لا يجوز حلف اليمين على واقعة مجهولة

 لا يجوز حلف اليمين على واقعة مجهولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا يجوز حلف اليمين على واقعة مجهولة كحلف الوارث على أنه لم يقم بإخفاء أي مال من أموال التركة، لأن طالب اليمين أو المطلوب منه الحلف لايعلما ماهية الأموال المطلوب الحلف على عدم إخفائها  من حيث اوصاف هذه الأموال وجنسها ونوعها وقدرها وعددها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-1-2013م في الطعن رقم (46595)، وقد سبق حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي الذي قضى بأن (ما قضى به الحكم الابتدائي بإلزام زوجة المورث بحلف اليمين على عدم إخفائها أي من أموال التركة المنقولة وكذا إلزام أولاد زوجها بحلف اليمين على عدم إخفاء أي من أموال التركة، فاليمين هنا على وقائع مجهولة، مما يقتضي إلغاء هذه الفقرة من  منطوق الحكم الابتدائي)، وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وقد ناقش الحكم الاستئنافي كافة المسائل المثارة أمام الشعبة، وتوصل الحكم إلى نتيجة صحيحة لما علل به الحكم ولما استند إليه في قضائه بتأييد الفقرتين الثالثة والرابعة من منطوق الحكم الابتدائي وإلغاء الفقرة المتعلقة باليمين، ولذلك لا قبول للطعون الثلاثة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: عرض القضية التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا: 

تتلخص هذه القضية في: أن المورث كان متزوجاً بزوجتين كانت الزوجة الأولى متوفاة وله أولاد منها، وكانت الزوجة الثانية على قيدها الحياة وللمورث منها أولاد، وقد كان كل طرف يتهم الآخر بإخفاء منقولات التركة كالذهب والجنابي والأسلحة النقدية بالعملة المحلية والعملات الأجنبية ، وكان الحكم الابتدائي قد قضى بإلزام الطرفين بحلف اليمين على أن كل طرف منهما لم يخف شيئاً من منقولات التركة قطعاً للنزاع بشأن هذه المسألة، في حين أن الحكم الاستئنافي  قضى بإلغاء الفقرة في منطوق الحكم الابتدائي التي قضت بأن يحلف الطرفين اليمين على أن كل طرف منهما لم يقم بإخفاء أي من منقولات التركة، لأن الواقعة المطلوب حلف اليمين عليها واقعة مجهولة، فالأشياء المطلوب حلف اليمين على عدم إخفائها مجهولة لايعلم طالب اليمين والمطلوب منه الحلف لايعلما ماهية هذه الأموال أو الأشياء لايعلما قدرها أو نوعها أو جنسها  أو عددها ، ومن وجهة نظر الحكم الاستئنافي لا يجوز حلف اليمين على عدم إخفاء هذه المنقولات المجهولة التي لا يعلم طالب اليمين أو المطلوب منه الحلف لايعلما ماهية هذه الأموال، هل هي سلاح أم ذهب أم نقدية أم سندات أم مستندات، كما لايعلما مقدارها أو عددها أو اوصافها ...إلخ، وقد اقر حكم المحكمة العليا ماقضى به الحكم الاستئنافي. 

الوجه الثاني: شيوع ظاهرة حلف الورثة اليمين على عدم إخفاء أي من منقولات التركة: 

في اغلب الحالات يطلب الورثة من بعضهم حلف اليمين على عدم إخفاء شيء من منقولات التركة،  لأن الورثة غالباً لا يعلمون ماهية المنقولات التي كان المورث يملكها، لأن المورث يخفيها أصلاً حتى عن الورثة كالنقدية والذهب والعملات الأجنبية والسلاح الأبيض والناري، علاوة على سهولة إخفاء المنقولات في التركة بخلاف العقارات الظاهرة التي يستحيل إخفائها، ولذلك فأنه في الغالب  يطلب بعض الورثة من بعضهم حلف اليمين على عدم إخفاء أي منهم منقولات التركة، مع أن هذه المنقولات تكون في غالب الأحوال مجهولة لدى بعض الورثة أي لا يعلم ماهيتها اونوعها اوجنسها طالب اليمين أو المطلوب منه حلف اليمين. 

الوجه الثالث: وجه الجهالة في اليمين على عدم إخفاء الورثة لأي من منقولات التركة: 

وجه الجهالة في ذلك أن طالب اليمين والمطلوب منه حلف اليمين لا يعلما ماهية الأشياء والمنقولات التي يتم الحلف على عدم إخفائها، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الواقعة التي يتم الحلف عليها مجهولة ولذلك لا يصح حلف اليمين عليها حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، لأن المادة (129) إثبات قد نصت على أن (اليمين حلف لإثبات الواقعة المتنازع عليها أو لنفيها) ومؤدى هذا النص أن تكون اليمين على واقعة معلومة وليس مجهولة، وفي السياق ذاته نصت المادة (37) إثبات على أنه (يجب أن تكون الواقعة المراد الحلف عليها متعلقة بشخص الحالف أو انصبت على مجرد علمه بها)، فهذا النص يقتضي أن تكون الواقعة المراد الحلف عليها معلومة للطرفين طالب اليمين والمطلوب منه حلف اليمين، والله اعلم.