الوقف على الورثة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
أساس الوقف وركنه الركين هو القربة إلى الله تعالى التي يبتغيها
الواقف من وقفه ويظهر ذلك من تحديد الواقف للموقوف عليه، فالوقف على المساجد فيه قربة إلى الله وكذا الوقف على المدارس
والجامعات والمستشفيات والفقراء والمساكين وغيرها من القرب ، فالوقف على هذه
الجهات ومايماثلها فيه معنى القربة ، وهذه القربة تنتفي حينما يوقف الواقف على
ورثته أو أحدهم من غير أن يلزمه الواقف بقربة من القرب، لأن غرض الواقف في هذه الحالة
هو حبس المال على ورثته ومنع المال من التداول بين الناس، ومع أن الأصل هو منع
الوقف على الورثة غير أن هناك حالات يجوز فيها الوقف على الورثة، وقد اشار إلى هذه
المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 1-1-2014م في الطعن رقم (50405) المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه
(بالتأمل لما ورد في وثيقة الوقف فقد ظهر أن المورث قد أوقف على ورثته جميعاً دون
تعيين منه لجهة بر، ولذلك فإن الوقف باطل لإنتفاء شرط القربة المحققة شرعاً في
الموقوف عليهم وفقاً لنص المادة (33) من قانون الوقف، وحيث أن حكم إثبات انحصار
ورثة الواقف قد حدد اسماء الورثة، وقد تطابقت اسماء الورثة في حكم إثبات إنحصار
الورثة مع اسمائهم الواردة في الوقفية الباطلة، لذلك فإن اللازم إبطال الوقف
وتقسيمه على الورثة المحددين في حكم إنحصار الورثة بحسب الفرائض الشرعية)، وقد قضى
الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي
بأنه (مع أن المورث لم يحرم أي وارث إلا أن قضاء الحكم الابتدائي بإلغاء الوقف كان
موافقاً للقانون، لأن ذلك الوقف على الذرية، فلم يتضمن أية قربة)، وعند الطعن
بالنقض بالحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن
أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد وجدت الدائرة: أن الحكم محل الطعن قد وافق الشرع
والقانون في قضائه بإبطال الوقف الذري))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الأوجه الاتية:
الوجه الأول: بطلان الوقف على الورثة في قانون الوقف:
استند الحكم محل تعليقنا في قضائه بإبطال الوقف
على الورثة إلى المادة (33) من قانون الوقف التي نصت صراحةً على بطلان الوقف على
الورثة، إذ نصت هذه المادة على أن (الوقف على النفس خاصة او على وارث او على
الورثة او على الذرية او على الاولاد واولاد الاولاد باطل ما لم يكن المذكورون
داخلين في عموم جهة بر عينها الواقف في الحال فيعامل الواحد منهم كأحد افرادها، او
كان الموقوف عليه عاجزا كالأعمى والاشل وليس له ما يكفيه، وفي هذه الحالة اذا زال
عجزه او مات اعتبر الوقف منقطع الصرف ويأخذ حكمه المبين في المادة (30) من هذا القانون)،
فهذه المادة صريحة في إبطال الوقف على الورثة، لأن الله
سبحانه وتعالى قد حدد انصبة الورثة في آية المواريث، ومفهوم الورثة الوارد في النص
عام يشمل الوقف على الورثة جميعهم أو بعضهم، ويشمل التركة جميعها، فلا يجوز وقف
التركة كلها على الورثة أو ثلثها أو بعضها على بعض الورثة أو جميعهم .
الوجه الثاني: الحالات التي يجوز فيها الوقف على الورثة أو بعضهم:
حددت المادة (33) من قانون الوقف السابق ذكرها حددت الحالات التي يجوز فيها الوقف
على الوارث، ويمكن تلخيص هذه الحالات كما يأتي:
الحالة الأولى: إذا
كان الوارث مريضاً بمرض يعجزه عن العمل أو الكسب كالأعمى والأشل والأقطع والمعوّق
بإعاقة دائمة وليس له مال يكفيه، فيجوز الوقف عليه في هذه الحالة مدة عجزه أو اثناء
حياته، فإذا زال عجز الوارث أو مات فإن الوقف عليه لا يورث لورثته من بعده وإنما
يطبق على الوقف في هذه الحالة حكم الوقف المنقطع المصرف، فيتم نقل الوقف إلى مبرة
مماثلة بناءً على طلب من الجهة المختصة بالوقف وبموجب حكم قضائي يصدر من المحكمة
المختصة.
الحالة الثانية: إذا
كان الوارث داخلاً في عموم الجهة الموقوف
عليها التي عينها الواقف: مثل أن يحدد الواقف في وقفيته أن تصرف عائدات الوقف على
العلماء أو طلبة العلم، ويكون الوارث عالماً أو طالب علم، أو مثل أن ينص الواقف في
الوقفية على أن تصرف عائدات المال الموقوف على الضعفاء والمساكين والفقراء أو
المرضى فيتحقق في الوارث أي من هذه الأوصاف.
