الأمر على عريضة في القضايا العمالية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الأوامر على عريضة هي أوامر وقتية لا تمس موضوع الحق، تصدر في غير خصومة وفي غيبة الخصوم، حسبما هو مقرر في قانون المرافعات، ولذلك يجب أن لا ينحرف الأمر على عريضة في القضايا العمالية عن هذا المسار، فلا يجوز أن يصدر أمر على عريضة بصرف رواتب العامل محل الخلاف أو صرف جزء جزء من الراتب كتعويض عن الفصل التعسفي أو صرف بدل اجازة سنوية طالما ان هذه أن هذه الحقوق محل خلاف بين العامل وصاحب العمل وطالما أن هذا الخلاف منظور أمام القضاء، لان من شروط الأمر على عريضة أن لايمس موضوع الحق محل النزاع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-11-2013م في الطعن رقم (52408)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن نعي الطاعنة على الحكم الاستئنافي الذي قضى بتأييد حكم اللجنة التحكيمية العمالية برفض تظلم الطاعنة من الأمر على العريضة، لأن الأمر على العريضة قد صدر مخالفاً للقانون، لأنه قد مس موضوع الحق بالمخالفة للمادة (246) مرافعات، التي نصت على أن: الأوامر على عرائض لا تمس موضوع الحق، ولا تصدر في خصومة، وإنما هي عبارة عن قرارات وقتية أو تحفظية، والدائرة: تجد أن هذا النعي وارد ومؤثر، فالحكم الاستئنافي قد قضى بتأييد حكم اللجنة التحكيمية العمالية برفض تظلم الطاعنة من الأمر على عريضة الذي مس موضوع الحق المتنازع عليه، حيث صدر هذا الأمر في خصومة قائمة بشأن الرواتب التي يدعي المطعون ضده استحقاقه لها، وهذه القضية منظورة أمام اللجنة العمالية التي اصدرت الأمر على عريضة المخالف للمادة (246) مرافعات، التي تنص على أن (الأوامر على العرائض هي عبارة عن قرارات وقتية أو تحفظية تصدر في غير خصومة، ولا تمس موضوع الحق، وقد تتعلق به أو تنفذه، وتتضمن اذناً أو تكليفاً أو اجازةً للإجراء أو تنظيمه)، فالثابت من أوراق القضية أن الأمر على عريضة الصادر من اللجنة التحكيمية بتسليم العامل بعض رواتبه محل النزاع يخالف هذا النص، مما يستوجب قبول الطعن ونقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الأمر على عريضة :
أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (246) مرافعات التي عرفت الأوامر على العرائض بأنها( الأوامر على العرائض هي عبارة عن قرارات وقتية أو تحفظية تصدر في غير خصومة وفي غياب من صدر الأمر ضده بمقتضى السلطة الولائية لرئيس المحكمة أو القاضي المختص، لا تمس موضوع الحق وقد تتعلق به أو بتنفيذه وتتضمن إذناً أو تكليفاً أو إجازةً للإجراءأوتنظيمه).
وقد نظم قانون المرافعات القواعد العامة للأوامر على عرائض، إذ يتم تقديم طلب الأمر على عريضة إلى رئيس المحكمة اذا لم تكن هناك دعوى مرفوعة، اما إذا كانت هناك دعوى مرفوعة فيتم تقديم طلب الأمر على عريضة إلى القاضي المختص الذي ينظر القضية.
