إحالة المتهم إلى الطبيب النفسي لا تكون إلا عند الشك

 

إحالة المتهم إلى الطبيب النفسي لا تكون إلا عند الشك

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الإحالة للمتهم إلى الطبيب النفسي لا تكون وجوبية إلا إذا ثارت لدى المحكمة الشكوك بشأن الحالة العقلية والنفسية للمتهم من خلال ملاحظة المحكمة التصرفات المتهم اثناء إرتكابه للجريمة ومدى ادراكه لماهية أفعال الجريمة ومدى إرادته  ارتكاب تلك الأفعال، وكذا من خلال ملاحظة المحكمة لأقوال المتهم وتصرفاته غير الطبيعية أثناء مراحل الاستدلال والتحقيق والمحاكمة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-5-2013م في الطعن رقم (46272)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما نعي الطاعن بأن الشعبة الاستئنافية لم تستجب لطلبه بإحالته إلى الطبيب النفسي لفحص حالته العقلية والنفسية، فإن الدائرة تجد أن هذا النعي مردود عليه بما أوردته الشعبة في حيثيات حكمها وهو: أن الشعبة اعملت المادة (208) إجراءات التي لم توجب الإحالة إلى الطبيب النفسي إلا عندما يثور شك اثناء نظر القضية حول قدرة المتهم على إدراك ماهية أفعاله وارادتها، وحيث أن الشعبة لم تر موجباً للإحالة للطبيب وطلب الخبرة لعدم وجود  شك أو مسوغ قانوني لهذا الطلب، فكافة ظروف الواقعة وأقوال المتهم وإعترافاته جاءت متناسقة مما يدل بما لا يدع مجالاً للشك على سلامة المتهم من الناحية العقلية والنفسية إلى آخر ما جاء في حيثيات الحكم الاستئنافي ، الأمر الذي لا سبيل معه إلا إطراح هذا الوجه من النعي لعدم جديته وعدم جدواه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (208) إجراءات التي نصت على أن (يكون طلب تقرير الخبير وجوبياً في الأحوال الآتية: -أ- لبيان سبب الوفاة وطبيعة الإصابة الجسمانية –ب- لتحديد الحالة النفسية للمتهم عندما يثور شك اثناء القضية حول قدرته على إدراك ماهية أفعاله وإرادتها –ج- لتحديد الحالة النفسية أو الجسمانية للشاهد حينما يقوم شك على قدرته على المشاهدة الصحيحة للأحداث ورؤيتها بما يطابق الواقع –د- لبيان سن المتهم أو المجني عليه في حالة ما يكون ذلك مهماً للقضية ولا توجد مستندات تثبت سنهما)، فهذا النص في الفقرة (ب) لم يوجب الإحالة إلى الطبيب لتحديد الحالة النفسية للمتهم إلا إذا ثارت الشكوك اثناء نظر القضية في قدرة المتهم على إدراك ماهية  الأفعال التي يقوم بها المتهم ومدى إرادته لها، أما في غير هذه الحالة فتكون الإحالة إلى الطبيب جوازية، فلمحكمة الموضوع أن تحيل المتهم إلى الطبيب النفسي ولها أن لا تحيله، فالإحالة إلى الطبيب  جوازية إذا لم تظهر  الشكوك بشأن تصرفات المتهم وافعاله اثناء إرتكابه الواقعة أو اثناء محاكمته .

الوجه الثاني: استخلاص الشك الموجب للإحالة إلى الطبيب ووقت ذلك:

صرحت المادة (208) إجراءات بأن الشك الموجب إحالة المتهم إلى الطبيب النفسي هو الشك الذي يتم استخلاصه من الظروف المصاحبة لإرتكاب المتهم الجريمة المنسوبة إليه مثل كيفية وطريقة إرتكابه للجريمة وحالة المتهم اثناء إرتكابه للجريمة ومدى ادراكه للافعال المكونة للجريمة ومدى إرادته القيام بتلك الأفعال ، وكذا يتم استخلاص الشك من خلال مراقبة أقوال المتهم وتصرفاته وحركاته  اثناء نظر القضية، فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بعدم وجود شك في حالة المتهم العقلية من خلال الملاحظة لظروف إرتكاب المتهم للجريمة، حيث تصرف المتهم اثناء ذلك تصرف العقلاء فكان المتهم يدرك ماهية الأفعال المكونة للجريمة كما أنه كان يريد فعلها، إضافة إلى أن الحكم محل تعليقنا، كان قد استخلص عدم الشك في الحالة العقلية للمتهم من خلال اتساق أقوال المتهم وانسجامها مع بعضها في مراحل جمع الاستدلال والتحقيق والمحاكمة، فقد كانت أقوال المتهم منتظمة مفيدة ارتكابه للأفعال المكونة للجريمة بكامل إرادته وعلمه بما هيتها، كما أن المحكمة استخلصت عدم وجود شك في حالة المتهم من خلال  مراقبة تصرفات  المتهم وحركاته أمام سلطتي الاستدلال والتحقيق واثناء سير المحاكمة، إذ كانت افعاله وحركاته مثل  أفعال وتصرفات  العقلاء .

ووقت استخلاص الشك في حالة المتهم يكون اثناء إرتكابه للجريمة واثناء جمع الاستدلال والتحقيق مع المتهم ومحاكمته، والله اعلم.

إحالة المتهم إلى الطبيب النفسي لا تكون إلا عند الشك
إحالة المتهم إلى الطبيب النفسي لا تكون إلا عند الشك