اجرة القسمة

 اجرة القسمة 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تثير أجرة القسامين أو القسمة إشكاليات عدة بشأن تحديدها وطريقة ووقت تسليمها، وقد أشار إلى بعض ملامح هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-1-2013م في الطعن رقم (46547)، الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه (لما كان الثابت إعتراف المستأنف ضده بأن القسمة لكامل مخلف مورث المستأنفين  لم تستكمل بعد، لذلك فإن المستأنف ضدهما لا يستحقا كامل اتعاب  القسمة، إذ أن الأتعاب والتكاليف مرتبطة بإنجاز القسمة، وهو مالم يكن، ولذلك فإن قضاء الحكم الابتدائي بإلزام المستأنفين بدفع كامل اتعاب القسمة غير سديد)، وقد اقر حكم المحكمة العليا اقر الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أن المطعون ضدهم لم ينكروا حق القسام في الأجرة وإنما دفعوا بعدم دفعهم الأجرة لعدم إستكمال القسام الطاعن للعمل كاملاً الذي تم تكليفه به))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول: المقصود بإجرة القسمة :

إجرة القسمة هي الاموال التي يتم دفعها للقسام نظير قيامه بإجراءات القسمة من حصر وتثمين وموازاة السهام وغيرها من الإجراءات، وقد تكون الأجرة نقدية أو عينية أو مختلطة، وبما أن إجرة القسمة نظير أو عوض الجهد الذي يبذله القسام فالواجب أن تكون إجرة القسمة متناسبة مع الجهد والوقت الذي بذله القسام في إجراءات القسمة. 

الوجه الثاني : تحديد إجرة القسام :

 لاتثور مسألة تحديد إجرة القسمة الا اذا لم يتم الاتفاق بشأنها فيما بين المتقاسمين والقسام، فإذا لم يكن هناك إتفاق في هذا الشأن فعندئذ يتم الرجوع إلى القانون المدني الذي نظم إجراءات القسمة، بيد أنه لم ينظم إجرة القسامين، ولذلك ينبغي  الرجوع إلى القواعد  العامة الشرعية والقانونية ومبادئ العدالة لتحديد إجرة القسام، فوفقا لهذه القواعد والمبادئ فإن إجرة القسمة أو القسامين ينبغي أن يتم تحديدها على أساس الجهد والوقت الذي بذله القسام في إجراءات القسمة، وتبعا لذلك فإن إجرة القسمة تختلف باختلاف حجم التركة ونطاق الخلاف بين الورثة المتقاسمين، غير ان الجهد والوقت المبذول من القسام يظل هو الأساس السليم والعادل والقانوني لتحديد إجرة القسام. 

 الوجه الثالث : تحديد إجرة القسام على أساس نسبة من أموال التركة :

في حالات كثيرة يتم تحديد إجرة القسمة على أساس نسبة معينة من التركة، وغالبا لاتزيد هذه النسبة عن 2،5٪من إجمالي أموال التركة، لأن مجلة الأحكام العدلية العثمانية التي تضمنت تقنين فقه الحنفية وكذا كتاب شرح الازهار في فقه الزيدية قد نصا على أن إجرة القسام عند عدم الاتفاق بشأنها لاتزيد عن نسبة 2،5٪ من إجمالي أموال التركة، وفي بعض الحالات  قد تكون هذه النسبة كبيرة اذا كانت التركة قليلة وعدد الورثة كثير حيث تزيد هذه النسبة على انصبة بعض الورثة، وكذا تكون هذه النسبة مبالغ فيها اذا كانت التركة كبيرة وتمت إجراءاتها في وقت يسير بسبب إتفاق المتقاسمين وتنظيم وترتيب إجراءات القسمة وسلاستها. 

وعلى هذا الأساس يظل تحديد إجرة القسام على أساس الجهد والوقت الذي بذله القسام في إجراءات القسمة هو الأساس السليم والعادل والقانوني لتحديد إجرة القسام. 

الوجه الرابع : نزع إجرة القسمة مقدما:

في حالات كثيرة يعمد بعض القسامين إلى نزع اجرتهم مسبقا، حيث يتم نزع قطعة أرض أو عقارا قابل للتصرف، وغالبا مايكون العقار المنزوع من أفضل عقارات التركة القابلة للتصرف فيها بسرعة ، كما قد يقوم القسام بنزع  مبلغا نقديا مقابل اتعابه. 

والنزع  المسبق للمال من التركة مقابل أتعاب القسام يعني عدم دخوله في كشف حصر التركة أو عدم قسمته بين الورثة المتقاسمين، ويعمد القسامون إلى النزع من رأس التركة بحجة أنه يتعذر خصم إجرة القسام  بعد حصر التركة وتحديد انصبة الورثة ، وقد المح الحكم محل تعليقنا بأن دفع إجرة القسمة يكون بعد إستكمال إجراءات القسمة وليس قبل القسمة.

والواقع أن النزع في هذه الحالة لايعني دفع إجرة القسام مقدما وإنما يعني تجنيب المال المناسب كاجرة للقسام على أن يتم دفعه إلى القسام  بعد ذلك وفي الوقت المناسب. 

الوجه الخامس : وقت الاتفاق على إجرة القسمة وتحديدها :

الواجب الاتفاق  وتحديد إجرة القسام قبل إجراء القسمة حتى يكون القسام والمتقاسمين  على بينة من الأمر، لأن هذا هو الوضع القانوني الصحيح، لأن عدم الاتفاق على ذلك يسرب الغرر إلى تحديد الأجرة ويبعث الخلاف في المستقبل بين القسام والمتقاسمين. 

الوجه السادس : وقت دفع إجرة القسام :

الصحيح أن يتم دفع إجرة القسام على أقساط  بحسب الوقت والجهد الذي يتم بذله في القسمة، وبحسب إجراءات القسمة التي يتم إنجازها ، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القسط الاخير من إجرة القسمة لاينبغي دفعه إلى القسام الابعد  إستكمال إجراءات القسمة. 

الوجه السابع : تكييف تكليف القسام بإجراء القسمة وتحديد اتعابه :

إذا تم اختيار القسام من قبل المتقاسمين في القسمة الرضائية فإن هذا الاختيار من قبل  المتقاسمين يكون ايجابا، في حين يكون قبول القسام قبولا للايجاب ينعقد بها العقد بين المتقاسمين وبين القسام، وتبعا لذلك تكون إجرة القسام بندا من بنود هذا العقد. 

اما إذا كان القسام قد تم تعيينه من قبل المحكمة في القسمة الجبرية فإن تعيينه من قبل القاضي يعد قرارا صادراً من القاضي وليس عقدا، وقد يتضمن هذا القرار تحديد اتعاب القسام (الخبير العدل) وقد يقوم القاضي بتحديد اتعاب القسام بقرار اخر يصدره القاضي، والله اعلم.