فالأوامر على عرائض هي التي يصدرها القاضي بما له من سلطة ولائية، و ذلك بناء على الطلبات المقدمة اليه من ذوي الشأن على عرائض و تصدر في غيبة الخصوم دون تسبيب بإجراء وقتي في الحالات التي تقتضي بطبيعتها السرعة و المباغتة دون مساس بأصل الحق المتنازع عليه، ولذا لا تحوز تلك الأوامر حجية ولا يستنفذ القاضي سلطته بإصدارها، فيجوز له مخالفتها بأمر جديد مسبب وفقا للقانون ، كذلك الحال اذا تم التظلم من الأمر على عريضة فيجب تسبيب الحكم الذي يفصل في التظلم ، و قد قضت المحكمة العليا العمانية في القرار رقم 184 في الطعن 47 / 2003 بأنه ( لئن كان الأمر على عريضة يعتبر عملا ولائيا فلا يشترط تسبيبه إلا أن الفصل في التظلم من ذلك الأمر يعتبر عملا قضائيا أي يتعين تسبيبه كسائر الأحكام) ، و يكون الحكم الصادر في التظلم من الأمر على عريضة قابلا للطعن طبقا للقواعد المقررة ( قرار 86 في الطعن رقم 73 / 2004 عليا).
وللقاضي المختص مطلق السلطة في اجابة طلب الأمر على عريضة الى طلبه كله أو جزء منه أو رفض إصدار الأمر، فالقاضي هنا يستخدم سلطته الولائية بما له من سلطة تسمح له بإصدار أوامر قضائية قابلة للتنفيذ الجبري بقوة القانون.
و كما هو معلوم فطبيعة الأوامر على عرائض هي أوامر قضائية ليست لها حجية لأنها لم تفصل في نزاع، فيحق للقاضي العدول عنها، و لأن الأمر على عريضة يتضمن بطبيعته إجراء وقتيا وظرفه قابل للتغيير، فيسقط الأمر على عريضة اذا لم يقدم للتنفيذ خلال عشرة ايام من تاريخ صدوره الا مااستثني بنص خاص كالأمر على عريضة بتقدير مصاريف الدعوى، لأنه لا يصدر بإجراء وقتي و لا حالة استعجال .
ويتضح أن طلب الأمر على عريضة يمكن تقديمه بدون ارتباطه بدعوى ابتداء، أي لم ترفع بعد، بيد ان هناك حالة تعتبر استثناء و يشترط فيها ان تكون مرتبطة بدعوى، وهي حالة طلب منع المدين من السفر، فيجوز تقديمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى، إلا أنه من الضروري ارتباطه بدعوى ترفع ضد المدين، ( الدكتور محمد بن عبدالله الجهوري، الأوامر على عرائض وجواز تقديمها بدون دعوى، مجلة المسار العمانية، الإثنين 11 مايو 2020(.
الوجه الثاني : إنعدام السلطة الولائية للجنة التحكيمية العمالية:
وفقا للقواعد العامة ليس لهيئة التحكيم سلطة ولائية، ومؤدى ذلك أنه لايجوز لهيئة التحكيم أن تصدر أوامر وقتية أو أوامر على عرائض، غير انه يجوز لهيئة التحكيم الاستعانة في ذلك بالمحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع، اما المحكمة العمالية فيجوز لها وفقا للقانون إصدار أوامر على عرائض وفقا للشروط والضوابط المقررة في قانون المرافعات .
الوجه الثالث : الأمر على عريضة في القضايا والدعاوي العمالية:
سبق القول بأن المحكمة العمالية تملك إصدار الأوامر على عرائض وفقا للقانون باعتبار المحكمة العمالية محكمة تم انشاؤها وفقا للقانون، بيد أنه يجب على المحكمة العمالية أن تتقيد بشروط وضوابط الأوامر على العرائض المحددة في المادة (246) السابق ذكرها، ومن ذلك عدم المساس بموضوع الحق محل النزاع فيما بين العامل وصاحب العمل، فلايجوز إصدار أمر على عريضة بصرف بعض او كل حقوق العامل محل النزاع فيما بينه وبين صاحب العمل كالامر على عريضة بصرف بعض رواتب العامل مثلما اشار الحكم محل تعليقنا، لأن الأمر على عريضة في هذه الحالة يمس موضوع الحق، اضافة إلى أن الأمر على عريضة في هذه الأحوال يتضمن افصاح المحكمة عن قناعنها في الحكم، والله اعلم.