مجرد عدم الوفاء بالالتزام العقدي يعد خطأ

مجرد عدم الوفاء بالالتزام العقدي يعد خطأ

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

مجرد عدم قيام المتعاقد بتنفيذ أي من التزاماته المذكورة في العقد يعد ذلك خطأ يستوجب عليه المبادرة إلى تنفيذ هذا الالتزام فضلاً عن تعويض المتعاقد الآخر عما لحقه من ضرر وما فاته من كسب بسبب عدم الوفاء بالالتزام العقدي في وقته المحدد ، ويحكم القضاء بذلك إذا تم رفع الدعوى أمامه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-12-2012م في الطعن رقم (46480)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن عقد المقاولة بين الطرفين الطاعن والمطعون ضده قد انشأ التزامات مقابلة، وحيث أن المطعون ضده قد قام بالوفاء بكامل التزاماته، لذلك فإن مجرد عدم الوفاء من قبل الطاعن بالتزامه يعتبر خطأ عقدياً يترتب عليه وجوب الوفاء ديانة وقضاء لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..} [المائدة: (1)] وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مطل الغني ظلم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: وجوب وفاء المتعاقد بالتزاماته العقدية:

لا ريب أنه يجب على المتعاقد المبادرة إلى تنفيذ التزاماته المنصوص عليها في العقد، وذلك في الوقت المتفق عليه لتنفيذ تلك الالتزامات، والنصوص القانونية في هذا الشأن كثيرة، فقد نصت المادة (13) مدني على أن (العقد ملزم للمتعاقدين، والأصل في العقود الصحة والشروط الصحة حتى يثبت ما يقتضي بطلانها)، ودلالة هذا النص ظاهرة في لزوم ووجوب تنفيذ المتعاقد لالتزاماته العقدية، كما نصت المادة (138) مدني على أنه (يترتب على العقد التزام كلٍ من المتعاقدين بما وجب به للآخر، ولا يشترط التقيد بصيغة معينة بل المعتبر ما يدل على التراضي)، وهذا النص يوجب على المتعاقد تنفيذ التزاماته العقدية والوفاء بها، وكذا نصت المادة (211) مدني على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا بإتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون الشرعي، ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلاً صادر مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع فيها المضي في العقد ولا يعني ذلك ارتفاع الأسعار وانخفاضها جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غني وغير ذلك وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول)، وهذا النص يوجب على المتعاقد الوفاء بالتزامه العقدي، ولا يعفيه من هذا الوجوب إلا إذا حدثت حوادث استثنائية حسبما هو مفصل في النص القانوني السابق.

الوجه الثاني: المتعاقد الذي يبدأ أولاً بتنفيذ التزامه:

من المعلوم أن العقد يرتب على اطرافه التزامات متقابلة، وهذا الأمر يقتضي أن يتفق اطراف العقد على تحديد البنود التي يتم تنفيذها اولا أو المتعاقد الذي يبدأ أولاً بتنفيذ التزامه، وينبغي ان يكون ذلك مذكوراً في العقد حتى لا يحدث الخلاف بين المتعاقدين بشأن من الذي يبدأ بتنفيذ التزامه، ولذلك يجب عند صياغة العقد أن يتم ترتيب بنود العقد ترتيباً واقعياً بحسب التسلسل الزمني والواقعي لتنفيذها حتى يتم تنفيذ الالتزامات بحسب ترتيب بنود العقد بحسب صيغتها في العقد، (قواعد الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص36)، وقد المح القانون المدني إلى أنه يجب تنفيذ الالتزامات العقدية بحسب ترتيبها في العقد، فقد نصت المادة (219) مدني على أنه (يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين إذا كان في العقد إجمال ولا يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد صريحاً فيه فحسب بل يتناول أيضاً ماهو من مستلزماته وفقاً للشرع والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام وإذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز العدول عنها عن طريق تفسيرها بحجة التعرف على إرادة المتعاقدين).

الوجه الثالث: مجرد عدم تنفيذ الالتزام العقدي يكون خطأ:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن مجرد عدم تنفيذ المتعاقد لالتزامه العقدي يكون خطأ من المتعاقد ، لأن ذلك يخالف النصوص القانونية السابق عرضها في الوجه الأول التي توجب على المتعاقد المبادرة إلى تنفيذ التزامه العقدي، وبما أن عدم تنفيذ الالتزام خطأ فمؤدى ذلك أنه يحق للقضاء أن يحكم على المتعاقد غير الملتزم بتنفيذ التزامه العيني ان كان ذلك ممكنا، وأن تعذر ذلك فيتم الحكم بالتعويض إضافة إلى الحكم بتعويض المتعاقد الآخر عما لحقه من ضرر محقق أو كسب محقق جراء عدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ التزامه العقدي في الوقت المحدد، والله اعلم.

مجرد عدم الوفاء بالالتزام العقدي يعد خطأ
مجرد عدم الوفاء بالالتزام العقدي يعد خطأ