قسمة المال تعد إجازة للوصية لوارث

 

قسمة المال تعد إجازة للوصية لوارث

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

  لاوصية لوارث الا اذا اجازها بقية الورثة بعد وفاة مورثهم الموصي، والاجازة قد تكون بالقول الصريح أو الضمني كما قد تكون بالفعل الصريح أو الضمني، ولذلك فإن قيام الورثة بعد وفاة مورثهم بقسمة الأموال على النحو المحدد في الوصايا الصادرة من مورثهم الموصي  تعد فعلا صريحا يدل على إجازة الورثة لتلك الوصايا، فقسمة الورثة للأموال على النحو الوارد في وصايا مورثهم  بعد وفاة مورثهم الموصي يدل على قبول وموافقة الورثة بتلك الوصايا، ومن ثم فإن ذلك يعد إجازة منهم للوصايا الصادرة من الموصي مورثهم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2012م في الطعن رقم (43655)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأن (كل الأدلة قد تساندت على  صحة وقوع القسمة المدعى بها، ومن المعلوم أن القسمة إجازة من الوارث لما تضمنته الوصايا من مورثه)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما اثاره الطاعن من أسباب الطعن على ضوء إجابة المطعون ضده على الطعن ومن خلال ذلك فقد تبين للدائرة: أن ما ورد في عريضة الطعن متعلق بوقائع النزاع ووزن الأدلة، وتلك أمور متعلقة بمحكمة الموضوع ولا تخضع لرقابة المحكمة العليا إلا إذا كانت مخالفة للقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: عدم جواز الوصية لوارث إلا إذا اجازها بقية الورثة:

من المقرر في الفقه الإسلامي عدم جواز الوصية لوارث، لأن ذلك يورث الضغائن والأحقاد بين الورثة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب على ناقته قائلاً (ان الله اعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث)، ومعنى ذلك أن الله تعالى قد حدد في آية المواريث نصيب كل وارث، ولذلك لا تجوز الوصية للورثة، وقد ذهب جمهور الفقهاء  إلى أن الوصية لا تجوز للوارث إلا إذا اجاز ذلك الورثة، في حين ذهب بعض الفقهاء إلى أن الوصية للوارث لا تجوز مطلقا وان اجازها سائر الورثة، لأن منع  الوصية لوارث مقرر لحق الشرع وليس لحق الورثة.

وقد اخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بقول جمهور الفقهاء حسبما هو ظاهر في المادة (234) التي نصت على أنه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة).

الوجه الثاني: الوقت الذي تصدر فيه إجازة الورثة للوصية لوارث:

سبق القول أن قانون الأحوال الشخصية قد اخذ بقول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى جواز الوصية لوارث إذا اجازها بقية الورثة، وقد حدد القانون وقت صدور الإجازة وهو بعد وفاة المورث الموصي، لأن الوصية في الأصل: تصرف لما بعد موت الموصي، فلا تتحقق الوصية إلا بموت الموصي إضافة إلى أن حق الورثة في التركة لا يتحقق إلا بعد وفاة المورث وتركه للأموال، ولذلك تسمى التركة تركة قال تعالى {ولكم نصف ما ترك ازواجكم}، فحق الورثة في التركة لا يتحقق إلا بوفاة المورث، فإجازة الورثة للوصية لوارث عبارة عن تنازل من الورثة عن المال الموصى به للوارث، ومن المقرر في الفقه الإسلامي والقانون أن التنازل عن الحق لا يصح إلا بعد وجود الحق المتنازل عنه ، وعلى هذا الأساس فقد اشترط قانون الاحوال الشخصية أن تكون الإجازة بعد وفاة الموصي المورث حسبما ورد في المادة (237) أحوال شخصية التي نصت على انه (لا تصح إجازة إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).

الوجه الثالث: شروط إجازة الورثة للوصية لوارث:

سبق القول في الوجه الثاني أن قانون الأحوال الشخصية قد اشترط أن تكون الإجازة بعد تحقق وفاة المورث وإضافة إلى ذلك فإن القانون ذاته قد اشترط أن يكون المجيز للوصية بالغاً عاقلاً فلا تصح الإجازة من الصبي أو المجنون لأنهما ليسا اهلا للتصرف سيما أن الإجازة عبارة عن تنازل عن المال الموصى به للوارث، فالإجازة  من التصرفات الضارة محضاً التي لا يجوز للصبي والمجنون مباشرتها بل ان ذلك لايجوز لوليهما ، وكذا اشترط القانون أن يكون الوارث المجيز للوصية مختاراً فلا تصح الإجازة من المكره أو المضطر، وقد وردت شروط إجازة الورثة للوصية لوارث في المادة (237) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أنه (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).

الوجه الرابع: الإجازة الصريحة والضمنية للوصية لوارث:

نص قانون الأحوال الشخصية على جواز الوصية لوارث إذا اجازها بقية الورثة بعد وفاة الموصي على النحو السابق بيانه، بيد أن القانون لم يبين كيفية الإجازة، وقد صرح القانون المدني أن الإجازة قد تكون صريحة أو ضمنية حسبما ورد في المادة (523) مدني  التي نصت على أن الإجازة (تكون صريحة أو ضمنية بالقول أو الفعل)، والإجازة الصريحة تكون بقول أو فعل لا يحتمل غير الإجازة في حين تكون الإجازة الضمنية بقول أو فعل يحتمل الإجازة ويحتمل غيرها.

وتطبيقاً لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا: أن قسمة الورثة للتركة  بعد وفاة مورثهم الموصي بحسب الوصايا الصادرة من المورث تعد إجازة فعلية لتلك الوصايا الصادرة من المورث للورثة، فإجراء القسمة على النحو الوارد في الوصايا يعد قبولا وموافقة  بالوصية لوارث من الورثة بعد وفاة مورثهم الموصي، وفي هذا السياق يعد من الإجازة الفعلية قيام الورثة بتسليم المال الموصى به إلى  الوارث الموصى له بعد وفاة المورث الموصي أو تحريرهم وثيقة بذلك بعد وفاة المورث، كما يعد إجازة من الورثة للوصية لوارث أي فعل أو قول يدل على ذلك، والله اعلم.

قسمة المال تعد إجازة للوصية لوارث
قسمة المال تعد إجازة للوصية لوارث