الاستناد إلى البصيرة تأكيد لصحتها
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
إذا استندت الإتفاقيات أو الأحكام إلى البصيرة فإن ذلك يؤكد صحتها وسلامتها ، فبعد ذلك لا يقبل إنكار احد الأطراف تلك البصيرة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-12-2012م في الطعن رقم (46475)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فمناعي الطاعن مردود عليها بما عللت به محكمة ثاني درجة في حيثيات ومنطوق الحكم الاستئنافي المطعون فيه، فقد ورد في هذه الأسباب إقرار الطاعن بأنه قد تعقب تلك البصيرة أحكام وإتفاقات فإن ذلك يعتبر إقراراً بصحة البصيرة التي وردت في تلك الإتفاقيات والاحكام التي استندت إليها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية البصيرة:
البصيرة: هي الوثيقة التي تثبت شراء المشتري للعقار، إذ يتم إفراغ عقد البيع العقاري في البصيرة لإثبات البيع وإنتقال المبيع العقاري إلى المشتري، فالبصيرة: هي وثيقة إثبات إنتقال ملكية العقار بالبيع إلى الحائز للبصيرة، وتتضمن البصيرة بيانات عقد البيع كبيانات البائع والمشتري والمبيع والثمن ، فتتضمن البصيرة بيانات المبيع من حيث مساحته وموقعه ونوعه وحدوده وكذا بيانات الثمن من حيث مقداره ونوعه وطريقة دفعه، وكذا تتضمن البصيرة البيانات الشخصية عن كل من البائع والمشتري وشروطهما إضافة إلى البيانات الشخصية الخاصة بالشهود وكاتب العقد أو البصيرة وتاريخ تحرير البصيرة ومقدار السعاية واجور الكتابة حتى تكون البصيرة وثيقة كافية ومستقلة في إثبات الشراء العقاري دون حاجة إلى مستندات أخرى ، ويتم الإعتماد عند تحرير البصيرة وتدوين البيانات الواردة فيها يتم الإعتماد في ذلك على المستندات المعدة قانونا للاثبات، فيتم الإعتماد على البيانات الواردة في البطائق الشخصية بالنسبة لتدوين بيانات البائع والمشتري والشهود ويتم الإعتماد في كتابة بيانات المبيع على مستند ملكية البائع، فيجب ان تتطابق بيانات المبيع فيما بين البصيرة ومستند ملكية البائع والبيانات التي يتضمنها التعطيل في ظهر مستند الملكية ، وفي الوقت الحاضر يتولى تحرير البصيرة الأمين الشرعي أو الموثقين العاملين في مكاتب وأقلام التوثيق وفقاً لما هو مقرر في قانون التوثيق، وفي بعض الحالات يتم تسجيل البصيرة في السجل العقاري لدى الهيئة العامة للأراضي، وتكون البصيرة محرراً رسمياً بعد أن يتم توثيقها لدى قلم التوثيق المختص وفقا لما هو مقرر في قانون التوثيق، فتكون البصيرة في هذه الحالة حجة على طرفي عقد البيع، بيد انها لاتكون لها الحجية في مواجهة الكافة الا بعد تسجيلها في السجل العقاري حسبما سيأتي بيانه .
الوجه الثاني : حجية البصيرة :
البصيرة الموثقة لدى قلم التوثيق تكون محررا رسيماً ملزماً لطرفيه بموجب قانون التوثيق وقانون الإثبات، اما البصيرة التي يتم تسجيلها في السجل العقاري فتكون محررا رسمياً وتكون لها حجيتها المطلقة في مواجهة البائع والمشتري بل في مواجهة الكافة حسبما نص عليه قانون السجل العقاري، في حين تكون البصيرة التي لم يتم توثيقها أو تسجيلها محرراً عرفياً بموجب قانون الإثبات وقانون التوثيق، والمحرر العرفي تكون له حجيته في مواجهة البائع والمشتري، فالبصيرة العرفية عبارة عن إخبار كاتبها بوقوع البيع والشراء فيما بين البائع والمشتري وانعقاده بالإيجاب والقبول والتراضي وقبض الثمن، وبموجب ذلك فقد تضمنت البصيرة العرفية كافة اركان وشروط عقد البيع المعتبرة شرعاً وقانوناً.
الوجه الثالث : الاستناد إلى البصيرة في الإتفاقيات:
الإتفاقيات تكون حجيتها قاصرة على الأطراف التي قامت بالتوقيع عليها فإذا استندت الإتفاقية إلى البصيرة وإعتمدت عليها فإن ذلك يدل على صحة البصيرة وإلا لما تم الاستناد إليها أو الاستدلال بها، إذ يتم الاستناد إليها بعد التحقق من صحة البصيرة وسلامتها، وعلى هذا الأساس لا يحق لمن كان طرفاً في الإتفاقية أن يدعي بعد التوقيع على الإتفاقية بان البصيرة غير صحيحة، فوجود البصيرة في الإتفاقية كمستند لها يدل على أن الأطراف الموقعة على الإتفاقية قد اقرت بصحة تلك البصيرة المذكورة في الإتفاقية كمستند لها.
الوجه الرابع: إستناد الحكم إلى البصيرة تأكيد لصحتها:
الحكم عنوان الحقيقة، فهو الذي يجسد الحقيقة بيد أن حجية الحكم نسبية تقتصر على اطراف الحكم، وعلى هذا الأساس إذا استند الحكم إلى البصيرة ولم يعترض الخصم على ذلك في معرض النزاع فإن سكوته في معرض الحاجة قبول بالبصيرة المحتج بها التي استدل بها الحكم واستند إليها، فلا يجوز له بعد ذلك الإدعاء والمنازعة في صحة البصيرة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، فإستناد الحكم إلى البصيرة لا يتم إلا بعد أن يتحقق القاضي ويتثبت من صحة البصيرة وسلامتها، الله اعلم.