حجية المخالصة التي يقر فيها العامل بإستلام كافة حقوقه

 حجية المخالصة التي يقر فيها العامل بإستلام كافة حقوقه

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يحرر العامل مخالصة تتضمن إقرار العامل بأنه قد استلم كافة حقوقه ومستحقاته من صاحب العمل وأنه لم يعد للعامل بعد تحرير إلمخالصة والتوقيع عليها أي حق أو دعوى أو طلب لدى صاحب العمل، ولا ريب أن ذلك الإقرار حجة على العامل المقر يتم العمل بموجبه ولايجوز للعامل الرجوع عنه ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2013م في الطعن رقم (46529)، الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه (ولدى التأمل لما سلف وما حواه ملف القضية فالثابت أمام هذه الشعبة إقرار العامل المستأنف ضده بصحة المستندين المحررين بخطه الذي حكى الأول طلب العامل الاستقالة والثاني مخالصة حكت إقرار العامل بإستلام كافة حقوقه، وبما أن الإقرار سيد الأدلة عملاً بما نص عليه قانون الإثبات، لذلك فطلب العامل المستأنف ضده الاستقالة في التاريخ المذكور مصادقة منه على أن الشركة قد انهت عقد العمل معه بموجب الاستقالة ولم تفصله تعسفياً، كما أن إقراره بإستلام كافة حقوقه عقب الاستقالة وإنهاء خدمته يدحض دعواه الفصل التعسفي وما أدعى به من حقوق أخرى، ولما كان قرار اللجنة التحكيمية قد بني على دعوى العامل المستأنف ضده، وحيث أن المستأنفة قد ابرزت أمام الشعبة المستندين المشار إليهما، لذلك فالمتعين إلغاء قرار اللجنة التحكيمية بكامل فقراته)، وقد أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أنه بإطلاع الدائرة على قرار اللجنة التحكيمية وعلى حكم محكمة الاستئناف وعلى ما حواه ملف القضية من أوراق فقد تبين للدائرة: أن نعي العامل الطاعن على الحكم الاستئنافي هي مناعي في غير محلها لمخالفتها الثابت في الأوراق، لأن الحكم الاستئنافي قد استند إلى المادة (288) مرافعات التي نصت على أنه (يجب على محكمة الاستئناف ان تنظر القضية المستأنفة على أساس ما يقدم لها من دفوع وأدلة جديدة وما كان قد تم تقديمه أمام محكمة الدرجة الأولى)، فمن الثابت في الأوراق أن ما قدمته الشركة من الأدلة الجديدة أمام محكمة الاستئناف  يجوز للمستأنفة تقديمها ويجب على الشعبة الاستئنافية  العمل بموجبها، وحيث أن تلك الأدلة الجديدة قد دلت على استقالة العامل الطاعن وإبرائه لذمة الشركة المطعون ضدها، وذلك ما لم ينكره الطاعن عندما واجهته محكمة الاستئناف بورقة الاستقالة وورقة المخالصة اللتين أقر الطاعن بكتابتهما بخط يده وتوقيعه عليهما، ومن ثم فالطعن لم يعد إلا ضرباً من اللدد في الخصومة بدون مقتضى، الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن وإقرار الحكم الاستئنافي ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية المخالصة التي يحررها العامل :

عند انتهاء خدمة العامل خاصة عند استقالة العامل يقوم العامل بالتوقيع على مخالصة أو يقوم بكتابة مخالصة بخطه مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، حيث تتضمن وثيقة المخالصة إقرار العامل بأنه قد استلم كافة مستحقاته وغالبا يتم ذكر هذه المستحقات في المخالصة  وتختتم وثيقة المخالصة بعبارة : أنه لم يعد للعامل بعد التوقيع  على اوثيقة  المخالصة اي حق أو دعوى أو طلب لدى صاحب العمل.

وتنطبق على وثيقة المخالصة أحكام الإقرار الكتابي سواء اكانت  المخالصة مكتوبة بخط  العامل وتوقيعه أو مطبوعة وقام العامل بالتوقيع عليها أو مكتوبة بخط الغير وقام العامل بالتوقيع عليها.

الوجه الثاني :  المخالصة إقرارا وفقا لقانون الإثبات :

تقدم القول بأن المخالصة تعد إقرارا تسري عليها أحكام الإقرار المنصوص عليها في قانون الإثبات،حيث ينطبق على المخالصة مفهوم الإقرار المحدد في المادة(78) إثبات التي نصت على أن( الإقرار هو إخبار الإنسان شفاها أو كتابة عن ثبوت حق لغيره على نفسه)،ولذلك يشترط في المخالصة  شروط الإقرار المحددة في قانون الإثبات، حيث نصت المادة(80) إثبات على أنه( يشترط في المقر أن يكون مكلفا أهلا لأداء الحق المقر به مختارا غير محجور عليه غير هازل إلا في الطلاق والنكاح ، وأن لا يعلم كذبه عقلا أو قانونا). ويشترط  أن يكون صاحب العمل  معلوما  اي ان يتم ذكر اسم صاحب العمل حتى يكون معلوما علما نافيا للجهالة،وفي هذا المعنى نصت المادة (81) إثبات  على أنه( يشترط في المقر له أن يكون معلوما وقت الإقرار)، اما الشى الذي يقر به العامل فيشترط فيه الشروط المحددة في المادة(82) إثبات التي نصت على أنه( يشترط في المقر به ما يأتي: 

1-أن لا يكون مستحيلا عقلا أو قانونا.

