دعوى إبطال المحرر الموثق
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يشترط قانون التوثيق توثيق المحررات للتحقق والتثبت من توفر أركان وشروط التصرف الذي يتم توثيقه وسلامة وصحة إجراءات انشاء المحرر وتحريره ، باعتبار التوثيق من أعمال الرقابة اللاحقة على انشاء المحررات،، إذ يقوم المختصون في مكاتب واقلام الثوثيق عند التوثيق يقوموا بدراسة وفحص المحررات المطلوب توثيقها للتأكد من تحقق أركان وشروط التصرف والصفات العقدية والشخصية لأطراف المحرر، فإذا توفرت في التصرف الأركان والشروط المقررة قانونا، وكان المحرر مطابقاً للقوانين والنظم، فيتم توثيقه والختم عليه بختم مكتب التوثيق أو قلم التوثيق مما يجعل المحرر بعد توثيقه محرراً رسمياً، لكن في بعض الحالات قد يتم توثيق محرر يتضمن تصرفا لم تتوفر أركانه وشروطه او قد يتم توثيق محررا غير مطابق للقوانين والأنظمة، وفي مواجهة ذلك يجوز للمتضرر اللجوء إلى القضاء بدعوى إبطال التصرف المختلة أركانه أو شروطه والذي تم توثيقه بالمخالفة للقانون، فينبغي في هذه الحالة الإدعاء ببطلان التصرف وليس المطالبة بإلغاء توثيق التصرف فقط، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2013م في الطعن رقم (46734)، حيث كان المطعون ضده قد تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلب فيها إلغاء عقد صلح بشأن أراضي متنازع عليها على أساس عدم صفة الموقعين على عقد الصلح في التوقيع نيابة عن غيرهم، وكذا طلب المطعون ضده إلغاء إجراءات توثيق عقد الصلح، غير أن المحكمة الابتدائية توصلت إلى رفض الدعوى، فقام المطعون ضده بإستئناف الحكم، فقضت الشعبة الاستئنافية بإلغاء الحكم الابتدائي وإلغاء المحرر الموثق، لأنه تم توثيقه من قبل المحكمة غير المختصة مكانياً ، وعند الطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي قضت الدائرة المدنية بقبول الطعن وإلغاء الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((والدائرة بعد مطالعتها لأوراق القضية فقد تبين لها: أن نعي الطاعنين على الحكم الاستئنافي في محله، لأن قيام محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي وإلغاء المحرر الذي مضى على توثيقه ثمانية عشر عاماً لما اعتبرته محكمة الاستئناف غير داخل في اختصاص المحكمة الابتدائية مكانياً، لأن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، ولأن الخصومة المدنية إذا تمت بين اطرافها دون أن يبدي دفعه قبل الدخول في موضوع النزاع من له الحق في الدفع فأنه يسقط حقه في ذلك وفقاً لما نصت عليه المادة (181) مرافعات، ولذلك لا يجوز لمحكمة الاستئناف إلغاء الحكم لعدم الاختصاص بنظر النزاع مكانياً، اما ما اشارت إليه محكمة الاستئناف في حكمها من عدم اختصاص قلم التوثيق بتوثيق المحرر وإلغاء الحكم بسبب ذلك،فذلك الحكم لا مبرر له، لأن المصادقة على أي محرر إنما يكون الغرض منها المصادقة والتعريف بخط كاتبه المحرر، فالمعوّل عليه هو مضمون المحرر من حيث توفر شروطه وأركانه ومدى ملائمته وموافقته للشرع والقانون، اما مجرد المصادقة فلا تصحح باطلاً، فكان من الواجب على محكمة الاستئناف أن تنظر ما يتعلق بسلامة المحرر محل النزاع من الناحية الشرعية والقانونية من عدمه بدلاً من التعرض للاختصاص المكاني))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : أركان العقد وشروطه :
لاشك أن العقد هو أكثر التصرفات استعمالا، لذلك فقد كان محل النقاش في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا هو عقد الصلح، والعقد بصفة عامة له أركان وشروط، فأركان العقد هي : الصيغة( الإيجاب والقبول ) والعاقدان والمحل.
