إسناد تحديد مصرف الوقف إلى ناظر الوقف

 

إسناد تحديد مصرف الوقف إلى ناظر الوقف

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الغالب أن يقوم الواقف نفسه بتحديد مصرف وقفه في الوقفية الصادرة عنه ، بيد أنه في بعض الحالات يقوم الواقف بالتصريح في وقفيته بأنه قد أوقف بعض ماله في محسنة جارية أو صدقة جارية بنظر الناظر الذي يحدده الواقف في الوقفية دون أن يحدد الواقف أغراض المحسنة أو الصدقة الجارية، فيفهم من ذلك أن الواقف قد أسند إلى الناظر الذي  عينه تحديد أوجه صرف منافع العين الموقوفة كمحسنة أو صدقة جارية، وفي بعض الحالات ينص الواقف في وقفيته بأن منفعة العين الموقوفة يتم صرفها  بصفة إجمالية في جهة  معينة كمسجد أو مدرسة أو لطلاب علم... إلخ، دون أن يحدد الواقف في الوقفية نوع الصرف هل لفراش المسجد ام إنارته ام جلب الماء إليه – اي ان الواقف لايحدد المصارف التفصيلية ، ويفهم من ذلك أن الواقف في هذه الأحوال  قد أستند إلى الناظر الذي عينه  الصرف على الجهة المعينة في إحتياجاتها  المختلفة بحسب أهميتها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-12-2012م في الطعن رقم (46176)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأن (الوقفية المشار إليها جعلت إلى الناظر تحديد المصرف للمسجد أم لسادن المسجد أم في فراش مسجد أو غيره، وحيث أنه لا تناكر بشأن الوقفية فإن اللازم العمل بما ورد فيها)، وقد أيدت الشعبة الشخصية الاستئنافية الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي( أن للولي على الوقف بحكم ولايته صرف غلة العين الموقوفة بما يتناسب مع ما ورد في الوقفية سواء أكان الوقف للمسجد أم للقراءة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد وجدت الدائرة: أن الحكم الاستئنافي قد توصل إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون بتأييده للحكم الابتدائي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: تعيين مصرف الوقف في قانون الوقف اليمني:

من خلال إستقراء نصوص قانون الوقف اليمني يظهر أنه اشترط أن يكون مصرف الوقف معيناً إجمالا في وقفية الواقف، ويظهر ذلك من خلال إستقراء المادة (5) من قانون الوقف التي نصت على أن (يكون الوقف بإيجاب من الواقف يقف به مالاً معيناً منقولاً أو غير منقول مملوكاً له ويتصدق بمنفعته أو ثمرته على معين شخصاً كان أو جهة عامة أو خاصة، ويجب أن يقترن الإيجاب بنية القربة إلا أنه في غير الصريح لابد من دلالة يظهر بها مراد الواقف)، فهذا النص قد اشترط أن تصرف غلات الواقف أو ثماره على شخص معين أو جهة معينة سواء اكانت عامة أم خاصة، وهذا يدل على جواز أن يتم تحديد مصرف الوقف بصفة مجملة كتسمية جهة لصرف غلات العين الموقوفة عليها بنظر ناظر الوقف  الذي يحدد المصارف التفصيلية بحسب إحتياج الجهة وبحسب مناسبة الصرف لغرض الواقف حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

كما نصت المادة (24) من قانون الوقف على أنه (يشترط في الموقوف عليه (المصرف) ما يأتي: -1- أن يكون معيناً ويعتبر المصرف معيناً في الفقراء إذا لم يعينه الواقف، ويكون للواقف إلى حين موته تعيين مصرف آخر، فإذا مات ولم يعين استمر الصرف للفقراء -2- أن يكون فيه قربة محققة شرعاً -3 – أن يكون على الوجه الذي عينه الواقف موضعاً للصرف زماناً ومكاناً.) ويفيد هذا النص أنه يجب أن يكون المصرف معيناً وإذا لم يعينه الواقف مطلقا  في وقفيته، فإن مصرف الوقف في هذه الحالة يكون في الفقراء، ومن جهة ثانية فإن الفقرة (3) من المادة السابقة قد صرحت بأن مصرف الوقف يكون على الوجه الذي عينه الواقف أي أنه ينبغي الإلتزام بتحديد المصرف الذي حدده الواقف في وقفيته، فإذا حدد الواقف القربة التي تصرف  فيها عائدات العين الموقوفة بصفة اجمالية وصرح الواقف بأن صرف عائداتها يتم بنظر الناظر الذي عينه الواقف، فإن الصرف في هذه الحالة يكون بنظر الناظر وبحسب مايراه الناظر مناسبا، فذلك جائز حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: إسناد الواقف للناظر تعيين مصرف الوقف:

يحدث ذلك في بعض الوقفيات القديمة والحديثة حينما ينص الواقف في الوقفية على أنه قد أوقف وحبس بعض ماله صدقة جارية أو محسنة جارية بنظر  الناظر الذي يعينه الواقف في الوقفية الذي يتولى صرف غلات العين الموقوفة، فالواقف في هذه الحالة لم يحدد  في الوقفية مصرف المحسنة أو الصدقة الجارية وإنما اسند ذلك إلى الناظر الذي عينه في وقفيته، وبموجب هذه الوقفية فأنه يجوز لناظر الوقف أن يصرف غلات العين الموقوفة في أي وجه من أوجه البر والإحسان، لأن تلك إرادة الواقف وعبارته التي ينبغي إحترامها، فمن القواعد الفقهية أن عبارة الواقف أو نص الواقف كنص الشارع ما دام أن نص الواقف لا ينافي القربة، وفي هذا المعنى نصت المادة (32) من قانون الوقف اليمني على أن (نصوص الواقف كلها مرعية إلا فيما ينافي القربة).

إضافة إلى ما سبق فإن الواقف قد يحدد في وقفيته مصرف الوقف على وجه الإجمال دون يحدد المصارف التفصيلية، كأن يصرح الواقف في وقفيته بأن مصرف العين أو الأعيان الموقوفة يكون في المسجد أو المدرسة بنظر الناظر أو الولي فلان والأرشد من أولاده بطناً فبطن، فعندئذٍ يتولى الناظر تحديد المصارف التفصيلية بما يلبي إحتياجات المسجد أو المدرسة المختلفة بحسب أهميتها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

إسناد تحديد مصرف الوقف إلى ناظر الوقف
إسناد تحديد مصرف الوقف إلى ناظر الوقف