الصلح في المسائل الجنائية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
ندبت
الشريعة الإسلامية إلى الصلح وحببت إليه، وذلك في نصوص كثيرة منها قوله تعالى
(والصلح خير)، ولذلك يجوز الصلح في المسائل الجنائية عدا الحدود واللعان، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
19-12-2012م في الطعن رقم (46406)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبالرجوع إلى أوراق
القضية فقد تبين أن الشعبة الاستئنافية قد خلصت إلى تأييد الحكم الابتدائي في
قضائه بإدانة المتهم والحكم عليه بعشرين ألف ريال غرامة تعزيرية تورد إلى الخزينة
العامة في الحق العام، وبالنسبة للحق المدني فقد اعتمد الحكم ما ورد باتفاق الصلح
الموقع عليه من قبل الطرفين المتصالحين ، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي قد وافق
القانون، فالقاعدة أن الصلح الذي يتم بالتراضي في الدماء والأموال والحقوق ملزم
لطرفيه فيما يرتبه من مسائل مالية تنشأ عن إرتكاب أية جريمة عدا جرائم الحدود،
ويترتب على الصلح إنقضاء الحق والإدعاء به بإعتباره عقداً يحسم النزاع ويقطع
الخصومة بين طرفيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: الصلح في المسائل الجنائية في قانون الجرائم والعقوبات:
صرحت
المادة (68) من قانون الجرائم والعقوبات على جواز الصلح في القصاص والديات والارش ،
إذ نصت هذه المادة على أنه (يجوز الصلح على القصاص بأكثر أو أقل من الدية أو الأرش،
ويملك الصلح من يملك القصاص أو العفو، ولا يجوز لغير المجني عليه أو لغير ورثته
انفسهم التصالح على أقل من الدية أو الارش كاملاً إلا لمصلحة يقرها القاضي)، فهذا
النص اجاز التصالح في القصاص والأرش والديات ، ويجوز الصلح في الجرائم الأدنى من
جرائم القصاص والديات والأرش.
وفي هذا الشأن نصت المادة (669) من القانون المدني على أن (يتم الصلح بالتراضي في الدماء والاموال والحقوق على ان لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ولا يثبت نسبا او يسقط حدا ويجوز مع الاقرار والسكوت والانكار).
الوجه الثاني: نطاق الصلح في المسائل الجزائية:
يقتصر
أثر الصلح على الجانب المدني، لأن الصلح إسقاط أو تنازل عن الحق الخاص، فلا يملك
الأشخاص إلا التنازل عن حقوقهم الخاصة المدنية الناجمة عن الأضرار التي لحقت بهم
بسبب الجرائم، اما الحق العام فلا يسقط بالصلح، فقد لاحظنا في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن
أثر الصلح قد اقتصر على الحق الخاص، اما الحق العام فقد قضى الحكم بإدانة المتهم والحكم
عليه بعشرين ألف ريالا للخزينة العامة.
ومع
ذلك فهناك اتجاه قوي يذهب إلى ضرورة تعديل قانون الاجراءات الجزائية اليمني للسماح
للنيابة العامة بالتصالح في بعض الجرائم
سيما جرائم الأموال العامة بمايكفل استعادة الأموال العامة في الوقت
المناسب وبما يضمن الحد من تراكم القضايا واطالة إجراءات التقاضي.
الوجه الثالث: تعريف الصلح:
عرفت المادة (668) مدني الصلح بأن (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة
يحسم به الطرفان نزاعا قائما او يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بان يتنازل كل منهما
عن جزء من ادعائه).
وهناك من يعرف الصلح بأنه تصرف قانوني يكون سبباً لانقضاء الدعوى
الجنائية إذا تم الصلح بالشروط والقيود الواردة بالقانون، والظاهر
أن الصلح يختلف عن التنازل لأن الصلح عقد بين طرفين أو أكثر يقوم على بالتراضي، في
حين أن التنازل مجرد التخلي عن الدعوى أو تركها.
والتنازل نظام مقرر في القانون المدني ويرد على
الحقوق الخاصة، أما في القانون الجنائي فلا يرد التنازل على الدعوى الجنائية.
_ فالتنازل عن الشكوى يصدر من جانب واحد
ويرتب أثاره بقوة القانون بمجرد صدوره بغض النظر من إرادة المتهم ويجب أن يكون
باتاً غير معلق على شرط، كذلك لا يشترط في التنازل أن يكون بمقابل، في حين أن
المقابل هو عنصر أساسي في الصلح.