ولكل ركن من هذه الأركان شروط، فمن شروط الإيجاب والقبول أن يكونا متطابقين منجزين، ومن شروط العاقدين الأهلية والتكاليف فيجب أن يكون العاقدان بالغين عاقلين غير متأثرين باي من عيوب الإرادة كالإكراه والغلط والتدليس، ويشترط في محل العقد أن يكون موجودا وان يكون مشروعا وان يكون مقدور التسليم.. إلخ.
فإذا تخلف اي ركن من أركان العقد كان العقد منعدماً أو باطلا بطلانا مطلقا، اما إذا تخلف شرط من شروط العقد فإن العقد يكون باطلا بطلانا نسبيا اي قابل للاجازة والتصحيح،(فقه المعاملات المالية، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص68).
وعند إنشاء العقد أو تحريره من قبل الأمين الشرعي أو مكتب اوقسم التوثيق يجب على من يتولى إنشاء العقد وتحريره أن يتحقق ويتثبت من توفر كافة أركان العقد وتوفر المستندات المؤيدة لملكية المتعاقدين لمحل العقد والمستندات الرسمية المعتمدة الدالة على صفات المتعاقدين الشخصية والعقدية، بالإضافة إلى وجوب إلتزام الأمين والموثق بأحكام تحرير العقود المقررة في قانون التوثيق ولائحته التنفيذية وتعميمات ومنشورات وتوجيهات قطاع التوثيق بوزارة العدل(مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص، 38).
ومن المعلوم ان وقت إنعقاد العقد هو وقت تلاقي الإيجاب والقبول الذي يتم قبل كتابة العقد ببرهة يسيرة، وتحديد وقت إنعقاد العقد مهم للغاية، لأنه الوقت المعتير شرعا وقانوناً لتوفر أركان وشروط العقد .
وبموجب قانون التوثيق فإن العقد الذي يحرره الأمين الشرعي قبل توثيقه يكون محرراً عرفيا ملزما لطرفيه، فلا يصير محرراً رسمياً له حجيته الرسمية الا اذا بعد توثيقه لدي قسم التوثيق .
الوجه الثاني : ماهية التوثيق للعقد:
كلمة "التوثيق" مشتقة من التوثق الوثوق، اي التحقق والتثبت والتأكد من الشئ المراد التوثق منه، ووفقاً لقانون التوثيق فإن التوثيق هو المرحلة التالية لإنشاء العقد وتحريره، فالتوثيق بمثابة مراجعة وتصويب لإجراءات تحرير العقد إضافة إلى أنه محطة رقابة ومتابعة لتقييم وتقويم أعمال الامناء الشرعيين، ولذلك فإن التوثيق من اسمه يعني التحقق والتثبت من الصفة العقدية لطرفي العقد من حيث اهليتهما للتعاقد والتأكد من شخصيتهما وملكيتهما لمحل العقد ومدى توفر المستندات المقررة قانونا لإثبات الملكية والصفات العقدية والشخصية ، والأهم من هذا وذاك أن التوثيق يتجه إلى التحقق من توفر أركان العقد ومدى تحقق الشروط في كل ركن من أركان العقد والتثبت من انتفاء عيوب الإرادة، اي ان الموثق يتولى مراجعة العقد الذي حرره الأمين، فيقوم الموثق بمراجعة المستندات المرفقة بالعقد للتحقق من خلالها من مدى توفر أركان وشروط العقد ومدي سلامة مستندات إثبات الملكية ومستندات إثبات شخصية المتعاقدين وصفاتهم العقدية، فالموثق يراجع ويراقب المحررات والمستندات المرفقة بها للتأكد من صحتها وموافقتها للشرع والقانون قبل ان يقوم بالتوقيع عليها وختمها بالختم الخاص بالتوثيق بما يدل على أن المختصين بالتوثيق قد قاموا بدراسة وفحص العقد ومرفقاته ومن خلال ذلك تأكد لهم صحة العقد وسلامة إجراءاته، وهذا المقصود بالتوثيق .
