وظيفة المحكمة ليس مجرد البحث عن القواعد والأحكام القانونية وإنما تطبيقها

 

وظيفة المحكمة ليس مجرد البحث عن القواعد والأحكام القانونية وإنما تطبيقها

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للأسف الشديد نلاحظ أن بعض الأحكام تجتهد في البحث عن القواعد والنصوص القانونية والشروح الفقهية والسوابق القضائية، ولكنها تذكرها في  أسباب حكمها  بمعزل عن الوقائع والأدلة وأوجه الدفاع المتصلة بها  دون أن تقوم بتطبيقها على الوقائع والأدلة بحسب صلتها بها كلٍ على حدة، بل أن بعض الأحكام تكتفي بذكر أرقام المواد التي تستند إليها في نهاية أسباب الحكم دون  أن يسبق لها ذكر مضمون تلك النصوص ووجه الاستناد إليها ، مع أن وظيفة المحكمة هي البحث عن النصوص والقواعد القانونية وغيرها وتطبيقها على الوقائع والأدلة كل واقعة أو دليل على حدة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-12-2012م في الطعن رقم (46319)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن وظيفة المحكمة ليست فقط البحث عن القواعد والاحكام القانونية الواجبة التطبيق على وقائع النزاع فحسب بل عليها أن تنزل تلك القواعد والأحكام على وقائع النزاع المطروحة عليها لحسمها لا أن تذكر تلك القواعد والأحكام القانونية وتترك الباب مفتوحاً لتجدد النزاع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: معنى بحث  القاضي عن القواعد والأحكام القانونية الواجب تطبيقها:

مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي أن تكون وظيفة القاضي هي تطبيق النصوص القانونية التي تسنها السلطة التشريعية، كما أن التزام القاضي بتطبيق النصوص القانونية مظهرمن أهم مظاهر حياد القاضي ونزاهته ، وعلى هذا الأساس فإن المقصود ببحث القاضي عن القواعد والأحكام القانونية هو قيام القاضي  بتكييف وقائع القضية التي ينظرها  اي معرفة التسمية القانونية للوقائع والأدلة، وفي ضوء ذلك يقوم القاضي بتحديد القوانين الواجبة التطبيق عليها ثم يتم البحث عن النصوص  والأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية الواجب تطبيقها على وقائع وأدلة القضية التي ينظرها القاضي، وهذا الأمر يستوجب من القاضي الإحاطة بالقوانين الموضوعية والإجرائية ذات الصلة بالقضية التي ينظرها مثلما يشترط في القاضي الإحاطة والإلمام التام بوقائع القضية التي ينظرها وأدلتها وأوجه الدفاع والدفوع فيها.

الوجه الثاني: مجرد البحث عن القواعد والاحكام القانونية ذات الصلة بالقضية لا يعد تطبيقاً لها:

للأسف نلاحظ أن بعض الأحكام تتضمن في أسبابها عرضاً للنصوص والأحكام القانونية ذات الصلة بالقضية  دفعة واحدة، حيث يستعرضها الحكم في أسبابه بمعزل عن الوقائع والأدلة ودون أن يبين وجه الاستناد إليها وكيفية تطبيقها على وقائع القضية وأدلتها وأوجه الدفاع والدفع فيهأ كل على حدة ،   إذ يتم استعراض النصوص والقواعد عند تسبيب الحكم بشكل منفصل عن الوقائع والأدلة ، وفي بعض الحالات للأسف الشديد يكتفي الحكم بذكر أرقام المواد في نهاية أسباب الحكم بالعبارة المشهورة المعتادة (واستناداً إلى أحكام المواد كذا) دون أن يسبق له ذكر مضمون تلك النصوص القانونية.

الوجه الثالث: كيفية تحقيق وظيفة القاضي في البحث عن النصوص والقواعد القانونية وتطبيقها على وقائع القضية وأدلتها وأوجه الدفاع فيها:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن وظيفة القاضي لا تقتصر على مجرد البحث عن القواعد والنصوص القانونية وعرضها في أسباب الحكم  دفعة واحدة وبشكل منفصل عن وقائع القضية وأدلتها وأوجه الدفاع فيها كل على حدة ، ومؤدى ذلك أن وظيفة  القاضي الخلاقة والمبدعة تتحقق حينما يقوم القاضي  بتكييف وقائع القضية وادلتها ثم يقوم بالبحث في ضوء ذلك والإحاطة بكافة النصوص والقواعد القانونية الواجبة التطبيق على وقائع القضية وادلتها  ثم يقوم  القاضي  بتطبيق النصوص بحسب صلتها على كل واقعة أو دليل أو وجه دفاع على حدة بحسب علاقة النص بالواقعة أو الدليل، وان يبين القاضي كيفية تطبيق النص على الواقعة أو الدليل ووجه الاستناد إلى النص، وقضى الحكم محل تعليقنا بأن وظيفة القاضي لا تتحقق حينما يكتفي القاضي بعرض النصوص والقواعد القانونية في أسباب حكمه بمعزل عن الوقائع والأدلة وأوجه الدفاع، فلا يبين القاضي كيفية تطبيق هذه النصوص والاحكام القانونية على كل واقعة أو دليل على حدة بحسب صلتها بالنص أو القاعدة القانونية، والله اعلم.

وظيفة المحكمة ليس مجرد البحث عن القواعد والأحكام القانونية وإنما تطبيقها
وظيفة المحكمة ليس مجرد البحث عن القواعد والأحكام القانونية وإنما تطبيقها