حدود الدفاع الشرعي عن المال
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اجاز قانون الجرائم والعقوبات إستعمال الدفاع
الشرعي دفاعا عن المال شريطة أن يصل
الدفاع إلى حد القتل العمد للمعتدي على المال، واشترط القانون أيضا في الدفاع الشرعي أن يكون الخطر
حالاً يحتمل وقوعه فيدفعه المدافع بالوسيلة المناسبة، وإلا فإن حالة الدفاع الشرعي
لا تتحقق، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-2-2013م في الطعن رقم (47411) الذي ورد ضمن
أسبابه: ((فما نعاه الطاعن بأن الحكم الاستئنافي اهدر حقه في الدفاع الشرعي فمردود
عليه :بأن ظروف الواقعة لا تدل على أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن النفس، لأن
ظروف الواقعة وملابساتها تدل على أن المتهم عندما قام بتوجيه عدة طعنات قاتلة إلى
المجني عليه لم يكن يدفع خطراً حالاً أو فعلاً يتخوف منه فيحدث منه موته أو جرحه
جراحات بالغة حسبما تنص على ذلك المادة (28) عقوبات، فإعتداء المجني عليه كان على
ملك الجاني الطاعن، وذلك لا يكون مبرراً لقيام الطاعن بدفعه بطعن المجني عليه
طعنات قاتلة ، إذ كان يجب على الطاعن اللجوء إلى السلطة العامة أو القضاء لمنع
الإعتداء على ملكه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: الخطر الحال في الدفاع الشرعي:
عرفت
المادة (27) عقوبات حالة الدفاع الشرعي، إذ نصت هذه المادة على أنه (تقوم حالة
الدفاع الشرعي إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة على نفسه أو عرضه أو ماله أو
نفس الغير أو عرضه أو ماله، وكان في المتعذر عليه الإلتجاء إلى السلطات العامة
لإتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب، ويجوز عندئذٍ أن يدفع الخطر بما يلزم لرده
وبالوسيلة المناسبة)، فهذا النص اشترط في الخطر أن يكون حالاً فيقصد به أن يكون
الإعتداء من الأفعال التي تعد من الجرائم، فالخطر الحال: هو كل إعتداء محتمل وقوعه
وفقاً للسير العادي للأمور، وعلى ذلك يكون الدفاع الشرعي لخطر محتمل الوقوع وليس
لجريمة قد تمت بالفعل ، لأن الجريمة لو تمت فعلا، فلا يجوز للمجني عليه حق الدفاع
الشرعي، لأن ذلك يكون من قبيل الانتقام ، وذلك يخضع للتجريم، لأن الدفاع الشرعي تم
تشريعه لرد العدوان وليس للإنتقام، ووفقاً للنص القانوني السابق ذكره فالدفاع
الشرعي إنما تم تشريعه لرد العدوان وليس لمعاقبة المعتدي أو الانتقام منه ، ولذلك
فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الخطر لم يكن حالاً لأن الجاني كان قد أتم اعتدائه
على ملك الجاني المعتدي فلم يبدر من المجني عليه أي خطر حال على الجاني الطاعن
وإنما كان الخطر قد وقع على ملك الجاني الطاعن (الإعتداء على ملك الغير )، ففي هذه
الحالة كان بوسع الجاني الطاعن اللجوء إلى
المحكمة المختصة طلبا للحماية الوقتية عن طريق دعوى حماية الوضع الظاهر أو تقديم
شكوى إلى النيابة العامة لتحريك الدعوى
الجزائية دعوى الإعتداء على ملك الغير.
الوجه الثاني: حدود الدفاع الشرعي عن المال:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن إعتداء المجني عليه على ملك الجاني الطاعن كان وقع بالفعل فعندئذ لا يكون خطراً حالاً تتحقق معه حالة الدفاع الشرعي كما أن الدفاع الشرعي في هذه الحالة لايجوز ان يصل إلى حد القتل العمد للمعتدي، فقد اجازت المادة (27) عقوبات السابق ذكرها الدفاع الشرعي عن المال، إذ نصت على أنه (تقوم حالة الدفاع الشرعي إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة على نفسه أو عرضه أو ماله) فوفقا لهذا النص فإن حالة الدفاع الشرعي تتحقق في حالة الإعتداء على المال إلا أن ذلك محدد بحدود ما ورد في المادة (29) عقوبات التي نصت على أنه (لا يجوز أن يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع احد الأمور الآتية: -1- جرائم الحريق العمد – جرائم السرقة الجسيمة -3- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته)، فهذه الحالات الثلاث هي الحالات الحصرية التي يجوز فيها ان يصل الدفاع الشرعي إلى حد القتل العمد للمعتدي فيها، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم تحقق حالة الدفاع الشرعي في القضية التي تناولها ، لأن دفع الإعتداء على المال لايجوز ان يصل إلى حد القتل العمد للمعتدي وإنما يجوز دفع الإعتداء على المال بماهو أدنى من القتل العمد، في حين أن الجاني المدعي بالدفاع الشرعي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد قتل المعتدي على مال الطاعن عندما وجه الطاعن إلى المعتدي على المال طعنات قاتلة اودت بحياته في الحال مع ان الإعتداء على المال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لم تكن من الحالات الثلاث التي يجوز أن يصل فيها الدفاع الشرعي إلى حد القتل العمد، والله اعلم.
![]() |
حدود الدفاع الشرعي عن المال |