فسخ الزواج لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق

 

فسخ الزواج لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

فسخ الزواج بسبب تمرد الزوج  الموسر عن الإنفاق يعني: أن الزوج متمرد عن الإنفاق مع أنه موسر قادر على الإنفاق، فللزوج في هذه الحالة أموال ظاهرة موجودة في البلدة يستطيع القاضي التنفيذ عليها وإقتضاء نفقة الزوجة منها، ولذلك فإن الفسخ لتمرد الزوج عن الإنفاق  يختلف عن فسخ الزواج بسبب إعسار الزوج عن الإنفاق، وان كان الجامع المشترك بين الفسخين هو عدم الإنفاق على الزوجة ، ومؤدى ذلك أنه يجب على محكمة الموضوع في الفسخ بسبب تمرد الزوج أن تتحقق من حالة إيسار الزوج فإذا وجدت أنه له مال ظاهر موجود في البلدة يستطيع القاضي إقتضاء النفقة منه والتنفيذ على ذلك المال فإن القاضي في هذه الحالة لا يقضي بفسخ الزواج للتمرد عن الإنفاق وإنما يحكم بإقتضاء النفقة من المال الظاهر للزوج والتنفيذ على ذلك المال الظاهر والموجود، اما إذا لم يقف قاضي الموضوع على مال ظاهر وموجود للزوج  فعندئذٍ يحكم القاضي بالفسخ  بعد أن يقوم بتضمين  الحكم مايفيد انه قد تحقق من يسار الزوج وأن المحكمة لم تقف على مال ظاهر وموجود للزوج في البلدة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-5-2013م في الطعن رقم (52360)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبالتأمل وإمعان النظر في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي فقد تبين للدائرة: أن الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه قد خالفت الشرع والقانون واخطأت في تطبيق المادة (50) من قانون الأحوال الشخصية حينما قضت بفسخ الزواج لعدم الإنفاق مسببة حكمها بقولها: أن قانون الأحوال الشخصية النافذ قد اعطى الحق لزوجة المتمرد عن الإنفاق طلب الفسخ ولو لم يثبت تمرد الزوج عن الإنفاق بأي دليل شرعي أو قانوني، ووجه مخالفة الشعبة أنها لم تقم بما يجب عليها استيفاؤه وفقاً لنص المادة (50) أحوال شخصية حتى تؤكد قناعتها بثبوت التمرد عن الإنفاق، وحيث أن ذلك مخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه مما يوجب على الدائرة قبول الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (50) أحوال شخصية التي نظمت فسخ عقد الزواج بسبب تمرد الزوج عن الإنفاق، فقد نصت هذه المادة على أنه (لزوجة المتمرد عن الإنفاق في حالة اليسار الفسخ إذا تعذر استيفاء حقها في النفقة منه أو من ماله)، وقد استند الحكم محل تعليقنا في  قضائه بنقض الحكم الاستئنافي  استند إلى هذه المادة، لأن الشعبة التي اصدرت الحكم قد قضت بفسخ الزواج لعدم الإنفاق وليس للتمرد عن الإنفاق، كما أن الشعبة  قبل الحكم بالفسخ لم تبحث مسألة يسار الزوج المتمرد عن الإنفاق ومدى وجود أموال أو حقوق للزوج ظاهرة يستطيع القاضي التنفيذ عليها لإقتضاء النفقة قبل الحكم بالفسخ حسبما ورد في النص السابق.

الوجه الثاني: حكم تمرد الزوج الموسر عن الإنفاق في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية اليمني :

