عدم جواز الإتفاق على خلاف نصوص قانون التأمينات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حدد
قانون التأمينات والمعاشات التزامات جهة العمل والتزامات الهيئة العامة للتأمينات
والمعاشات، وفي الوقت ذاته حدد القانون حقوق الموظف المؤمن عليه، وعلى هذا الأساس
فإن نصوص قانون التأمينات والمعاشات التي نظمت التزامات جهة العمل وهيئة التأمينات
وحقوق الموظفين التأمينية تعد من القواعد الآمرة التي لا تجوز مخالفتها، ولا يجوز
إبرام اتفاقيات تخالف تلك النصوص، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-12-2011م في الطعن رقم (47889)،
الذي ورد ضمن أسبابه: ((ما دام أن قانون التأمينات والمعاشات هو الذي يحدد
التزامات الجهة التي يعمل لديها الموظف والتزامات الهيئة العامة للتأمينات فأنه لا
يجوز إطلاقاً الاعتداد بأية اتفاقيات تعدل من أحكام القانون تؤدي إلى المساس بحقوق
المؤمن عليهم – فضلاً عن ان القانون واجب التطبيق مهما كانت الإعتبارات لدى الهيئة
التي يحق لها أن تقترح إدخال التعديلات على القانون التي تراها مناسبة، غير أن ذلك
الأمر لا يعطيها الحق في إجراء تعديلات على المراكز القانونية المستمدة من القانون
قبل إستكمال إجراءات تعديله وصدور تلك التعديلات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : النصوص القانونية الآمرة والنصوص القانونية المكملة والفرق بينهما :
النصوص القانونية الامرة هي : التي تلزم وتأمر
الأفراد على احترامها والالتزام بها،ولفظ الآمرة هو لفظ متعارف عليه في الفقه
ويقصد به التنويه على عدم جواز مخالفة الأفراد للنص القانوني الأمر، وأي اتفاق
يخالف هذه الآحكام هو اتفاق باطل ولا وجود له مطلقا، ومن أمثلة النصوص القانونية الآمرة:النصوص القانونية التي
تنظم قسمة التركات وانصبة الورثة وشروط شغل الوظيفة وغيرها.
اما النصوص القانونية المكملة: فهي على عكس النصوص
الآمرة، فالنصوص المكملة يجوز للأفراد
مخالفتها، لأنها قواعد تتعلق بالمصالح الخاصة لكل فرد، ولذلك ترك المقنن الحرية للأفراد من أجل النظر في
مصالحهم وتنظيم المسائل التي تعنيهم في اتفاقاتهم الخاصة، ولهذا اعتبرت هذه النصوص
القانونية مكملة لإرادة الأفراد، ومن أمثلة
النصوص القانونية التي تنظم علاقة
المستأجر او القيام بترميم هذا المكان مالم يقض الاتفاق بينهما بغير ذلك، ومن
أمثلة النصوص القانونية المكملة أن يتفق البائع والمشتري على المبيع والثمن ومكان
التسليم.
إن التفريق بين النصوص القانونية الآمرة والمكملة
موضوع بالغ في الأهمية،إذ يتوقف عليه مصير أي اتفاق مبرم بين الأفراد، ويحدد صحة
هذا الاتفاق أو بطلانه، وتلخيصا لحديثنا سابقا أن النص الآمر هو الذي لا يجوز على
الأفراد الاتفاق على مخالفتها، والنص القانوني المكمل هو الذي يجوز للمتعاقدين
الاتفاق على مخالفته. ولكن يثور السؤال؟
كيف علينا أن نفرق أن النص القانوني الآمر أم المكمل؟
وللتفرقة بين الصين فقد توصل شراح القانون إلى معيارين يمكن من خلالهما معرفة
طبيعة القاعدة القانونية وهما (المعيار اللفظي والمعيار المعنوي)
المعيار اللفظي: يأخد هذا المعيار بالألفاظ
والعبارت القانونية للتعرف على نوع القاعدة القانونية،فمن خلال هذه العبارات
الواضحة،سيفهم منها ماإذا كانت هذه الثاعدة آمرة أم مكملة،فالمعيار اللفظي معيار
جامد لا يحتاج إلى أي مجهود عقلي أو فكري لاستيعابه، مثال النصوص تامر بأفعال معينة أو تمنع القيام بأفعال
معينة.
المعيار المعنوي: هو معيار مرن تقديري على
عكس المعيار اللفظي، يساعد في معرفة نوع النص القانوني، وذلك استنادا إلى المواضيع
التي تتضمنها النصوص القانونية ومدى علاقتها بالأسس التي يقوم عليها المجتمع فهي
ترتبط بالمصالح الخاصة لكل فرد وبالنظام العام والآداب العامة.
