التدخل والإدخال في دعوى إلغاء القرار الإداري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من
المعلوم أن الحكم في دعوى إلغاء القرار الإداري تكون له حجيته المطلقة في مواجهة
الكافة استثناءً من مبدأ (نسبية حجية الاحكام)، وعلى هذا الأساس يجوز للأفراد
الذين سيمس الحكم الإداري حقوقهم ومصالحهم أن يتدخلوا في دعوى الإلغاء، كما يجوز
للمحكمة الإدارية إدخال من ترى أن إدخاله مفيد في دعوى الإلغاء، بيد أنه لا يحق
لمن لم يكن طرفاً أو مدخلاً في دعوى الإلغاء أن يطعن في الحكم الإداري الصادر في
دعوى الإلغاء، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 7/4/2013م في الطعن رقم (51413)، الذي ورد ضمن أسبابه:
((حيث أن الأصل أن دعوى الإلغاء ليست دعوى بين خصوم (ليست شخصية) وإنما هي دعوى
عينية يتم فيها إختصام القرار الإداري المعيب ذاته، لذا فإن توجيه الخصومة إلى
الجهة التي اصدرته لتلقى وجوه الطعن في القرار والدفاع عنه وإنفاذ ما تقضي المحكمة
في شأنه، وإدخال طرف ثالث في خصومة الإلغاء أمر جوازي للمحكمة، كما أن تدخل الغير
جائز في دعوى الإلغاء، وحيث أن الحجية المطلقة للحكم الإداري في دعوى الإلغاء هي
نتيجة منطقية لطبيعة دعوى الإلغاء العينية، وهذه الحجية لا تعني أن للغير ممن تضرر
من الحكم والذي لم يدخل أو يتدخل في الدعوى (أي لم يكن طرفاً في الخصومة) ليس له الحق في الطعن في الحكم، ذلك لأن الدعوى
موجهة إلى القرار الإداري في ذاته، والخصم هو الجهة الإدارية التي اصدرته، فالمادة
(273) من قانون المرافعات صريحة في عدم جواز أن يطعن في الاحكام إلا المحكوم
عليه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية دعوى إلغاء القرار الإداري وطبيعتها:
هناك عدة تعريفات فقهية لدعوى الإلغاء ، فيذهب
جانب من الفقه الى أن دعوى الإلغاء : دعوى قضائية تهدف الى إلغاء قرار غير مشروع
صادر من سلطة إدارية بواسطة القاضي الإداري، ويذهب جانب آخر الى تعريف دعوى الإلغاء بأنها :
الدعوى التي تهدف الى إلغاء القرار الإداري الذي أصدرته الإدارة ، وتقتصر سلطة
القاضي الإداري على بحث مشروعية القرار الإداري ومدى إتفاقه مع قواعد القانون
وإلغاءه اذا كان مخالفاً القانون، وهناك من يعرف دعوى الإلغاء : بأنها دعوى ترفع
الى القضاء لإعدام قرار أداري صدر بخلاف ما يقضي به القانون.
ودعوى الإلغاء دعوى موضوعية أو عينية تقوم على
مخاصمة قرار أداري غير مشروع ، وهي موجهة ضد القرار الإداري ، ويتعين
لقبولها أن يكون القرار قائماً ومنتجاً لآثاره عند إقامة الدعوى، وعلى هذا
الأساس فأن دعوى الإلغاء تعد مخاصمة للقرار الإداري ذاته فليست مخاصمة لجهة
الإدارة التي اصدرته ، بمعنى أن الطعن في
دعوى الإلغاء يكون محله القرار الإداري
وليس السلطة الإدارية التي أصدرته .
ولهذا فأن المنازعة التي تنشأ عن دعوى الإلغاء
منازعة موضوعية لا شخصية ، أي انه لا يشترط لقبول هذه الدعوى أن يكون الطاعن في
مركز قانوني يكسبه حقاً شخصياً إزاء السلطة الإدارية كما لو كان طرفاً في عقد معها
، بل يكفي أن يكون المدعي في مركز قانوني عام يستند الى قاعدة قانونية بقدره ،
كالقاعدة التي تقرر حق للأفراد في المساواة في الانتفاع بخدمات المرافق العامة .
وكذلك تتسم دعوى الإلغاء في أن الحكم بإلغاء
القرار الإداري غير المشروع ينحصر في التحقق من صحة ومشروعية القرار الإداري ومدى
موافقته للقانون.
وتتميز دعوى
الإلغاء ببعض المميزات التي تميزها عن غيرها من الدعاوى وبيان هذه المميزات على النحو
الآتي :-
اولاً :- تتميز دعوى الإلغاء بأنها
تهدف الى إلغاء القرار الإداري ، فموضوعها قرار أداري معيب أياً كانت السلطة التي أصدرته سواء اكانت
رئيس الجمهورية او الوزير أو المحافظ، فالقرار الإداري المطعون فيه قد يكون قراراً
فردياً يخاطب شخصاً معيناً بذاته مثل القرارات الفردية ، وقد يكون القرار الإداري
تنظيمياً لائحياً يضع قاعدة عامة مجردة تنطبق على أشخاص غير معينين بالذات مثل
لوائح الضبط .
