الصلح في مال الوقف

 

الصلح في مال الوقف

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حدد القانون المدني الحالات التي يجوز فيها لمتولي الوقف التصالح وشروط ذلك،، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-1-2013م في الطعن رقم (46678)، الذي ورد ضمن أسبابه : ((فقد تبين أن الطاعن يعيب على محكمة الاستئناف عدم تطبيقها المادة (671) مدني حيث حسم القانون مسألة تصالح متولي الوقف مع خصوم الوقف في حالة ما اذا كان مال الوقف المتنازع عليه ثابتاً قطعياً بالأدلة الدامغة  حيث لايجوز  الصلح في هذه الحالة، واجاز القانون للمتولي التصالح بشأن الوقف إذا توفرت إحدى الحالتين المذكورتين في النص السابق، وحيث أن الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً للشرع والقانون فإن الطعن غير مقبول))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التصالح على الوقف في القانون المدني :

كانت المادة(671 ) من القانون المدني محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، فقد نصت هذه المادة على أنه( لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي الماذون له وولي الصغير وناظر الوقف ومن اليهم الا في حالتين :-
2. اذا كان مدعيا لمن يمثله وكان المدعى عليه منكرا ولا بينة للمدعي فله ان يتصالح على بعض الحق ولا تبرا ذمة الغريم من الباقي.
3. اذا كان من يمثله مدعى عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح عنه بما امكنه).

فهذا النص صرح بأنه لايجوز لناظر الوقف وهو المتولي إدارة الوقف لايجوز له التصالح على أموال الوقف التي يديرها الا في الحالتين الاستثنائيتين المذكورتين في النص.

الوجه الثاني : الأصل عدم جواز الصلح على مال الوقف :

الصلح عقد يتضمن إسقاط وتنازل طرفيه عن بعض حقوقهما، وفي هذا المعنى نصت المادة(668) مدني على أن (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعا قائما او يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بان يتنازل كل منهما عن جزء من ادعائه). ومن خلال ذلك يظهر ان الصلح يتضمن إسقاط اوتنازل عن الحقوق محل الخلاف التي يتم حسمها عن طريق الصلح ، كما يشترط في الصلح أن يكون المصالح  مالكا للمال المتصالح عليه ومالكا لبدل الصلح، في حين أن متولي الوقف أو ناظر الوقف ليس مالكا لمال الوقف، وإنما يقتصر دوره على أدارة مال الوقف وتنميته والمحافظة عليه، بل انه لايجوز التصرف في أموال الوقف باي من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، وعلى هذا الأساس فإن الأصل هو عدم جواز تصالح متولي الوقف على مال الوقف،وهذا ما صرحت به المادة(671 ) مدني السابق ذكرها في الوجه الأول.

الوجه الثالث : الحالتان الاستثنائيتان اللتان يجوز فيهما لمتولي الوقف أن يصالح على مال الوقف :

على سبيل الاستثناء والحصر والقصر اجازت المادة(671 ) مدني لمتولي الوقف أو ناظر الوقف أن يصالح على مال الوقف في حالتين هما حسبما ورد في المادة المشار إليها( 1- اذا كان مدعيا لمن يمثله وكان المدعى عليه منكرا ولا بينة للمدعي فله ان يتصالح على بعض الحق ولا تبرا ذمة الغريم من الباقي.
2- اذا كان من يمثله مدعى عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح عنه بما امكنه ).وبيان هاتين الحالتين كما يأتي :

الحالة الأولى : اذا كان الوقف أو متولي الوقف مدعيا  نيابة عن الوقف  وكان المدعى عليه منكرا ولا بينة لدى متولي الوقف اي ليس لديه أدلة تثبت أحقية الوقف في الشئ المدعى به، ففي هذه الحالة يحق لمتولي الوقف  ان يتصالح  مع المدعى عليه غريم الوقف على بعض الحق المدعى به، بيد أنه لا تبرا ذمة غريم  الوقف من  الحق  الذي تم التنازل عنه بموجب الصلح .

الحالة الثانية : اذا كان الوقف أو متولي الوقف في مركز المدعى عليه وكان لدى المدعي على الوقف بينة أو أدلة وصدر بموجبها حكم بثبوت الحق المدعى به لصالح غريم الوقف، ففي هذه الحالة يحق لمتولي الوقف أن يصالح غريم الوقف المحكوم له بما أمكن متولي الوقف من الحصول عليه من الشيء المحكوم به لغريم الوقف، والله اعلم.