الحيلة في دعوى الإعسار
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
في
بعض الحالات يتوسل بعض الأشخاص بدعاوى الإعسار للتحايل على دائنيهم والتهرب من
الالتزامات المالية القائمة عليهم أو المحكوم بها عليهم، حسبما قضى الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-1-2013م في
الطعن رقم (47617)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين من خلال الإطلاع على ما سبق
في القضية أن الطاعن قد قصد من تقديمه دعوى الإعسار التحايل على أموال الشركة
المتمثلة في المبلغ المحكوم به على الطاعن وتسليمه للشركة، وان محكمة الاستئناف
المطعون في حكمها قد سارت في نظر القضية بإجراءات صحيحة وفقاً للشرع والقانون وجاء
حكمها موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون، الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: نظام الإعسار المدني في القانون المدني:
نظم
القانون المدني الإعسار المدني في المواد (من المادة 359 وحتى المادة 365) فقد
بينت المادة (359) من هو المعسر ومن هو الموسر إذ نصت
هذه المادة على أن (الموسر هو من يفي ماله بديونه او يزيد عليها، والمعسر هو من لا يملك شيئا غير ما استثني له مما لا يجوز الحجز عليه او بيعه وهو ما يحتاجه من مسكن وثياب صالحين لمثله والة حرفته اذا كان ذا حرفة وكتبه اذا كان ذا علم وقوته ومن تلزمه نفقته من الدخل الى الدخل والمفلس هو من لا يفي ماله بديونه)، اما المادة (360) مدني فقد تناولت سلطة
الدائن حينما يكون المدين موسرا، فقد نصت هذه المادة على أنه (إذا كان المدين موسرا فلدائنه طلب
حبسه لإكراهه على الوفاء ثم طلب حجز امواله ثم طلب بيعها طبقا لما هو منصوص عليه
في هذا القانون وقانون التنفيذ المدني.) في حين بينت المادة (361) مدني ما ينبغي
على المدين المعسر فعله، حيث نصت المادة (361) على أنه (اذا كان المدين معسرا فلا
يجبر ان يستأجره الدائن بدينه ولكن عليه ان يسعى باي طريقة لإبراء ذمته من الدين
ويلزمه قبول الهبة عند تضييق الدائن عليه ولا يلزمه اخذ ارش جناية العمد الموجب
للقصاص ولا يلزم المرأة المعسرة التزوج لقضاء دينها من المهر كما لا يلزمها التزوج
بمهر مثلها ويجوز لها التزوج باقل منه.)، اما إثبات حالة الإعسار فقد تناولتها
المادة (363) مدني التي نصت على أنه (من كان ظاهر حاله الاعسار قبل قوله بيمينه،
ويحلف كلما ادعى ايساره ومضت مدة يمكن فيها الايسار عادة.)، في حين بينت حكم
الالتباس من حيث الإيسار والإعسار بينت ذلك المادة (364) مدني التي نصت على أنه (إذا
التبس الامر بين ايسار الشخص واعساره تسمع البينة على ايساره او اعساره و يرجح
الحاكم وتقدم البينة المثبتة على النافية.)، في حين بينت أثر الحكم بالإعسار
المادة (365) مدني التي نصت على أنه (إذا ثبت بحكم القضاء اعسار المدين حيل بينه
وبين دائنه الى ان يثبت ايساره.)، ومن خلال هذا العرض للنصوص القانونية الناظمة
للاعسار المدني يظهر أن نظام الإعسار نظام مدني نظمه القانون المدني، في حين أن
نظام الإفلاس نظام تجاري قرره ونظمه القانون التجاري ويسري على التجار .
الوجه الثاني: ماهية دعوى الإعسار:
هي
دعوى مثل غيرها من الدعاوى يجب أن تتوفر فيها كافة أركان وشروط وبيانات الدعوى
مثلها مثل غيرها من الدعاوى، غير أن دعوى الإعسار لها خصوصية معينة من حيث
إثباتها، لأنه تحكمها قاعدة( الأصل العدم)، ولذلك ينبغي على من يريد أن ينفي حالة
إعسار المدعي أن يقدم الأدلة التي تثبت يسار المدعي بالإعسار.
الوجه الثالث: الحيلة في دعوى الإعسار:
في بعض الحالات يدعي بعض الأشخاص الإعسار للتحايل على دائنيهم للتهرب من دفع المبالغ المحكوم بها عليهم مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، حيث قام المدعي بالإعسار ببناء منزل من المبالغ التي تحصل عليها من الشركة التي يعمل بها ثم أدعى لاحقا الإعسار، فقامت الشركة المحكوم لها بالمبلغ بإثبات أن المنزل الذي قام المدعي بالإعسار ببنائه كانت تكاليف بنائه من المبالغ المحكوم بها عليه للشركة ، ولمواجهة الحيل في دعاوى الإعسار فإن المحاكم تلزم المدعي بالإعسار باختصام دائنيه حتى يتمكن الدائنون من إثبات يسار المدعي بالإعسار ويكشفوا حيل المدعي بالإعسار، مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.
![]() |
الحيلة في دعوى الإعسار |