عزل الموظف المحكوم عليه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من
مقتضيات شغل الوظيفة ان يتحلى الموظف بالأمانة
والنزاهة والعدالة، فإذا ارتكب الموظف جريمة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة
كالإختلاس أو الرشوة أو شهادة الزور أو التلاعب بالمال العام، فأنه يكون معزولاً
من وظيفته إذا صدر حكم بإدانته بإحدى تلك
الجرائم واكتسب هذا الحكم درجة القطعية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-11-2011م في الطعن رقم
(47467)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما بالنسبة لإحالة المطعون ضده إلى النيابة
العامة وصدور حكم ابتدائي بإدانته بجريمة الإختلاس، فإن ذلك الحكم قد صدر بعد قيام
الطاعنة بفصل الموظف، وهذا القرار هو محل دعوى الإلغاء اما الحكم بإدانة المطعون
ضده فأنه يترتب عليه عزل الموظف إذا اكتسب الحكم درجة القطعية، حسبما ورد في
المادة (125) من قانون الخدمة المدنية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: عزل الموظف في قانون الخدمة المدنية:
وردت
عقوبة عزل الموظف في المادة (125) من قانون الخدمة المدنية، وهي المادة التي استند
إليها الحكم محل تعليقنا في قضائه، وتنص هذه المادة على أنه (تنتهي خدمة الموظف
بالفصل أو العزل عند: -أ- الفصل بقرار تأديبي أو بقرار تكميلي بحكم قضائي نافذ من
محكمة مختصة. –ب- إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة
والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من
محكمة مختصة اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية)،
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن عقوبة عزل الموظف تختلف عن عقوبة فصل الموظف،
فعقوبة العزل تكون بحكم القانون وقوته، فمجرد إكتساب الحكم درجة القطعية بإدانة
الموظف بإحدى الجرائم المخلة بالشرف والأمانة فإن الموظف المدان يكون معزولاً من
وظيفته من غير حاجة إلى إتخاذ إجراءات أخرى، وإن كان من الواجب على جهة الإدارة أن
تصدر قراراً بإعتبار الموظف معزولاً من الوظيفة تنفيذاً للحكم البات أو القطعي
بإدانة الموظف.
اما
عقوبة فصل الموظف المقررة في النص السابق فقد تقع بقرار تأديبي صادر من الوزير
المختص بناءً على توصية مجلس التأديب، كما أن عقوبة الفصل قد تكون عقوبة تكميلية
يتم توقيعها على الموظف بموجب حكم يقضي بحرمان الموظف من شغل الوظيفة العامة
وبموجب ذلك الحكم يتم فصل الموظف من الوظيفة التي يشغلها بالفعل، وقد سبق لنا
التعليق على حكم بهذا الشأن.
الوجه الثاني: معنى إكتساب الحكم بإدانة الموظف درجة القطعية:
وردت
عبارة (إكتساب الحكم الدرجة القطعية) في نهاية نص المادة (125) من قانون الخدمة
المدنية السابق ذكرها في الوجه الأول، وهذه العبارة تعد شرط توقيع عقوبة عزل
الموظف المدان من الوظيفة العامة، ومن المعلوم أن الأحكام التي تصدر من درجات
التقاضي هي الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المؤيد له وحكم المحكمة العليا الذي
يقره، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان المقصود بالدرجة القطعية هو: الحكم البات
الصادر من المحكمة العليا بإعتباره الحكم الذي استنفد طرق الطعن العادية.