الوجه الثالث: إنتفاء القربة سبب بطلان الوقف على الورثة:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان سبب إبطال الوقف
على الورثة يرجع إلى إنتفاء القربة في الوقف على الورثة ، لأن القربة هي ركن الوقف
الركين وأساسه المتين، وفي هذا المعنى نصت المادة (3) من قانون الوقف على أن
(الوقف هو حبس مال والتصدق بمنفعته أو ثمرته على سبيل القربة تأبيداً)، كما نصت
المادة (5) من قانون الوقف على أنه (ويجب أن يقترن الإيجاب بنية القربة).
فوقف الواقف على ورثته ليس فيه معنى القربة أو التقرب من الله تعالى بأية قربة وإنما مراد
الواقف من هذا الوقف هو حبس ماله في ورثته ومنعهم من التصرف فيه بأي من التصرفات
الناقلة ملكيته، فيظل المال الموقوف محبوسا
على الورثة جيل بعد جيل، فلايتداول بين أفراد المجتمع ، فغاية الواقف على ورثته هو
حبس المال من التداول، وفي هذا المعنى نصت المادة(34 ).من قانون الوقف على أنه(واذا
لم تتحقق القربة في الشخص الموقوف عليه على النحو المبين في الفقرة السابقة كان
الوقف باطلا ).
اما إذا توفرت القربة في الوقف على الورثة فأنه يصح
في الشريعة الإسلامية كأن يوقف المورث على الفقراء من ورثته اوالمساكين اوالعجزة
أو العلماء أو الفضلاء ذي العبادة أو حفظة القرآن الكريم من ورثته أو ذريته ، لأن الاقربين أولى
بالمعروف، بيد أن قانون الوقف اليمني قد صرح ببطلان الوقف على الورثة لقراءة
ماتيسر من القرآن الكريم، فقد نصت المادة(36 ) من قانون الوقف على أن (الوقف في درس او للقراءة للوارث لما
تيسر غير صحيح)، ولم يكن القانون موفقاً في ذلك، لأن الواقف يهدف من وقف القراءة للقرآن الكريم حض وحث ورثته على المواظبة على قراءة القرآن الكريم وتلاوته
باعتبار قراءة القرآن وتلاوته من أهم القرب إلى الله تعالى سيما إذا كان الواقف قد
اشترط في الوقفية على ورثته الموقوف عليهم
قراءة اجزاء أو جزء من القرآن في كل يوم، فلا ريب أن في ذلك قربة إلى الله تعالى، فلا
تنتفي القربة في هذا النوع من الوقف.
الوجه الرابع: صحة الأوقاف القديمة على الورثة:
صحح
قانون الوقف اليمني الأوقاف القديمة على الورثة حفظاً لاستقرار المراكز القانونية
التي استقرت قبل صدور القانون، ومع أن مبدأ الأثر الفوري للقانون وعدم رجعيته
يقتضي ان يحكم القانون الأوضاع والحالات التي تقع بعد صدور القانون الا ان قانون الوقف اليمني قد ذهب بعيدا بالنسبة للوقف على الورثة أو الذرية حيث قضى
بأن الأوقاف على الورثة أو الذرية السابقة لصدور القانون بمدة أربعين سنة تكون
صحيحة ، فقد نصت المادة (46) من قانون
الوقف على أن (الاوقاف الاهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع الشروط المنصوص
عليها في هذا القانون اذا كانت قد صدرت فيها احكام شرعية بصحتها او كان الورثة قد
تراضوا عليها او مضى عليها اربعون عاما تبقى على ما هي عليه)، ومع ان قانون الوقف
النافذ قد نص على منع الوقف على الورثة أو الذرية حسبما سبق بيانه إلا أن النص
السابق( المادة 46) يقرر صحة الوقف القديم على الورثة في الحالات
الآتية:
الحالة الأولى: إذا
كانت قد صدرت أحكام قضائية قضت بصحة الوقف على الورثة أو الذرية ، ففي هذه الحالة
يجب إحترام حجية هذه الأحكام.
الحالة الثانية: إذا
كان الورثة قد قبلوا بالوقف عليهم أو على بعضهم أو رضوا بذلك، لأن ذلك يعد إقرارا مصادقة منهم
على الوقف في هذه الحالة وأنه لم يتضمن حيلة على بعضهم.
الحالة الثالثة: إذا كانت قد انقضت على وقوع أو صدور الوقف على الورثة مدة أربعون سنة قبل صدور قانون الوقف الذي صدر بتاريخ (29/3/1992م) ، لأن القانون حرص على المحافظة على إستقرار المراكز القانونية السابقة لصدور القانون ، فضلا عن ان بقاء الوقف على الورثة طوال فترة الأربعين سنة السابقة لصدور القانون دليل على قبول الورثة بهذا الوضع، والله اعلم.
![]() |
الوقف على الورثة |