلى ذلك).

الوجه الثالث: حضور الورثة المتقاسمين عند تمييز الفصول:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه ينبغي حضور الورثة المتقاسمين عند تمييز الفصول في الواقع العملي، واشار الحكم إلى أن المستأنف ضده لم يكن حاضراً حين محاولة التمييز الأولى، وان تلك المحاولة تعثرت لعدم حضور الوارث المتقاسم المستأنف ضده، فقد حضر ابنه من غير توكيل من ابيه المتقاسم، وقد اشترط القانون في المادة (1212) مدني حضور المتقاسم عند التمييز فقد نصت هذه المادة على أنه (-2- تسليم النصيب إلى المالك أو من يقوم مقامه وتكفي التخلية مع الحضور).

الوجه الرابع: تمييز ما ورد في الفصول وتسليم الأنصبة (القبض):

سبق القول بأن تمييز ما ورد في الفصول وتطبيقها في الواقع يتضمن معنى تسليم الأنصبة إلى الورثة المتقاسمين كل نصيب على حدة، وذكرنا أيضاً أن عملية التمييز والتطبيق للفصول تستلزم تحرير محاضر تسليم  الانصبة لإثبات حضور المتقاسمين سيما الذين يتم تسليمهم أنصبتهم، ويتم تسليم الورثة المتقاسمين أنصبتهم من المنقولات حقيقة وإثبات ذلك في محاضر التسليم، اما بالنسبة لتسليم الأنصبة من العقارات فيتم ذلك عن طريق التخلية حسبما ورد في المادة (1212) مدني.

الوجه الخامس: آثار تمييز ما ورد في الفصول وتطبيقها:

تترتب على ذلك آثار عدة من أهمها: القبول بالقسمة والتأكيد على صحة إجراءاتها وسلامتها، وبموجب ذلك يتملك كل مقاسم نصيبه الذي تسلمه عملاً بالمادة (1207) مدني التي نصت على أنه (إذا تمت القسمة نهائياً في الملك فإن كل مقاسم يعتبر مالكاً للحصة المعينة التي آلت إليه بالقسمة منذ نشوء الملك)، وبعد تطبيق الفصول وتمييز الأنصبة عن بعضها وتسليم كل وارث نصيبه فإن ذلك شاهد على تمام إجراءات القسمة وسلامتها وصحتها وأنه يجب على جميع الورثة المتقاسمين الإلتزام بها وعدم مخالفتها أو نقضها.

الوجه السادس: الحالات التي يجوز فيها للمقاسم أن يطلب نقض القسمة:

حدد القانون هذه الحالات على سبيل الحصر وذلك في المادة (1210) مدني التي نصت على أنه (يجوز للغائب عند حضوره والصغير عند بلوغه والمجنون عند إفاقته الذي لحقه من القسمة غبن فاحش أن يطلب من القضاء نقض القسمة للغبن، والعبرة في تقدير القيمة بوقت القسمة ويسقط الطلب إذا اكمل المدعى عليه ما نقص من حصته المدعي عيناً أو نقداً)، والله اعلم.

تمام القسمة بتمييز ما ورد في الفصول
تمام القسمة بتمييز ما ورد في الفصول