حضور المحكوم عليه غيابياً بحد أو قصاص

 

حضور المحكوم عليه غيابياً بحد أو قصاص

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إذا حضر المحكوم عليه غيابياً بعقوبة من عقوبات الحدود أو بقصاص، فإن الحكم الابتدائي الغيابي بحقه يسقط، وتتم اعادة محاكمته أمام المحكمة الإبتدائية حتى لاتفوت عليه درجة من درجات التقاضي ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-12-2012م في الطعن رقم (47090)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبالرجوع إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه تبين صحة ما ذهبت إليه النيابة العامة، لأن محكمة الاستئناف سارت في إجراءات نظر القضية بعد القبض على المتهم الفار إلى أن خلصت المحكمة إلى تأييد الحكم الابتدائي الذي قضى بمعاقبة المتهم بالإعدام رمياً بالرصاص، فمحكمة الاستئناف بذلك تكون قد خالفت القانون، بإعتبار حق المتهم في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الابتدائية لا يزال قائماً، وهو ما صرحت به المادة (289) إجراءات جزائية، ذلك أن محاكمة المتهم الفار من وجه العدالة المحكوم عليه بحد أو قصاص تختلف اختلافاً جوهرياً عن المحاكمة في بقية القضايا الجنائية وفقاً للنص السالف بيانه، ولهذا الاختلاف تأثيره على الحكم بعقوبة الحد أو قصاص، فالمحاكمة في حق المحكوم عليه بحد أو قصاص لا تعتبر حضورية، فإذا سلم المتهم نفسه أو حضر أو تم القبض عليه بعد الحكم عليه فأنه يجب تمكينه من الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الابتدائية، فالقاعدة أن الحكم الغيابي الصادر بعقوبة بحد أو قصاص يسقط بقوة القانون بحضور المتهم أو القبض عليه، ويتعلق السقوط بالنظام العام، فبمجرد حضور المتهم أو القبض عليه يزول الحكم ويعتبر كأن لم يكن، وهذا السبب وحده يكفي لنقض الحكم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم محل تعليقنا فقد استند في قضائه بأن حضور المحكوم عليه غيابياً بحد أو قصاص يسقط الحكم عليه ويجب تمكينه من الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الابتدائية حتى لا يحرم درجة من درجات التقاضي، استند هذا الحكم في قضائه إلى المادة (289) إجراءات التي نصت على أن (تعين المحكمة منصوباً عن المتهم الفار من اقاربه أو اصهاره حتى الدرجة الثالثة ان امكن وإلا فمن المحامين المعتمدين ثم تنظر الدعوى كما لو كان المتهم الفار حاضراً، وتتبع في محاكمته القواعد العامة المقررة في المحاكمة الحضورية، وتفصل في الدعوى ويعتبر حكمها بذلك حضورياً، فيما عدا المحكوم عليه بحد أو قصاص فيمكن من الدفاع عن نفسه عند حضوره أو القبض عليه)، ومن خلال استقراء هذا النص يظهر  انه قرر ان الأصل أنه يتم التنصيب عن المتهم الفار وأن الحكم الصادر بشأنه يكون حضوريا.

بيد هذا النص ذاته قد استثنى من هذا الأصل المتهم الفار المحكوم عليه بحد أو قصاص، فإن الحكم لا يكون حضورياً بشأنه حيث يسقط الحكم الابتدائي عليه إذا تم القبض عليه أو قام بتسليم نفسه، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا مستنداً في ذلك إلى المادة (289) إجراءات السابق ذكرها.

الوجه الثاني: الاعتبارات التي جعلت قانون الإجراءات ينص على  استثناء المحكوم عليه بحد أو بقصاص من اعتبار الحكم حضورياً بشأنه:

هناك اعتبارات عدة جعلت  قانون الإجراءات ينص على استثناء المحكوم عليه بحد أو قصاص من اعتبار الحكم حضورياً بشأنه، حيث تتم إعادة محاكمته وتمكينه من الدفاع عن نفسه وسقوط الحكم الصادر عليه في غيابه، ومن تلك الاعتبارات   خطورة وجسامة عقوبات الحدود والقصاص التي يترتب عليها هلاك النفس أو تلف العضو كما أنه يتعذر تدارك هذه العقوبات إذا تم توقيعها أو تنفيذها، ولذلك فإن سقوط الحكم الابتدائي لتمكين المحكوم عليه من الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الابتدائية حتى لا يحرم درجة من درجات التقاضي، علاوة على أن نصف الحقيقة أو كلها تكون لدى المحكوم عليه بحد أو قصاص فهو المتهم بإرتكاب الجريمة وهو الذي يعلم علم اليقين تفاصيل الواقعة وظروفها، فتمكين المحكوم عليه في هذه الحالة من الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الإبتدائية والادلاء  باقواله يمكن المحكمة الابتدائية من الاحاطة بجوانب القضية المختلفة فيكون حكمها مطابقا للحقيقة والله اعلم.

حضور المحكوم عليه غيابياً بحد أو قصاص
حضور المحكوم عليه غيابياً بحد أو قصاص