فالتوثيق وفقا لقانون التوثيق ولائحته يتم عن طريق التحقق والتثبت من نسبة التصرف إلى المتصرف أطراف التصرف، والتأكد من صحة التصرف وسلامته وتوفر أركانه وشروطه المقررة في القانون ، فالتوثيق إجراء شامل يتضمن التوثق والتحقق من الصفة العقدية للمتعاقدين أطراف التصرف وأهليتهم لإبرام العقود والتصرفات، ويندرج أيضاً ضمن الثوثيق التحقق من شخصيات وهويات المتعاقدين أو المتصرفين، وفي الوقت ذاته فإن نطاق التوثيق يمتد ليشمل التحقق من توفر اركان وشروط التصرف المقررة في القانون، فالتوثيق يتدرج بدء من التحقق من صفات المتعاقدين (أصيل/وكيل/ولي/وصي/منصوب) ثم يتدرج التوثيق إلى التحقق من أهلية المتصرفين وكون المتصرف بالغاً عاقلاً راشدا راضياً بالتصرف لا يشوب رضاه أي عيب من عيوب الإرادة كالغلط والتدليس والإكراه، ثم يتدرج التوثيق إلى التحقق من شخصيات وهويات المتعاقدين ومدى تطابقها مع الصفات العقدية للمتعاقدين، وبعد ذلك يتم التثبت من صحة التصرف ومستنداته ووثائقه ومدى توفر أركان التصرف وشروطه المحددة في القانون الناظم للتصرف، ومن خلال ما تقدم يظهر ان التوثيق وفقاً لقانون التوثيق ولائحته التنفيذية عملية شاملة تتناول المحرر المراد توثيقه من الناحية الشكلية للوثيقة أو المحرر مثل اسماء الأطراف والتوقيعات والبصمات ويشمل أيضا الناحية الموضوعية للوثيقة وهو التصرف ذاته الذي تضمنه المحرر .
الوجه الثالث : الغرض من توثيق المحرر:
من خلال ما سبق عرضه يظهر ان الغرض من التوثيق هو التحقق من صحة المحرر من نواحيه المختلفة وموافقته للأحكام القانونية من حيث اطرافه وصفاتهم العقدية والشخصية واهليتهم، ومن حيث موضوع المحرر، وبناءً على ذلك فإن التوثيق بمثابة شهادة رسمية من قسم التوثيق المختص بان المحرر الذي تم توثيقه موافق للقانون ومطابق له من الناحية الشكلية والموضوعية.
الوجه الرابع : حجية المحرر الموثق:
بعد توثيق المحرر لدى قسم التوثيق يصير المحرر رسمياً، حسبما صرح قانون التوثيق، وعلى هذا الأساس فإن التوثيق يكسب المحرر الصفة الرسمية، فبعد توثيقه يصير محرراً رسمياً له حجيته المطلقة المقررة في قانون الإثبات للمحرر الرسمي، فالمحرر قبل توثيقه يكون محرراً عرفياً حتى وان كان تحريره قد تم من قبل الأمين المختص، فتكون له في هذه الحالة حجية المحرر العرفي الذي تكون حجيته قاصرة على اطراف التصرف دون غيرهم – أما بعد توثيق المحرر فأنه يصير محرراً رسمياً له حجيته المطلقة وفقاً لما هو مقرر في قانون الإثبات.
الوجه الخامس : توثيق المحرر في قسم التوثيق غير المختص مكانياً:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن توثيق المحرر لدى قسم التوثيق غير المختص مكانياً لا يهدر الحجية الثبوتية لتوثيق المحرر في هذه الحالة طالما ان الموثق قد قام بالتحقق والتثبت من صفات وشخصيات اطراف المحرر، وتأكد من صحة التصرف وسلامته وتوفر اركانه وشروطه وموافقته للقانون، لان التوثيق عبارة عن إجراء هدفه وغرضه التحقق من صحة التصرف، وقد تم ذلك أصلاً لدى قسم التوثيق غير المختص حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، غير أنه لا ينبغي توثيق المحررات في غير اقسام التوثيق المختصة مكانياً لما يترتب على ذلك من اخطاء في عملية التوثيق في غير اقسام التوثيق المختصة لعدم توفر البيانات والمعلومات عن محل التصرف كونه يقع في نطاق قلم توثيق آخر خاصة إذا كان المحرر المراد توثيقه يتناول عقاراً.
