العبرة بتكييف الواقعة بما تنتهي إليه المحكمة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
خلال جمع الاستدلالات ومن خلال التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة العامة تظهر
ملامح الواقعة الجنائية، وفي ضوء ذلك تقوم
النيابة العامة بتكييف الواقعة والتحقيق
فيها واصدار قرار إحالة القضية إلى المحكمة (قرار الاتهام)، حيث تقوم المحكمة
بدورها بإجراء التحقيق النهائي في ضوء ما يتم تقديمه إليها وفي ضوء أقوال أطراف
الدعوى الجزائية اثناء سير إجراءات المحاكمة ، ومن خلال ذلك تظهر للمحكمة بشكل
أكثر ملامح وتفاصيل القضية، ومن خلال ذلك تنتهي المحكمة إلى التكييف القانوني
الصحيح للواقعة، ولذلك يحق للمحكمة تعديل الوصف القانوني للواقعة، وتكون العبرة بالتكييف الذي
تنتهي إليه المحكمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-1-2013م في الطعن رقم (45749)، الذي ورد ضمن أسبابه:
((فما نعاه الطاعن في غير محله، ذلك أن القول بأن محكمة الموضوع اخطأت في تكييف
الدعوى من اعتداء إلى قتل عمد غير سديد، لأن العبرة في التكييف والوصف القانوني
للواقعة بما تنتهي إليه محكمة الموضوع، فلها تغيير الوصف القانوني للواقعة
استناداً إلى الأدلة التي تثبت أمامها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الاوجه الاتية:
الوجه الأول: معنى التكييف القانوني للواقعة:
التكييف هو إطلاق التسمية القانونية على الواقعة
وتطبيق النصوص القانونية ذات الصلة باسم الواقعة، اي تطبيق النصوص القانونية ذات
الصلة بالواقعة بحسب تسميتها القانونية، إذ لا يستطيع عضو النيابة العامة أو قاضي
الموضوع تحديد أركان الجريمة وشروطها وادلتها وتطبيق النص العقابي عليها إلا إذا
كان قد سبق له أن قام بتكييف الواقعة التكييف القانوني الصحيح.
الوجه الثاني: مقومات التكييف القانوني الصحيح للواقعة:
يحتاج
عضو النيابة والقاضي عند تكييفه للواقعة يحتاج إلى الإحاطة بالتفاصيل الدقيقة للأفعال
التي تتكون منها الواقعة وكذا الإحاطة بكافة الأدلة ذات الصلة بالواقعة سواءً
أكانت أدلة إثبات أم أدلة نفي وكذا ردود ومناقشات الخصوم للأدلة والوقائع، ولذلك
تكون العبرة بالتكييف الذي تتوصل إليه المحكمة، لأن المحكمة تتوفر لديها مقومات
التكييف أكثر من غيرها، ولذلك يكون التكييف الذي تتوصل إليه المحكمة هو المعتبر، حسبما
قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: التكييف القانوني للواقعة وعلاقته بحق الدفاع ووجوب إطلاع الخصوم على التكييف الذي تتوصل إليه المحكمة:
سبق القول: بأن العبرة بتكييف المحكمة للواقعة وأنه يحق للمحكمة تعديل الوصف أو التكييف الذي تتوصل إليه النيابة العامة المثبت في قرار الإحالة أو قرار الاتهام، وأوجه الدفاع ترتبط ارتباطاً جدلياً بتكييف الواقعة، إذ أن غالبية أوجه الدفاع تتأسس على النصوص القانونية التي تم تطبيقها بموجب تكييف الواقعة، ولذلك يجب على محكمة الموضوع إخطار أطراف الدعوى الجزائية بتعديلها للوصف القانوني للواقعة أو تكييف الواقعة حتى يراعوا ذلك عند تقديم أوجه دفوعهم ودفاعهم، ومن هذا المنطلق قرر قانون الإجراءات الجزائية حق التصدي للمحكمة حسبما هو مقرر في المادة (32) إجراءات، التي نصت على أنه (إذا رأت المحكمة الابتدائية في دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين غير من اقيمت الدعوى عليهم أو وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو أن هناك جريمة مرتبطة بالتهمة المعروضة أمامها فعليها أن تحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقا للباب الثالث من الكتاب الثاني من هذا القانون...إلخ)، وفي هذا السياق نصت المادة (362) إجراءات على أنه (للمتهم أو ممثل الدفاع بعد سماع قرار الاتهام أن يطلب تعديل الوصف القانوني للاتهام إذا بني ذلك الطلب على أسباب أو اسانيد صحيحة، وعلى المحكمة أن تفصل في هذا الطلب بعد سماع رد النيابة العامة)، كما نصت المادة (366) إجراءات على أنه (للمحكمة أن تعدل في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند إلى المتهم ولها أيضاً إصلاح كل خطأ مادي وتدارك كل سهو في صحيفة الاتهام أو ورقة التكليف، وعلى المحكمة في جميع الأحوال أن تنبه المتهم إلى هذا التعديل وان تمنحه اجلاً لتحضير دفاعه بناءً على هذا الوصف والتعديل الجديد إذا طلب ذلك)، ومن خلال استقراء النصوص السابق عرضها يظهر أن التكييف المعتبر للواقعة هو التكييف الذي تتوصل إليه المحكمة المختصة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، فلا يكون تكييف النيابة العامة أو الخصوم ملزماً للمحكمة، كما تظهر أيضا العلاقة الوثيقة بين تكييف الواقعة وحق الخصوم في الدفاع والدفوع، والله اعلم.
![]() |
العبرة بتكييف الواقعة بما تنتهي إليه المحكمة |