النفقات التي يتم التسامح فيها

 النفقات التي يتم التسامح فيها

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

هناك مبالغ ونفقات يدفعها الأشخاص لبعضهم سيما الأقارب، وتدل قرائن الحال المصاحبة للوقائع أن الشخص قد أنفق تلك النفقات أو دفع تلك المبالغ على سبيل الهبة والتبرع ، فهذه النفقات مما يتم التسامح فيها، فلا يجوز لمن دفعها أو انفقها أو تكبدها المطالبة فيها أو الإدعاء بالإختصاص بأموال التركة مقابلها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-1-2013م في الطعن رقم (46582)، الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي قضى (بأن قضاء الحكم الابتدائي لم يكن سديدا  حينما قضى بإختصاص المستأنف ضده بالدور الثالث من عمارة المورث مقابل  قيام المستأنف بترميم الدور الثالث اثناء حياة المورث، وكذا قضائه بإستحقاق المستأنف للغرامة التي دفعها لوالده المورث، لأن الحكم الابتدائي في قضائه بذلك قد خالف في ذلك الأصل العام، فتلك المبالغ مما يتم التسامح  فيه بحسب  ما دلت عليه قرائن الحال)، وقد قضى حكم المحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وبالتأمل وإمعان النظر في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي وفي بقية أوراق القضية فقد تبين للدائرة: أن الأسباب التي توصلت إليها محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه كانت أسباباً شرعية وقانونية صحيحة لما استندت إليه وعللت به حكمها، لذلك فإن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً للشرع والقانون فيما قضى به))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : المقصود بالأصل التسامح في بعض النفقات :

المقصود بذلك أن العرف ومكارم الأخلاق والمرؤة  ومقتضيات صلة الارحام تستدعي أن يقوم الشخص بدفع بعض المبالغ أو إنفاق بعض أمواله من غير أن ينتظر مقابل ذلك اواستعادة تلك المبالغ مستقبلا ، إذ أن غرض القريب من دفعها حينما يدفعها هو الهبة أو التبرع وليس المعاوضة ، فعند دفع الشخص لتلك المبالغ  فإنه لم يقصد من ذلك استعادتها مستقبلا، وتدل على ذلك قرائن الحال التي صاحبت واقعة أو وقائع دفع الشخص لتلك المبالغ، فإذا ثبت لمحكمة الموضوع ان الشخص الذي دفع المبالغ كان متبرعا  فلايجوز لهذا الشخص المطالبة بهذه المبالغ لاحقا، لأن احكام الهبة تسري عليها.

الوجه الثاني : القرائن التي تدل على غرض الشخص من الإنفاق:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن قرائن الحال هي التي يتم الاستعانة بها للتحقق مما إذا كان تلشخض قد أنفق المال متبرعا ام غير متبرع، ومن أهم هذه القرائن اذا كان الشخص قد بادر بالإنفاق من تلقاء نفسه من غير طلب أو تكليف من احد ومن غير ضرورة أو حاجة  استدعت تلك النفقة، ففي هذه الحالة يكون الشخص متبرعا أو واهبا، وان كان الأمر على خلاف ذلك، فمن حق الشخص المطالبة بالمبالغ التي انفقها أو ما يقابلها، وتطبيقا لذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم إستحقاق الطاعن للطابق الثالث من عمارة مورثه، لأن الطاعن قام بالترميم للطابق الثالث من تلقاء نفسه من غير أن يكلفه والده بذلك، كما أن تلك الترميمات لم تكن ضرورية، فضلا عن أن تكاليف تلك الترميمات  كانت زهيدة قياسا بقيمة الطابق الثالث من عمارة المورث ، والله اعلم.