حجية شهادة الشهود على من احضرهم

 

حجية شهادة الشهود على من احضرهم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قال تعالى {وشهد شاهد من أهلها} فالخصم حينما يطلب شهادة الشاهد فيدلي بشهادته يكون الشاهد في هذه الحالة غير متهماً في شهادته اي يكون الشاهد عدلا، فلايحق لمن طلب شهادة الشاهد ان يجرح الشاهد الذي سبق له طلب الاستشهاد بشهادته، غير أن ذلك لايعني مصادرة حق الخصم الذي طلب شهادة الشاهد مصادرة حقه في الاعتراض على شهادة الشاهد بعد ادلائه بها أو تفنيد الشهادة، لأن الخصم لايعلم مضمون الشهادة التي سيدلي بها الشاهد  الذي احضره ولا علم مسبق للخصم بالأسئلة التي ستوجهها  المحكمة والخصم الآخر إلى الشاهد ولا يعلم  الخصم باجابات الشاهد على تلك الأسئلة  فربما تكون شهادة الشاهد في هذه الحالة متناقضة أو لا تتوفر فيها الشروط والأحكام الشرعية والقانونية ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة  المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-10-2015م في الطعن رقم (57105)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالدائرة تجد: أن نعي الطاعن على الحكم الاستئنافي بأنه قد اهدر شهادة الشهود الذين احضرهم المطعون ضده الذين شهدوا بنفي ثبوت المطعون ضده ، ولذلك فإن شهادة الشهود حجة على من احضرهم حسبما ذكر الطاعن ، كما ذكر الطاعن ان الحكم المطعون فيه لم يناقش التناقض الوارد في شهادات الشهود الذين احضرهم المطعون ضده ، والدائرة تجد: أن هذا النعي في محله ومؤثر، إذ كان يجب على الشعبة مناقشة الشهود والموازنة بين أدلة الطرفين))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: حجية شهادة الشهود على من احضرهم:

الشهادة بصفة عامة من أهم طرق الإثبات، فالشهادة وردت في المادة (13) إثبات في المرتبة رقم (1)، فإذا توفرت شروط الشاهد المقررة في المادة (27) إثبات وتحققت في الشهادة شروط وأحكام الشهادة المقررة في قانون الإثبات، فإن الشهادة تكون حجة على المشهود له وعلى المشهود عليه معاً، لأن  الشاهد يؤدي الشهادة  حسبةً لله تعالى الذي قال في محكم التنزيل {واقيموا الشهادة لله}، فالشاهد يحلف اليمين أمام المحكمة قبل إدلائه بشهادته للتدليل على صدقه في شهادته، وأنه يؤديها حسبة لله تعالى وليس لصالح الخصم الذي استشهد به، وعلى هذا الأساس فإن الشهادة تكون حجة على الخصم الذي احضر الشهود وكذا على الخصم الآخر.

الوجه الثاني: أثر قبول الخصم بشهادة الشاهد الذي احضره:

من المعلوم أن قبول الخصم لشهادة الشاهد  بداية يعد تعديلاً من الخصم للشاهد، وذلك يمنع الخصم القابل بعد ذلك من الجرح بعدالة الشاهد أو الطعن في عدالته، حسبما ورد في المادة (55) إثبات التي نصت على أن (قبول الخصم لشهادة الشاهد قبل أدائه تعديل للشاهد لا يقبل بعده الجرح فيه، وقبولها بعد ادائها إعتراف بما فيها)، ومفاد هذا النص أن طلب الخصم شهادة الشاهد في البداية يعد تعديلاً للشاهد أي إقرار من الخصم بأن الشاهد عدل، وذلك يمنع الخصم الطالب لشهادة الشاهد من جرح الشاهد أو الطعن في عدالة الشاهد، بيد أن طلب الخصم الاستشهاد بشهادة الشاهد في البداية لا يعد قبولاً مسبقا من الخصم بشهادة الشاهد الذي احضره التي سيدلي بها لاحقا أمام المحكمة، لأن الخصم الطالب للشهادة لا يعلم ما سيقوله الشاهد عند إدلائه بشهادته أمام المحكمة ، ولذلك اجاز قانون الإثبات للخصم طالب شهادة الشاهد أن يوجه الأسئلة إلى الشاهد الذي احضره عند الأدلاء بشهادته أمام القاضي، وأوجب القانون على الشاهد أن يجيب على اسئلة الخصم الذي احضر الشاهد بعد أن يجيب على اسئلة المحكمة حسبما ورد في المادة (70) إثبات، وبناءً على ذلك يحق للخصم الذي احضر الشاهد أن يدحض أو ينفي ما ورد في شهادة الشاهد الذي احضره، طالما أن الخصم لم يقبل الشهادة بعد أداء الشاهد لها ، لأن الشهادة تؤدى حسبةً لله تعالى، ولا يعلم طالب الشهادة مضمونها، كما أنه لا يعلم بمضمون الأسئلة التي ستوجهها المحكمة والخصم الآخر إلى الشاهد الذي احضره ولا يعلم بمضمون اجابات الشاهد على تلك الاسئلة الموجهة للشاهد. (أحكام الشهادة في الفقه والقانون، أ.د. أحمد حميد النعيمي، ص126).

ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن قبول الخصم طالب الشهادة بعدالة الشاهد لا  يعني قبوله المسبق بما سيرد في شهادة الشاهد التي سيدلي بها لاحقاً، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قبل الطعن على أساس أن الحكم الاستئنافي لم يناقش مضمون شهادات الشهود المتناقضة وليس على اساس ان شهادات الشهود حجة على من احضرهم، والله اعلم.

حجية شهادة الشهود على من احضرهم
حجية شهادة الشهود على من احضرهم