فقد اختلف شراح القانون في التفرقة بين النصوص
القانونية الآمرة التي لا يجوز الإتفاق على خلافها والنصوص القانونية غير الآمرة
التي يجوز للأفراد الإتفاق على خلافها، فهناك من يذهب إلى أن النصوص القانونية
الآمرة:هي تلك التي يهدف المقنن من وراء سنها حماية المصالح والحقوق العامة والمحافظة
عليها، اما النصوص غير الآمرة (المكملة) فهي تلك النصوص الإجرائية أو التنظيمية التي
تنظم الإجراءات اللازمة لمباشرة الحقوق والمصالح العامة التي استهدف المقنن حفظها وحمايتها
من غير أن تمس هذه الأجراءات الحقوق والمصالح العامة المقررة في القانون ، ويذهب
فريق من شراح القانون إلى أن النصوص القانونية الآمرة هي تلك التي تفيد من صيغتها
الوجوب أي تلك النصوص التي ترد فيها ألفاظ
تفيد الأمر أو وجوب العمل بمقتضاها مثل: ألفاظ (يجب، على، يتم) والنصوص المكملة
غير الآمرة اي انها : تلك النصوص التي
تخلو من تلك الألفاظ التي تفيد الأمر والوجوب، والقول المختار والأنسب هو القول
الذي يذهب إلى أن النصوص القانونية الآمرة هي تلك النصوص التي تهدف إلى حماية
الحقوق والمصالح العامة حتى ولو لم ترد فيها الألفاظ التي تفيد الأمر والوجوب،
والنصوص القانونية المكملة هي: تلك النصوص الإجرائية أو التنظيمية التي تنظم الحصول
والوصول إلى الحقوق والمصالح من غير أن تهدر أو تنتقص الحقوق والمصالح العامة التي
استهدف المقنن حمايتها والمحافظة عليها. (القواعد الآمرة وتطبيقاتها على العقد
الدولي دراسة مقارنة، د. عبدالله فاضل حامد، ص72) و (القواعد الآمرة في القانون
الدولي المعاصر، د. إبراهيم سيف منشادي، ص34).
الوجه الثاني: النصوص القانونية الموضوعية والإجرائية في قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية:
من
خلال مطالعة قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية يظهر أن
القانونين يهدفا إلى توفير شبكة التأمين على موظفي الدولة وعمال القطاع الخاص ومن يعولونهم
، وذلك لمواجهة مخاطر إصابات العمل والوفاة والشيخوخة وتوفير معاشات تقاعدية
للعجزة وعائلات الموظفين والعمال بعد وفاتهم، وتوفير الحماية التأمينية لهذه
الشريحة الإجتماعية الواسعة يحقق مصالح عامة عدة من أهمها: مواجهة العجز و الفاقة،
وتوفير حد أدنى من المعيشة لشريحة إجتماعية واسعة (الموظفون والعمال وعوائلهم).
من
خلال مطالعة القانونين المشار إليهما يظهر أن النصوص التنظيمية والإجرائية في القانونين تتصل بالنصوص الموضوعية المقررة
للحقوق التأمينية للموظفين والعمال، فمن المتعذر الفصل بين النصوص الموضوعية
والنصوص الإجرائية أو التنظيمية في القانونين، فالنصوص الإجرائية أو التنظيمية
تتناول كيفية الاشتراك في التأمين وإستقطاع الإشتراكات التأمينية وكيفية صرف
التعويضات والمعاشات التقاعدية ، وعلى هذا الأساس فإن النصوص الموضوعية والنصوص
التنظيمية أو الإجرائية في القانونين من القواعد الآمرة، لأن تلك الإجراءات تبين كيفية
الإشتراك في التأمين وتحصيل الإشتراكات وصرف التعويضات والمستحقات التأمينية.
الوجه الثالث: عدم جواز الإتفاقات على خلاف نصوص قانوني التأمينات والمعاشات، وقانون التأمينات الإجتماعية:
سبق
القول في الوجه الأول أنه من المقرر قانوناً عدم جواز الإتفاق على خلاف النصوص
القانونية الآمرة، وبما أن النصوص القانونية الموضوعية والإجرائية الواردة في
قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية هي نصوص آمرة على النحو
السابق بيانه، لذلك لا يجوز إبرام أية إتفاقيات تخالف أي نص من النصوص القانونية
الواردة في القانونين المشار إليهما، حسبما
قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: احقية هيئة التأمينات ومؤسسة التأمينات في إقتراح تعديل القانون:
هيئة التأمينات ومؤسسة التأمينات هما الجهتان المعنيتان بتطبيق وتنفيذ قانون التأمينات والمعاشات وقانون التأمينات الإجتماعية، واثناء تطبيقهما للقانونين المشار إليهما تظهر لهما أوجه القصور وعيوب القانونين، غير أن ذلك لا يجيز لهما إبرام إتفاقيات تخالف نصوص القانونين النافذين، وإنما يحق لهما إقتراح تعديل القانونين ورفع إقتراح التعديل إلى الجهات المعنية، لأن خلق الفكرة القانونية من إختصاص الأشخاص والجهات المعنية بتنفيذ القانون، في حين أن صياغة الفكرة القانونية على هيئة نصوص قانونية يكون من إختصاص الجهات المعنية بالصياغة القانونية (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص143)، والله اعلم.
![]() |
عدم جواز الإتفاق على خلاف نصوص قانون التأمينات |