2-أن يكون مالا أو غيره مما يقضى فيه، متعلقا بالمقر ولو كان مجهولا، ويكلف المقر تفسيره في حياته فأن مات فوارثه).

كما ينبغي أن تتوفر في المخالصة التي يحررها العامل الشروط العامة للقرار المحددة في المادة(84) إثبات التي نصت على أنه( يشترط في الإقرار ما يلي:-

1- أن يكون غير مشروط.

2- أن يكون مفيدا في ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم واليقين.

3- أن يكون بالنطق إذا كان المقر به حدا من حدود الله تعالى)،. 

الوجه الثالث : الإشهاد على المخالصة :

يجب الإشهاد على المخالصة بشاهدين عدلين من غير العاملين لدى صاحب العمل عملا بالمادة(85)  إثبات التي نصت على أنه( يجب الأشهاد على الإقرار الشفهي الذي يتم في غير مجلس القضاء) كما نصت الماده(106)  إثبات على أنه( إذا كان المحرر العرفي مكتوبا بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الأشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير انه إذا كان كاتب المحرر معروفا بالعدالة والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفا للقاضي لشهرته أو كان قد أقر أمامه أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فإنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم).

الوجه الرابع : المخالصة إقرار كتابي :

يتم تحرير  إلمخالصة كتابة حيث تكون المخالصة وثيقة مكتوبة، ولذلك تسري على المخالصة أحكام الإقرار الكتابي المنصوص عليها في قانون الإثبات، وفي هذا المعنى نصت المادة (86) إثبات على أن( تراعى في الإقرار الكتابي أحكام الباب الخاص بالأدلة الكتابية)، وبما أن المخالصة إقرار كتابي صادر من  العامل المقر، فالاولى ان يتم تحرير إلمخالصة في ورق غير الأوراق الخاصة بصاحب العمل حتى لايكون في ذلك شبهة الاذعان، فيقال أن صاحب العمل قد اعد المخالصة وكان دور العامل التوقيع على المخالصة فقط. 

ووثيقة المخالصة المكتوبة تكون محرراً عرفيا، لأن المخالصة ليست صادرة من موظف عام مختص، وفي هذا الشأن نصت المادة (99) إثبات على أن (المحررات العرفية هي التي تصدر من الأشخاص العاديين فيما بينهم ويجوز لهم تعميدها لدى الجهة المختصة في حضورهم وبعد التأكد من أشخاصهم وموافقتهم على ما جاء فيها فتأخذ حكم المحررات الرسمية)، وقد يقوم العامل نفسه بتحرير المخالصة وكتابتها والتوقيع عليها، كما قد يقوم بكتابة المخالصة شخص آخر غير العامل، وفي هذا الشأن نصت المادة (103) من قانون الإثبات على أن (المحررات العرفية أقسام ثلاثة :-

ا - محررات مكتوبة بخط الخصم وموقع عليها من الخصم 

ب- محررات مكتوبة بخط الغير وموقع عليها من الخصم.

ج- محررات مكتوبة بخط الغير ، وليس عليها توقيع للخصم، ويكون التوقيع على المحرر أما بالخط أو بالختم أو بصمة الإصبع.). 

 الوجه الخامس : حجية المخالصة :

تعد المخالصة حجة على العامل الذي قام بالتوقيع عليها  حسبما هو مقرر في المادة مادة(104) إثبات التي نصت على أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو أمضاء أو ختم أو بصمة فإذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فإنه يحلف على نفي العلم). 

 وبما أن المخالصة إقرار حسبما سبق بيانه، لذلك فإن المخالصة تكون حجة على العامل عملا بالمادة (87) إثبات التي نصت على أن (الإقرار حجة قاطعة على المقر، ويجب إلزامه بما أقر به)، كما نصت المادة (96) إثبات على أنه (لا يصح الرجوع في الإقرار ألا أن يكون في حق من حقوق الله التي تسقط بالشبهة أو في حق من حقوق العباد المالية بشرط قبول المقر له ولا يصح الرجوع وأن صادق المقر له في الطلاق البائن أو المكمل الثلاث أو الرضاع) فبحسب هذا النص لايحق للعامل التراجع عما ورد في المخالصة لأنها تتعلق بحقوق ادميين، والله اعلم .