معنى تحديد موضوع التحكيم في اتفاق التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
صرح
قانون التحكيم بوجوب تحديد موضوع التحكيم وكتابته وذلك في إتفاق التحكيم وإلا كان
التحكيم باطلاً، وتحديد موضوع التحكيم ينبغي أن يكون عن طريق وصفه بالأوصاف
الأساسية والجوهرية التي تميزه عن غيره وتنفي عنه صفة الجهالة، ومؤدى ذلك أنه
ينبغي أن يكون موضوع التحكيم محددا تحديدا دقيقا، حسبما قضى الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-12-2012م في الطعن
رقم (46473)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((حيث أن الطاعن قد أورد في طعنه أنه قد دفع
ببطلان وثيقة التحكيم لما انطوت عليه من الجهالة لعدم ذكر محل النزاع فيها خلافاً
لنص المادة (15) تحكيم التي أوجبت كتابة إتفاق التحكيم وتحديد موضوعه، فإذا لم
يتضمن الإتفاق تحديد موضوع التحكيم يكون باطلاً، فالمحكمة المطعون في حكمها لم تكن
موفقة فيما ذهبت إليه من رفض دعوى البطلان رغم ما شاب وثيقة التحكيم من جهالة في
موضوع التحكيم مما يجعلها عرضة للبطلان مما يتعين معه قبول الطعن موضوعاً ونقض
الحكم المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الاتية:
الوجه الأول: تحديد موضوع التحكيم في قانون التحكيم:
أوجبت المادة (15) من قانون التحكيم اوجبت تحديد موضوع التحكيم وكتابته في إتفاق التحكيم، إذ نصت هذه المادة على أنه (لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواء قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفا التحكيم قد اقاما الدعوى امام المحكمة، ويكون الإتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً، ويكون الإتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو شرط تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة)، ومن خلال استقراء النص القانوني السابق نجد أنه قد اشترط تحديد موضوع النزاع أو موضوع التحكيم في متن إتفاق التحكيم، ومؤدى ذلك أنه يجب أن يتم تحديد موضوع التحكيم كتابةً في إتفاق التحكيم ، ولا ريب أن اشتراط القانون تحديد موضوع التحكيم وكتابته في متن إتفاق التحكيم يدل على أهمية تحديد موضوع التحكيم واهتمام القانون بتحديد موضوع التحكيم.
الوجه الثاني: أهمية تحديد موضوع التحكيم في إتفاق التحكيم:
سبقت
الإشارة إلى أن قانون التحكيم قد اشترط كتابة موضوع التحكيم وتحديده في متن إتفاق
التحكيم للتدليل على أهمية هذا الموضوع، لأن ولاية المحكم ولاية استثنائية جاءت
استثناءً من الولاية العامة للقضاء، إذ يستمد المحكم ولايته من إتفاق التحكيم الذي
يجب أن يحدد بدقه موضوع النزاع المناط بالمحكم الفصل فيه، لأن ولاية المحكم قاصرة
ومحددة في نطاق هذا الموضوع الذي ينبغي أن يكون محددا بدقة في الوثيقة التي يستمد
منها المحكم ولايته، وهي وثيقة التحكيم أو إتفاق التحكيم .
الوجه الثالث: معنى تحديد موضوع التحكيم:
يعني
ذلك أنه يجب أن يتم ذكر كافة الأوصاف اللازمة عن موضوع النزاع وذلك في إتفاق
التحكيم حتى يكون موضوع النزاع معلوماً للمحكم والخصوم علماً نافياً للجهالة وحتى
تكون مهمة المحكم محددة تحديداً دقيقا، وحتى تتم الرقابة على مدى التزام المحكم
بحدود موضوع التحكيم الذي يحدد نطاق مهمة المحكم، ولأن تجاوز المحكم لحدود موضوع
التحكيم من أسباب دعوى بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم، وقد
استعمل قانون التحكيم في المادة (15) مصطلح (التحديد) المستفاد من التعريف بالحد،
والتعريف بالحد يكون بذكر جميع الصفات الأساسية والجوهرية للشيء المراد تعريفه ،
وذلك لتمييز الشيء المعرف عن غيره من الموجودات، فلا يتحقق التعريف بالحد إلا بذكر
جميع الصفات الأساسية والجوهرية التي تبين ماهية الشئ وتميزه عن غيره.
وتطبيقا لذلك ينبغي تحديد موضوع النزاع تحديدا دقيقا عن طريق ذكر جميع الصفات الأساسية والجوهرية التي تميزه عن غيره، فلا يكفي القول (للفصل في النزاع بين الطرفين) أو القول (الفصل في الدعاوى المتبادلة بين الطرفين) وغيرها من العبارات المجهولة التي تجعل موضوع التحكيم مجهولاً، والله اعلم.
![]() |
معنى تحديد موضوع التحكيم في اتفاق التحكيم |