يذهب غالبية الفقه الإسلامي إلى عدم جواز فسخ عقد الزواج إذا تمرد الزوج الموسر عن الإنفاق إذا كان له مال ظاهر موجود في البلدة التي يوجد بها القاضي (المحكمة)، إذ يستطيع القاضي في هذه الحالة التنفيذ على مال الزوج الظاهر والموجود وإقتضاء نفقة الزوجة منه من غير أن يحكم بفسخ عقد الزواج ، لأن سبب ترافع الزوجة إلى القاضي ومطالبتها الفسخ إنما كان بسبب تمرد الزوج عن الإنفاق فإذا تم إقتضاء النفقة ولو جبراً من مال الزوج الظاهر والموجود في البلدة التي يتولى فيها القاضي فقد زال  حينئذٍ سبب الفسخ بتحصيل النفقة، (فسخ الزواج، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص234)، فلا يذهب الفقه الإسلامي إلى فسخ الزواج بسبب تمرد الزوج إلا إذا لم يكن للزوج المتمرد مال ظاهر وموجود في البلدة، لأنه يتعذر في هذه الحالة إقتضاء النفقة وتحصيلها، وقد اخذ  قانون الأحوال الشخصية اليمني هذا الحكم من الفقه الإسلامي حسبما ظاهر في المادة ( 50 ) التي نصت على أنه (لزوجة المتمرد عن الإنفاق في حالة اليسار الفسخ إذا تعذر استيفاء حقها في النفقة منه أو من ماله)، فهذه المادة صرحت بأن الفسخ للتمرد لايتم الحكم به الا اذا تعذر على إقتضاء النفقة من مال الزوج الموسر اي لايتم الحكم بالفسخ الا  بعد أن يتحقق القاضي من عدم وجود مال ظاهر للزوج في البلدة  يستطيع القاضي التنفيذ عليه، وهذه المادة هي المادة التي أستند إليها الحكم محل تعليقنا ، والمرجع في تفسير هذه المادة هو الفقه الإسلامي الذي يقرر ان الفسخ لتمرد الزوج لايتم الحكم به الا اذا  لم يوجد للزوج المتمرد مال ظاهر موجود في البلدة على النحو السابق بيانه، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي، لأنه لم يبحث ما إذا كان للزوج المتمرد  مال موجود ظاهر تستطيع محكمة الموضوع التنفيذ عليه واقتضاء النفقة منه قبل الحكم بالفسخ .

الوجه الثالث: ما يجب على محكمة الموضوع استيفاؤه قبل الحكم بالفسخ لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق:

نقض الحكم محل تعليقنا الحكم الاستئنافي لأنه لم يقم باستيفاء عدة مسائل قبل الحكم بالفسخ لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق، حسبما هو مقرر في المادة (50) أحوال شخصية، والمسائل الواجب استيفاؤها وفقاً للمادة السابق ذكرها هو التحقق من حالة يسار الزوج وبحثها ومناقشتها ومخاطبة الجهات المعنية للوقوف على مدى يساره ، والتحقق مما إذا كان للزوج مال موجود وظاهر، وكذا يجب التحقق مما إذا كان بالإمكان إقتضاء النفقة من مال الزوج ولو جبراً.

الوجه الرابع: الفرق بين فسخ الزواج بسبب تمرد الزوج عن الإنفاق والفسخ بسبب عدم إنفاق الزوج:

في الفسخين أو الحالتين لا يلزم الزوجة إثبات عدم إنفاق الزوج عليها، لأن الزوجة في الحالتين متمسكة بقاعدة (الأصل العدم) أي الأصل عدم النفقة، وعلى الزوج ان يثبت خلاف هذا الأصل بأن يثبت  حصول الإنفاق، (الوجيز في شرح أحكام الأسرة، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص74)، وفي هذا المعنى نصت المادة (154) أحوال شخصية على أنه (إذا تمرد الزوج عن الإنفاق على زوجته أو غاب وثبت أنه لا ينفق عليها قرر لها القاضي نفقة من مال زوجها وفقاً لما تقدم في المادة (149) والقول للزوجة في نفي الإنفاق في الماضي).

غير أن الفارق الجوهري بين الفسخين أنه في الفسخ لتمرد الزوج عن الإنفاق يكون الزوج موسراً أو قادر على العمل والكسب، في حين أن الفسخ لإعسار الزوج يكون  الزوج معسراً وغير قادرا على الكسب، ولذلك ينبغي على القاضي عند الحكم بالفسخ لتمرد الزوج أن يبحث العناصر أو المسائل التي تميز الفسخ للتمرد عن الفسخ لعدم الإنفاق لسبب الإعسار، كما أنه يجب على القاضي ان يضمن الحكم بالفسخ مايدل على أن القاضي قد بحث مدى يسار  الزوج قبل أن يحكم بالفسخ ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

فسخ الزواج لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق
فسخ الزواج لتمرد الزوج الموسر عن الإنفاق