التحكيم في قسمة التركة يمنع اللجوء إلى القضاء

 

التحكيم في قسمة التركة يمنع اللجوء إلى القضاء

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إذا قام الورثة بتحكيم محكم أو محكمين لإجراء قسمة تركة مورثهم والفصل في المنازعات التي تقع بين الورثة اثناء إجراء القسمة كدعاوي الاختصاص ، فإن ذلك التحكيم يمنع الورثة من اللجوء إلى القضاء لإجراء القسمة الجبرية، فاذا قام أحد الورثة باللجوء إلى القضاء فيحق عندئذٍ للورثة الآخرين الدفع بالتحكيم أمام المحكمة المختصة  التي يجب عليها حينئذٍ ان تحيل الخصوم إلى التحكيم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2012م في الطعن رقم (43791)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد كان الإطلاع على تفاصيل ما اثاره الطاعن في أسباب طعنه من حيث الموضوع، فوجدت الدائرة: أن تلك الأسباب غير متحققة في هذا الطعن ولا تأثير لها فيما توصلت إليه محكمة الاستئناف في حكمها بتأييد الحكم الابتدائي في قضائه بالإحالة إلى التحكيم عملاً بالمادة (19) من قانون التحكيم، وبموجب ذلك فقد توصل الحكم الاستئنافي إلى نتيجة صحيحة موافقة لما استند إليه، مما يتعين رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: قابلية الخلاف بشأن القسمة للتحكيم:

وفقاً لأحكام القانون المدني تكون القسمة رضائية إذا اتفق جميع الورثة على قسمة التركة ولم يكن بين هؤلاء الورثة قاصر (مجنون أو طفل) أو غائب، وتكون القسمة جبرية بنظر المحكمة المختصة مكانياً إذا اختلف الورثة فقام أحدهم أو بعضهم باللجوء إلى المحكمة طالباً إجراء القسمة الجبرية، غير أنه يجوز عند إختلاف الورثة بشأن القسمة  ان يتفقوا جميعا على إختيار محكم أو محكمين لإجراء القسمة والفصل في دعاويهم بشأن القسمة أو أموال التركة، لأن المادة (5) من قانون التحكيم قد حددت المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها وليس من بين تلك المسائل منازعات القسمة، فقد نصت المادة (5) تحكيم على أنه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي: -أ- الحدود واللعان وفسخ عقد الزواج –ب- رد القضاة ومخاصمتهم –جـ- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً –د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح –هـ- كل ما يتعلق بالنظام العام)، فمنازعات القسمة لم يرد ذكرها ضمن المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها.

الوجه الثاني: التحكيم بشأن القسمة يمنع القضاء من إجراء القسمة الجبرية:

إذا قام جميع الورثة بتحرير وثيقة التحكيم وتسمية المحكم أو المحكمين فيها وتحديد موضوع التحكيم وهو إجراء القسمة والفصل في منازعاتها والدعاوى المتبادلة بين الورثة بشأن أموال التركة كدعاوى الإختصاص فإن إتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون ملزماً لجميع الورثة طالما أنه ليس بينهم قاصر أو غائب، ويترتب على إتفاق التحكيم بشأن القسمة أنه يجب على جميع الورثة إحترام إتفاق التحكيم والتقيد به وتقديم دعاويهم وطلباتهم المتعلقة بإجراءات القسمة إلى المحكم المحتار، فإذا قام أحد الورثة المتقاسمين الموقعين على إتفاق التحكيم برفع دعواه أو طلبه إجراء القسمة أمام القضاء فقام المدعى عليهم بدفع الدعوى بوجود إتفاق التحكيم فعندئذٍ يجب على المحكمة أن تقرر إحالة الخصوم إلى التحكيم عملاً بالمادة (19) من قانون التحكيم التي نصت على أنه (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه إتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا في الحالات الآتية: -1- إذا تبين للمحكمة أن إتفاق التحكيم باطل أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها. -2- إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر إتفاق التحكيم كأن لم يكن)، وقد استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى هذه المادة، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن تمسك الورثة أو أحدهم بإتفاق التحكيم أمام المحكمة يمنع المحكمة من نظر طلب إجراء القسمة الجبرية، ويوجب على المحكمة إحالة الورثة المتخاصمين إلى التحكيم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

التحكيم في قسمة التركة يمنع اللجوء إلى القضاء
التحكيم في قسمة التركة يمنع اللجوء إلى القضاء