ثانياً :- يتميز الحكم الصادر بإلغاء قرار
أدارى بأن له حجية مطلقة في مواجهة الكافة
، لذلك تقضي المحكمة بإلغاء القرار
الإداري محل الطعن إذا ثبت للمحكمة عدم مشروعيته ويزيل الحكم أثار القرار بالنسبة
للجميع ليس فقط بالنسبة للخصوم في الدعوى بل غيرهم أيضا ، حيث يتمسك به كل من له
مصلحة ولو لم يكن من أطراف النزاع .
ثالثاً :- دعوى الإلغاء دعوى تنتمي الى قضاء
المشروعية ، فحيثما يلغي القاضي الإداري قراراً أدارياً فهذا يعني ان القرار غير
مشروع ، حيث يقوم قضاء الإلغاء أساساً على حماية مبدأ المشروعية من خلال دعوى
الإلغاء التي ترفع ضد قرار إداري مخالف لهذا المبدأ ، تستهدف دعوى الإلغاء استصدار
حكم بإلغاء القرار كلياً أو جزئياً .
ويكون قاضي الإلغاء هو ذاته قاضي المشروعية ، حيث
يبحث في مشروعية القرار المطعون فيه فاذا ظهر له أن القرار المطعون به قرار سليم
يتفق مع القانون قضى برفض الطعن( دعوى الإلغاء )، وإن تبين للقاضي أن القرار الإداري غير مشروع قضى
بإلغائه .( التظلم الإداري باعتباره شرطا من شروط قبول الدعوى امام القضاء الادارالاداري،
زينب عباس محسن الإبراهيمي، ص30-33)
الوجه الثاني: حجية الحكم الصادر في دعوى إلغاء القرار الإداري:
تتمتع الاحكام الصادرة في دعوى الإلغاء بحجية
الشئ المقضي به، وهذه الحجية لا تقتصر على الحكم الصادر بالالغاء فحسب، بل تشتمل
عل الحكم الصادر برفض الدعوى أيضا، ويراد بالحجية ان المحكمة استنفذت ولايتها بعد
اصدار الحكم، فليس لها الحق في الرجوع عما قضت فيه او ان تعدل فيه، اما من ناحية
الموضوع فيراد بالحجية ان الحكم اصبح عنوانا للحقيقة التي لا تقبل اثبات العكس،
وتتنوع حجية الحكم الصادر في دعوى الإلغاء طبقا لمضمون الحكم الصادر فيها وفيما
اذا كان قد قضى برفض طلب الإلغاء ام قضى بإلغاء القرار المطعون فيه، وبيان ذلك كما
يأتي:
أولا: الحجية النسبية للحكم الإداري الصادر برفض دعوى الإلغاء: الأصل في
حجية الاحكام هو نسبيتها، حيث تنص على ذلك معظم القوانين ومنها اليمني والفرنسي
والمصري والعراقي، ويشترط لتحقق الحجية النسبية لزوم اتحاد الخصوم، والموضوع،
والسبب في الدعوى، ويعد مجلس الدولة الفرنسي ان الدفع الناشئ عن حجية الامر المقضي
به لا يتعلق بالنظام العام، وعليه فان القاضي لا يتصدى لهذه الحجية من تلقاء نفسه،
بل لابد من اثارتها من قبل صاحب الشأن، وتخضع لقاعدة الحجية النسبية الحكم الصادر برفض دعوى الإلغاء، والعلة
في اسباغ الحجية النسبية على الحكم الصادر برفض طلب الإلغاء، تكمن في ان مشروعية
القرار الصادر في هذه الحالة ليست قاطعة، بمعنى ان احتمال الخطا والصواب وارد
بالنسبة له، فقد يصدق الحكم بالنسبة لطاعن ولا يصدق بالنسبة لطاعن اخر، فلو صدر
الحكم برفض طلب الإلغاء لعدم صحة الأسباب التي استند اليها الطاعن في دعواه، فان
الطعن من قبل اخر على القرار ذاته والأسباب ذاتها قد يؤدي الى الحكم بالالغاء،
وعليه فلا محل لاكتساب الحكم الصادر برفض طلب الإلغاء حجية مطلقة، وعلى ذلك استقر
قضاء مجلس الدولة الفرنسي ومجلس الدولة المصري فلا يكتسب القرار الإداري محل الطعن بالالغاء من
جراء الحكم برفض طلب الغائه أية قوة خاصة، او أي وضع جديد في النظام الإداري، ومن
ثم فان الإدارة تحتفظ بحريتها في الإبقاء على القرار او الغائه او تعديله في حدود
اختصاصها طبقا للقانون، كما لا تلتزم محاكم القضاء العادي – دون القضاء الإداري –
بحجية الحكم الصادر برفض طلب الإلغاء، وذلك احتراما لمبدا الفصل بين جهتي القضاء،
وعليه فان بإمكان المحاكم العادية ان تقرر عدم مشروعية القرار الإداري وذلك بصرف
النظر عن الأسباب التي يستند اليها.