الوجه السادس : دعوى إبطال العقد وليس دعوى إلغاء التوثيق :
حسبما سبق بيانه في الأوجه السابقة ظهر أن نشوء العقد سابق على توثيقه وان العقد ينعقد ويتم قبل توثيقه، وأن عملية التوثيق إجراء قانوني لاحق لانعقاد العقد، وعلى هذا الأساس فإن الوسيلة القانونية المناسبة لمواجهة العقد الذي يتخلف ركن أو شرط من شروطه هي دعوى إبطال العقد التي يتم رفعها أمام محكمة أول درجة، إذ تتضمن هذه الدعوى بيان الركن أو الشرط الذي تخلف في العقد والأدلة المؤكدة لذلك، وبناء عليه فقد أرشد الحكم محل تعليقنا أرشد محكمة الموضوع بدراسة وبحث دعوى إبطال عقد الصلح لأنها الأساس اما التوثيق او المصادقة على المحرر فهو مجرد إجراء تالي للعقد، فليس ركنا أو شرط في العقد .
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه : لما كان من المقرر قانوناً أن الحكم برد وبطلان عقد البيع – المطعون فيه بالتزوير، لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له، ومن ثم فإن هذا الحكم لا يحول دون إثبات حصول هذا الاتفاق بأي دليل آخر مقبول قانوناً.
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“الحكم برد وبطلان عقد البيع – المطعون فيه بالتزوير – لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له، ومن ثم فإن هذا الحكم لا يحول دون إثبات حصول هذا الاتفاق بأي دليل آخر مقبول قانوناً”.
(نقض مدني في الطعن رقم 48 لسنة 31 قضائية – جلسة 18/11/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – الجزء الثالث – صـ 1105 – فقرة 2).
كما قضت محكمة النقض بأنه :من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
“لا يجوز الحكم بصحة الورقة وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون القضاء بصحة الورقة سابقاً على الحكم فى موضوع الدعوى، حتى لا يحرم الخصم الذى أخفق فى إثبات تزوير الورقة من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من مطاعن على التصرف المثبت فيها، إذ ليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف أو صوريته بعد الإدعاء بتزوير الورقة المثبتة لهذا التصرف لاختلاف نطاق ومرمى كل من الطاعنين عن الآخر، إذ يقتصر الأمر فى الإدعاء بالتزوير على إنكار صدور الورقة من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه، فإذا ما ثبت للمحكمة فساد الإدعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف، فإن ذلك لا يقتضى بطريق اللزوم أن يكون هذا التصرف صحيحاً وجدياً”.
(نقض مدني في الطعن رقم 212 لسنة 37 قضائية – جلسة 21/3/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – الجزء الأول – صـ 439 – فقرة 5).
وقضت محكمة النقض أيضا بأنه : من المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“الأمر فى الإدعاء بالتزوير يقتصر على إنكار صدور الورقة من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته أو بطلانه، وإذ صدر الحكم باعتبار العقدين موضوع الدعوى وصية بعد قضائه برفض الإدعاء بتزوير ذات العقدين فإنه لا يكون هناك تناقض بين القضائين”.
(نقض مدني في الطعن رقم 389 لسنة 48 قضائية – جلسة 28/5/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – الجزء الثاني – صـ 1639 – الفقرة 3.
ونقض مدني في الطعن رقم 927 لسنة 53 قضائية – جلسة 28/1/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 38 – الجزء الأول – صـ 197 – الفقرة 1).
وقضت محكمة النقض بأنه :من المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“مفاد نص المادة 44 من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز الحكم بصحة الورقة وفى الموضوع معاً، بل يجب أن يكون القضاء بصحة الورقة سابقاً على الحكم فى موضوع الدعوى، حتى لا يحرم الخصم الذى أخفق فى إثبات تزوير الورقة أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من مطاعن على التصرف المثبت فيها، إذ يقتصر الأمر فى الإدعاء بالتزوير على إنكار صدور الورقة من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه، فإذا ما ثبت للمحكمة فساداً الإدعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف، فإن ذلك لا يقتضى بطريق اللزوم أن يكون هذا التصرف صحيحاً وجدياً”.
