وجوب مناقشة القاضي للتقارير الطبية
أ.د/
عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تتضمن التقارير الطبية نتائج وخلاصات أعمال
الخبرة الطبية، ولا ريب أن تلك النتائج تكون مجملة ومقتضبة كما انها تتضمن مصطلحات
طبية مبهمة لها دلالات ومعاني تختلف في بعض الحالات عن مدلول المصطلح القانوني،
ولذلك فهي تحتاج إلى مقاربة للمصطلحات القانونية ، ولذلك ينبغي على المحكمة مناقشة
التقارير الطبية للوقوف على التفاصيل والإيضاحات اللازمة، حتى تستبين المحكمة
الحقيقة بكل تفاصيلها، فيكون حكمها عنواناً للحقيقة، حسبما قضى الحكم الصادر عن
الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-9-2013م في الطعن
رقم (46943)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما من حيث الموضوع: فإن ما نعاه الطاعن في
محله، لأن المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه أعرضت عن مناقشة التقارير الطبية
المتعلقة بحالة المتهم (العقلية)، دون أن تسبب حكمها استناداً للمادتين (2 و 216)
إجراءات جزائية، على الرغم من أن المحكمة هي التي طلبت تلك التقارير، حيث ركزت
المحكمة على اعترافات المتهم في محاضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة واهملت
المناقشة للتقارير الطبية، مما يجعل المحكمة العليا لا تستطيع إعمال رقابتها على
الحكم المطعون فيه، مما يستوجب نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى الشعبة
مصدرة الحكم المطعون فيه لفحص القرارات الطبية ومناقشتها وتقرير ما تتوصل إليه))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: معنى مناقشة التقارير الطبية:
تتم مناقشة الأدلة ومن ضمنها التقارير الطبية على
مرحلتين: الأولى: اثناء سير إجراءات المحاكمة، إذ تقوم المحكمة بتمكين الخصوم من
الإطلاع على التقارير ومواجهتهم بها وتمكينهم من ابداء ملاحظاتهم عليها والإستماع إلى
أقوال الأطباء الذين اعدوا تلك التقارير والسماح للخصوم بالتعقيب على ملاحظات معدي
التقارير ، حيث يتساجل الخصوم بشأن مضمون التقارير الطبية والملاحظات عليها وردود
الخبير على الملاحظات، ومن خلال ذلك
تستطيع المحكمة الإحاطة بالتفاصيل اللازمة عن مضمون التقارير الطبية وخلفياتها،
بالإضافة إلى قيام المحكمة بإستدعاء الخبير أو الخبراء لمناقشتهم بشأن ما ورد في
تقاريرهم للوقوف على الأسانيد والمعطيات التي اعتمدها الخبراء في الوصول إلى
النتائج المدونة في تقاريرهم وكذا لإستجلاء الغامض من المصطلحات الطبية للمقاربة
بينها وبين المصطلحات القانونية وكذا للوقوف على مدى قناعة الخبير بالنتائج التي
توصل إليها في تقريره كما تتم مناقشة الخبير للوقوف على أية تناقضات قد ترد في تقريره
أو بين تقريره والتقارير الأخرى ، وكذا تسمح المحكمة للخصوم بسؤال الخبير عن طريق المحكمة، وتتم
مرحلة المناقشة هذه اثناء سير إجراءات المحاكمة.
اما المرحلة الثانية من المناقشة: فيقوم بها
القاضي نفسه عند قيامه بتسبيب حكمه مستفيداً من نتائج المناقشة في مرحلتها الأولى،
فعند تسبيب القاضي للحكم يجب عليه أن يناقش التقرير الطبي مناقشة تفصيلية مبيناً
أوجه القوة والضعف في التقرير الطبي واسباب أخذ القاضي بالتقرير الطبي أو عدم
الأخذ به.
الوجه الثاني: اهمية مناقشة القاضي للتقارير الطبية:
التقارير الطبية أدلة من ضمن الأدلة التي يجب على
القاضي مناقشتها حسبما سبق بيانه، فالمناقشة للتقارير الطبية وغيرها من الادلة
تنزه القاضي عن الاهمال لأدلة الخصوم وفي الوقت ذاته فأنها تنزهه عن الهوى والمزاج
في الأخذ بالأدلة أو طرحها بحسب هواه ، فالمناقشة تظهر الأسباب التي جعلت القاضي
يأخذ بدليل بعينه ويطرح الأدلة الأخرى، فالمناقشة تبرر الأخذ بالأدلة أو طرحها،
إضافة إلى أن المناقشة للتقارير الطبية وغيرها تمكن المحكمة العليا من إعمال
رقابتها على الأحكام، فمحكمة الموضوع طليقة في سلطتها التقديرية في الموازنة بين الأدلة
والترجيح بينها عن طريق المناقشة لها، بيد أنه يجب أن تكون هذه المناقشة تفصيلية
مستفيضة تبين فيها محكمة الموضوع أوجه القوة والضعف في الأدلة التي ناقشتها وتبين
أسباب أخذها ببعض الأدلة وأسباب طرحها لأدلة أخرى حتى تتأكد محكمة القانون وهي
المحكمة العليا من التزام هذه المناقشة بالضوابط والإجراءات والنصوص القانونية
وعدم مخالفة الحكم لها.
علاوة على ما تقدم: فهناك أهمية خاصة لمناقشة التقارير الطبية، لأن التقارير الطبية تكون في غالب الأحيان مقتضبة يستخلص فيها الطبيب النتائج الاجمالية وتبقى كثير من التفاصيل في جعبة الخبير الطبيب، كما تتضمن التقارير الطبية مصطلحات طبية لها الكثير من الدلالات والمعاني التي ينبغي الوقوف عليها، كما تظهر المناقشة الطبية مدى حجية النتائج التي توصلت إليها الطبيب فتطمئن نفس القاضي سواء في حالة أخذه بالتقرير أو طرحه ، والله اعلم.
![]() |
وجوب مناقشة القاضي للتقارير الطبية |