الديون والودائع لا تكون محلاً للدعاوى العمالية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الدعاوى العمالية هي التي تنشأ بسبب الإختلاف بين العامل وصاحب العمل التي يكون أساسها وسندها قانون العمل أو عقد
العمل الذي ينظم العلاقة بين الطرفين ،
اما المستحقات الأخرى التي يكون أساسها قانون اخر غير قانون العمل أو عقد
اخر غير عقد العمل كالديون والودائع
والمستحقات الأخرى التي لا تتعلق بعقد العمل أو قانون العمل، فلا تكون من قبيل
الدعاوى العمالية ولا يختص بنظرها القضاء العمالي كالديون والمبالغ المختلسة
وغيرها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 26-3-2013م في الطعن رقم (47890)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد
تبين للدائرة: ان نعي الطاعنين بشأن مخالفة الحكم الاستئنافي للمادتين (140 و141)
من قانون العمل غير سديد، لأن المادة (140) من قانون العمل قد نصت على إنشاء شعبة
استئنافية تسمى شعبة العمل تختص بالفصل نهائياً وبالدرجة القطعية في جميع دعاوى
الاستئناف في القرارات الصادرة من اللجان التحكيمية العمالية وأية دعاوى أخرى يختص
بها القضاء العمالي بموجب قانون العمل، كما أن المادة (141) عمل نصت على عدم جواز
إمتناع اللجان التحكيمية العمالية وشعب قضايا العمل بمحاكم الاستئناف عن الفصل في
النزاع بحجة عدم وجود نص في قانون العمل...إلخ، ولما كانت محكمة الاستئناف قد بينت
في حكمها محل الطعن بأن دعاوى المستحقات والأرصدة الشخصية لبعض الموظفين المحتجزة
لدى البنك كودائع أو حسابات توفير ليست من القضايا العمالية، فليس لها محل أمام
القضاء العمالي ، لذلك فإن محكمة الاستئناف تكون قد قضت ضمناً بعدم الاختصاص بنظر
دعاوى القروض الشخصية أو الاستحقاقات الأخرى التي ليس سندها عقد العمل أو قانون
العمل ، ومن ثم فإن استدلال الطاعنين بالمادتين (140 و141) عمل استدلال فاسد، مما
يتعين معه إطراح النعي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: تفسير المادتين (140 و141) من قانون العمل:
نصت المادة (140)
عمل على أن (تنشأ بمحاكم الاستئناف على مستوى امانة العاصمة وسائر محافظات
الجمهورية وفقا لقانون السلطة القضائية شعبة تسمى (شعبة قضايا العمل) تختص بما
يلي: -1- الفصل نهائيا
وبالدرجة القطعية في جميع دعاوى الاستئناف في القرارات الصادر من اللجان
التحكيمية المقدمة إليها وفقا لهذا القانون. -2- أي دعاوى أخرى تختص بها بموجب هذا
القانون او تشريعات العمل الاخرى.)، فهذه المادة تصرح بأن الشعبة
الاستئنافية العمالية تختص بنظر الطعون في قرارات اللجان التحكيمية العمالية أو
المحاكم العمالية، وبالطبع هذه
القرارات أو الأحكام صادرة في المنازعات العمالية التي تقع فيما بين العمال وأصحاب العمل بسبب تنفيذ
عقد العمل الجماعي اوالفردي أو تطبيق وتفسير
قانون العمل، لأن العلاقة فيما بين العمال وأصحاب العمل ينظمها عقد العمل الفردي
أو الجماعي، وكذلك قانون العمل ينظم العلاقة فيما بين العمال وأصحاب العمل والتي
محلها الالتزامات والواجبات المتبادلة فيما بين الطرفين المحددة في قانون العمل
وعقد العمل مثل اجور العمل والاجور الإضافية والتعويضات عن فسخ عقد العمل ومقابل
شهر الإنذار ومكافأة نهاية الخدمة ومبالغ العمولة والإجازات وغيرها، لأن هذه
الحقوق والواجبات مقررة في عقد العمل وفي قانون العمل، لكن الديون والمبالغ
المختلسة وغيرها لاتكون دعاوى عمالية، لان
هناك قوانين أخرى وعقود أخرى تنظمها غير عقد
العمل أو قانون العمل، فمثلاً قانون البنوك حدد كيفية استعادة الودائع وحسابات
التوفير، لأن العمال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانوا يطالبوا
الشعبة العمالية بالحكم على البنك
بتسليمهم الودائع وحسابات التوفير الخاصة بهم المحتجزة لدى البنك الذي كانوا
يعملوا فيه، كما أن المبالغ المختلسة وما في حكمها تخضع لقانون الجرائم والعقوبات،
ويختص بنظرها القضاء الجنائي.
وفي السياق ذاته نصت المادة (141) عمل على أنه (لا
يجوز للجان التحكيمية او شعب قضايا العمل بمحاكم الاستئناف الامتناع عن الفصل في
النزاع بحجة عدم وجود نص في هذا القانون، وتكون في هذه الحالة ملزمة بالفصل وفقا لأحكام
الشريعة الاسلامية وما استقر عليه العرف وقواعد العدالة.)، فهذه
المادة تصرح بعدم جواز الإمتناع عن الفصل في المنازعات العمالية بحجة عدم وجود نص
في قانون العمل، وهذا يعني الرجوع إلى قانون المرافعات بإعتباره القانون الذي ينظم
إجراءات التقاضي كتقديم الدعاوى والدفوع والفصل فيها والطعن في الاحكام، فلا يعني نص
المادة (141) السابق ذكرها تطبيق القضاء العمالي نصوص القانون الجنائي أو التجاري أو
الشخصي أو المدني عند الفصل في منازعات العمل إذا كان أساسها غير عقد العمل أو غير
قانون العمل .
الوجه الثاني: المقصود بمنازعات العمل:
منازعات العمل أو الدعاوى العمالية التي يختص بنظرها القضاء العمالي هي تلك التي
يكون أساسها وسندها قانون العمل أو عقد العمل، فإذ استند المدعي فيها إلى بنود عقد
العمل أو نصوص قانون العمل أو قانون المرافعات الذي أرشد قانون العمل إلى الرجوع إليه عند عدم وجود نص
في قانون العمل بشأن منازعات العمل فإن الدعوى تكون عمالية .
وعلى هذا الأساس فإن الدعاوى التي يكون أساسها القانون الجنائي أو التجاري أو المدني لا تكون منازعات عمالية ولو حدثت بالفعل بين العمال واصحاب العمل حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.