(نقض مدني في الطعن رقم 1225 لسنة 57 قضائية – جلسة 31/1/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – الجزء الأول – صـ 352 – الفقرة 3).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، فإن تقرير مبدأ أن: “الحكم برد وبطلان عقد البيع، المطعون فيه بالتزوير، لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له، ومن ثم فإن هذا الحكم لا يحول دون إثبات حصول هذا الاتفاق بأي دليل آخر مقبول قانوناً”، يترتب عليه عدة نتائج منها:
1- أنه على سبيل الفرض الجدلي والظني المحض (وهو ما لا نسلم به، حيث أن الظن لا يغني عن الحق شيئا) بأن عقد البيع موضوع الدعوى الماثلة “مزور”، فإن ذلك لا يعني أكثر من رد وبطلان “المحرر” أو “السند” المثبت للتصرف، ولكنه لا يعني بطلان التصرف ذاته، وقد ثبت صحة التصرف القانوني ونفاذه بموجب عقد الصلح المؤرخ ***** والتي تقر فيه البائعة بصحة عقد البيع وبصحة توقيعها عليه، كما ثبت صحة ونفاذ عقد الصلح المذكور بالحكم القضائي الصادر في دعوى صحة التعاقد رقم ***** الصادر بجلسة ***** والقاضي بإلحاق عقد الصلح المؤرخ في ***** بمحضر جلسة اليوم وإثبات محتواه فيه وجعله في قوة السند التنفيذي، وهو الحكم المسجل بالمشهر رقم ***** لسنة ***** مأمورية ***** بتاريخ ***** فعقد الصلح وحكم صحة التعاقد والمشهر المذكور يعدوا كلهم إثباتاً للتصرف بدليل آخر مقبول قانوناً، هذا إن افترضنا جدلاً عدم صحة “المحرر” المثبت للتصرف.
2- ويترتب أيضاً على كل ما تقدم، تأكيد الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لانتفاء المصلحة فيها، لأنه على فرض القضاء برد وبطلان المحرر سند الدعوى الماثلة، فإن عقد الصلح المؤرخ ***** والتي تقر فيه البائعة بصحة عقد البيع وبصحة توقيعها عليه، كما ثبت صحة ونفاذ عقد الصلح المذكور بالحكم القضائي الصادر في دعوى صحة التعاقد رقم ***** لسنة ***** الصادر بجلسة ***** والقاضي بإلحاق عقد الصلح المؤرخ في ***** بمحضر جلسة اليوم وإثبات محتواه فيه وجعله في قوة السند التنفيذي، وهو الحكم المسجل بالمشهر رقم ***** لسنة ***** مأمورية ***** بتاريخ *****، كل ذلك يعد إثباتاً للتصرف وصحته ونفاذه وانتقال الملكية بالفعل بشهر حكم صحة التعاقد، مما يعني أن الدعوى الماثلة بطلب رد وبطلان “المحرر” سند الدعوى الماثلة فقط، ما هو إلا ضرب من العبث (على حد تعبير محكمة النقض) إذ لا يترتب على ذلك القضاء أي مصلحة قانونية للمدعية، ولن يعود عليها بأي فائدة عملية، مما يؤكد على ضرورة الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة لانتفاء المصلحة فيها وتنزيهاً لساحات القضاء عن الانشغال بدعاوى لا فائدة عملية منها وما أنشئت المحاكم لمثلها (على حد تعبير محكمة النقض).
3- ويترتب على تقرير المبدأ المذكور أيضاً التأكيد على عدم صحة ما أوردته المدعية بصحيفة دعواها من مزاعم (بالفقرة الأخيرة بالصفحة الخامسة من صحيفة افتتاح الدعوى الماثلة) برد وبطلان العقد المؤرخ ***** والعقد المؤرخ ***** لزعمها بابتنائهم على العقد المزور (على حد زعمها) المؤرخ في *****، لأن الرد والبطلان إنما يعني “تزوير المحرر” وهذه المحررات جميعها صحيحة وجدية ونافذة، كما إنه ليس لغير أطراف هذه المحررات الإدعاء بتزويرها، كما أن الإدعاء “ببطلان” تلك المحررات لا يقبل إلا من أطراف تلك العقود إذ ليس للغير الأجنبي عن تلك العقود والخارج عن دائرتها الإدعاء بأي شيء تجاهها، ومن ثم تكون جميع مزاعم المدعية التي أوردتها المدعية في صحيفة دعواها لا أساس لها من حقيقة الواقع ولا سند لها من صحيح القانون خليقة بعدم القبول. (منشور بواسطة محاماة نت )، والله اعلم.