ثانيا: الحجية المطلقة للحكم الصادر بإلغاء القرار الإداريّ غير
المشروع : حكم الإلغاء حكم موضوعي ينصب
على القرار الإداري المطعون فيه ويجعله كان لم يكن في مواجهة الكافة، وليس فقط في
مواجهة اطراف الدعوى، فالحكم في هذه الحالة يتمتع بحجية مطلقة، بمعنى ان ما قضى به
صحيح ومحقق، ومن ثم فلا محل لتجاهله او إعادة فحصه سواء من القضاء الذي صدر عنه
الحكم او غيره، ويمكن ان يحتج به أي شخص في مواجهة الكافة، ولذلك لا يشترط لقيام
الحجية المطلقة اتحاد الخصوم والموضوع والسبب، وهذه الحجية تتصل بالنظام العام، ولذلك
يستطيع القاضي اثارة الدفع بشانها من تلقاء نفسه، ويتمتع الحكم الصادر بالالغاء
بالحجية المطلقة – على هذا النحو – بسبب الطبيعة الموضوعية لدعوى الإلغاء، فالطعن
بالالغاء طعن موضوعي يهدف الى تطهير النظام القانوني في الدولة من القرارات غير
المشروعة بناء على تحقق احد أوجه الإلغاء فيها مما يترتب عليه اعدام القرار
الإداري المعيب وباثر رجعي ليس بالنسبة للطاعن وحده، بل في مواجهة الكافة، ولذلك
فانه ليس من المنطقي ولا المتصور ان يعد القرار معدوما بالنسبة لشخص وقائما في
مواجهة شخص اخر،ويورد الفقه الفرنسي بشان هذه القاعدة استثنائين، احداهما يتمثل في
حق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة الذي لهم مصلحة في الإبقاء على القرار المحكوم
بالغائه، ففي حال قبول الاعتراض فان الحكم بالالغاء يزول ويعتبر كان لم يكن،
والاستثناء الاخر يتمثل في تدخل المشرع بسبب المشكلات والصعوبات التي تنشا عن
تنفيذ حكم الإلغاء. والإدارة ملزمة باحترام الحكم الصادر بالالغاء وتنفيذه، فهي
ملزمة بالامتناع عن تطبيق القرار المحكوم بالغائه دون اخلال بحقها في إعادة اصدار
القرار الملغي في الحالات التي يكون فيها الحكم بالالغاء راجعا الى عيب غير عيب
المحل وذلك بعد إزالة العيب الذي كان يشوب القرار الذي صدر بشانه حكم الإلغاء،
والامر ذاته يصح – أيضا – في حال صدور القرار المحكوم بالغائه عن سلطة إدارية
مقيدة. وبالمقابل تلتزم الإدارة – أيضا – باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لاعادة
الوضع الى ما كان عليه، باعتبار القرار كان لم يكن، وبمجرد قيام الإدارة بتنفيذ
حكم الإلغاء، فانها تسترد حريتها في اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا ومتفقا مع
القانون، فلو كان المحكوم بالغائه قرارا بفصل موظف من الوظيفة فانه يمكنها حال
اعادته الى الوظيفة اتخاذ القرار الذي تراه ملائما في مواجهة الموظف ذاته، بل لها
اتخاذ القرار ذاته شريطة ان يكون مستندا الى أسباب قانونية جديدة، وعلى خلاف الحكم
الصادر برفض طلب الإلغاء، فان الحكم الصادر بالالغاء يكون حجة في مواجهة القضاء
العادي بقدر ما هو حجة في مواجهة القضاء الإداري.( القضاء الإداري، وسام صبار
العاني، : ص314-318).
الوجه الثالث: جواز التدخل والإدخال في خصومة دعوى إلغاء القرار الإداري:
قضى
الحكم محل تعليقنا بأنه يجوز لمن له صفة ومصلحة في دعوى إلغاء القرار الإداري أن
يتدخل في خصومة دعوى الإلغاء، كما قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجوز للمحكمة
الإدارية أن تقرر إدخال من تراه في خصومة دعوى الإلغاء، والغرض من التدخل والإدخال
هو تحقيق مبدأ المواجهة حتى تتمكن الجهة التي أصدرت القرار من بيان حقيقة الأمر، فليس
الغرض من ذلك أن يكون الحكم الصادر في دعوى الإلغاء حجة على المتدخل والمدخل، لأن
الحكم الإداري في دعوى الإلغاء يكون حجة على الكافة حسبما سبق بيانه، ويتم الإدخال
والتدخل بحسب القواعد والإجراءات العامة للإدخال والتدخل المقررة في قانون
المرافعات.
الوجه الرابع: عدم جواز الطعن في الحكم الإداري الصادر في دعوى إلغاء القرار الإداري لمن لم يكن خصما في دعوى الالغاء:
إذا كان من الجائز التدخل والإدخال في خصومة دعوى الإلغاء على النحو السابق بيانه، غير أنه لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في دعوى إلغاء القرار الإداري إلا لمن كان طرفاً في تلكم الخصومة، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.
![]() |
التدخل والإدخال في دعوى إلغاء القرار الإداري |