الوجه الثالث: عقوبة عزل الموظف المدان بموجب الحكم الذي اكتسب درجة القطعية:
عزل الموظف من الوظيفة يعد أثرا من آثار الحكم
المكتسب لدرجة القطعية الذي يقضي بإدانة الموظف بجريمة مخلة بالشرف والأمانة ، فبناء
على ذلك الحكم يتم عزل الموظف من وظيفته بمجرد إكتساب ذلك الحكم لدرجة القطعية أي
صدور حكم المحكمة العليا الذي يقضي بإقرار الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم
الابتدائي بإدانة الموظف، فيترتب على صدور هذا الحكم عزل الموظف عن العمل من غير
حاجة إلى تضمين منطوق الحكم القضاء بعزل الموظف، إذ أن عقوبة العزل تقع كأثر لصدور
الحكم المكتسب لدرجة القطعية وتكون هذه العقوبة بحكم القانون على النحو السابق بيانه
، وبهذا تختلف عقوبة عزل الموظف عن عقوبة فصل الموظف كعقوبة تكميلية، إذ يجب أن يتضمن الحكم بإدانة الموظف النص على حرمان الموظف من تولي
الوظائف وفقا لما هو مقرر في المادة (100) عقوبات، وعندئذ يكون فصل الموظف في هذه
الحالة كعقوبة تكميلية تضاف إلى العقوبة
الأصلية التي يتضمنها الحكم بإدانة الموظف.
الوجه الرابع: ماهية الجرائم المخلة بتكميلي التي تكون سبباً في عزل الموظف:
نصت
المادة(125 ) من قانون الخدمة المدنية على أنه (تنتهي خدمة الموظف بالفصل أو العزل
عند: -أ- الفصل بقرار تأديبي أو بقرار تكميلي بحكم قضائي نافذ من محكمة مختصة. –ب-
إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة
والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة اعتبر
معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية)، فهذا النص لم يحصر
الجرائم المخلة بالشرف، فما ورد في النص هو عبارة عن أمثلة للجرائم المخلة بالشرف
والأمانة، ولذلك فإن مفهوم الجرائم المخلة بالشرف
مفهوم هلامي يحتاج إلى تحديد سيما انه يترتب الحكم البات بالجرائم المخلة
بالشرف والأمانة عزل الموظف.
وتعتبر الجرائم المخلة بالشرف من الجرائم التي
تثير جدلا واسعا لعلاقتها بالسمعة والنزاهة، ولذلك فإنه في ظل هذا الفراغ التشريعي
اصبح للإدارة سلطة تقديرية في تحديد اي جريمة تخل بالشرف .
وفي هذا الشأن عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية
الجرائم المخلة بالشرف بأنها تلك التي يتعين فيها ان يكون الجرم من الافعال التي
ترجع إلي ضعف الخلق وانحراف في الطبع، بالنظر إلى نوع الجريمة و الظروف التي
ارتكبت فيها والافعال المكونة لها ومدي تاثيرها بالشهوات والنزوات وسوء السيرة
والسلوك .
ويمكن أيضا تعريف الجرائم المخلة بالشرف بإنها : الجرائم التي تدفع الشخص
إلي اجتناب الفضائل واقتراف الكبائر التي توجب احتقاره وتستوجب ازدراءه ولا يؤتمن
معها علي المصلحة العامة خشية ان يضحي بها في سبيل مصلحته الشخصية او ان يستغل
سلطانه لتحقيق ماربه الخاصة تاثرا بشهواته و نزواته وسوء سيرته. وتنتمى جرائم
الشرف إلى ما يعرف فى الفقه الجنائى وعلم الإجرام بالجرائم التى تتنافى بطبيعتها
مع الأخلاق والأديان، فهناك عدة جرائم لايختلف الفقه و القضاء بشان اعتبارها مخلة
بالشرف وهي السرقة و التزوير و هتك العرض و النصب و الاحتيال و خيانة الأمانة .
ومن خلال ماسبق يظهر غياب تعريف دقيق للجريمة المخلة
بالشرف او اي معايير دقيقة للقياس عليها، وبالتالي يخضع الامر لتقدير القاضي الإداري،
وقد قررت محكمة النقض المصرية في أحد
أحكامها أن تكييف الجريمة وإصباغ صفة الإخلال بالشرف عليها من عدمه من سلطة القاضي
الإداري وحده وفقا لنوع الفعل المعاقب عليه وظروف ارتكابه وما يراه من ظروف ووقائع
محيطة بالنزاع .
![]() |
عزل الموظف المحكوم عليه |