قسمة الرهق بين الورثة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الرهق
تابع للأرض المقسومة بين الورثة، ولذلك يجب ان يتم تقسيم الرهق بين الورثة على
أساس نصيب كل وارث في أصل المال الذي يتبعه الرهق، حسبما قضى الحكم الصادر عن
الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-2-2013م في الطعن
رقم (47172)، الذي سبقه الحكم الابتدائي
الذي قضى بوجوب قسمة الرهق التابع لجربة...... على أساس مقدار نصيب كل وارث في الجربة
المشار إليها ، وقد قضت الشعبة الشخصية الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، وعند
الطعن بالنقض أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم
المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع: فقد ناقشت الدائرة ما ورد في عريضة الطعن
وأوراق القضية، ومن خلال ذلك وجدت الدائرة: أن الحكم الاستئنافي قد ناقش كل ما
اثاره الطاعن، حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم الاستئنافي الذي توصل إلى سلامة
وموافقة ما ورد في الحكم الابتدائي، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي موافق للشرع
والقانون من حيث النتيجة التي توصل إليها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما
هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: ماهية قسمة الرهق بين الورثة :
ربما لاتقع إشكاليات عند قسمة أصول أموال التركة
بين الورثة المتقاسمين، لان مسميات هذه الأموال ومساحاتها وحدودها محددة في وثائق ملكية المورث، بخلاف المراهق التابعة
لها التي تكون مساحاتها وحدودها ومسمياتها في غالب الاحيان غير مذكورة في وثائق
ملكية المورث، ولذلك تحدث الإشكاليات، ولمعالجة هذه الإشكالية يقوم القسام في القسمة الرضائية والقاضي في القسمة الجبرية
يقوم بتكليف الخبراء العدول بمسح الأراضي الداخلة في التركة لمعرفة الزيادة أو
النقص في أصل المال نتيجة استصلاح المورث لبعض الرهق أو تصرف المورث في أجزاء منه،
وكذا لمعرفة مساحة وحدود الرهق التابع لكل عقار على حدة ، سيما ان مساحة الرهق في
غالب الحالات تزيد على مساحة أصل المال، علاوة أن ثمن الرهق يفوق في غالب الحالات ثمن
أصل المال خاصة في المديريات المجاورة
للمدن والبلدات.
وتتم قسمة الرهق بين الورثة بحسب نصيب كل وارث في
أصل المال الذي يتبعه الرهق، فإذا كان نصيب الوارث في أصل المال هو الثلث فإن
نصيبه في الرهق يكون ثلث الرهق وهكذا .
الوجه الثاني : ماهية الرهق الذي يتم تقسيمه بين الورثة :
الرهق
التابع لاراض التركة أما أن يكون مساقي أو صبابات يصب منها الماء إلى الأرض
الزراعية فيسقيها، وأما ان يكون سواقي وأما أن يكون طريقاً إلى الأرض أو مفاسح الأرض
وغير ذلك، وفي هذا الشأن نصت المادة (1157) مدني على أن
(لمالك الشيء كل فوائده الأصلية والفرعية وملحقاته وتوابعه شرعاً وعرفاً مالم يوجد
نص أو إتفاق على خلاف ذلك)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان رهق الأرض داخل في
معنى التوابع المذكورة في النص السابق إلا أن هذا النص قيد الرهق والتوابع بعدم
وجود نص اخر يحدد قدر الرهق، وهناك نص اخر حدد قدر الرهق الملاصق للأراضي الزراعية
حيث ورد في قانون أراضي وعقارات الدولة المادة
(41) التي نصت على أن (تعتبر كافة المراهق
العامة مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة)، في حين تضمنت المادة (42) من القانون
ذاته الاستثناء من ملكية الدولة لكافة المراهق العامة، فقد نصت هذه المادة على أنه
(إستثناء من أحكام المادة السابقة تعد من ملحقات الأراضي الزراعية المراهق
الملاصقة لها إذا كان معدل إرتفاع الرهق لا تزيد نسبة إنحداره على 20% درجة أو في
حدود هذه النسبة إذا زاد معدل إرتفاع الرهق عن ذلك، ويبدأ إحتساب نسبة الإنحدار من
الحد الفاصل بين الرهق والأرض الزراعية الملاصقة له)، واجازت المادة (44) من قانون
أراضي وعقارات الدولة اجازت الإنتفاع المشترك لكافة الأفراد بنصيب الدولة من المراهق العامة كالمحاطب
والمراعي والسوائل والمنحدرات ، فقد نصت هذه المادة على أنه (يظل الحق في الإنتفاع
بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو
بالإحتطاب أو غيره، ولا يجوز للدولة الإخلال بهذه الحقوق إلا لإعتبارات تتعلق
بالمصلحة العامة).
وكذا أشارت المادة( 518) مدني إلى بعض أحكام
الرهق الخاص التابع للأرض المبيعة ، فقد نصت
المادة (518) مدني على أن (يدخل في بيع الأرض الماء من سيل أو غيل مالم يكن
مستخرجاً بيد عاملة أو بعرف قاض بعدم الدخول وتدخل السواقي والمساقي والجدران
والطرق المعتادة كما يدخل الشجر النابت فيها مما يراد به البقاء لا ما يراد به ذلك
من غصن أو ورق أو ثمر أو زرع فأنها لا تدخل إلا بالنص عليها.
وكذا اشارت المادة (1364) مدني إلى( الصبابة ) كرهق خاص
وتابع للأرض الزراعية، وقد وردت هذه المادة في القانون المدني ضمن الأحكام الخاصة
بحق الشرب، فقد نصت هذه المادة على أنه (لا يمنع ذو الصبابة من حقه وهو ما فضل من
الماء عن كفاية المتقدم في الإحياء والعبرة بالكفاية وقت الإحياء وإذا لم يعرف،
فالعبرة بوقت السقي)، فهذه المادة تقرر حق صاحب الأرض الملاصقة للمنحدرات في
الصبابة في السيل النازل من الصبابة، وفي الوقت ذاته تقرر هذه المادة حق صاحب
المزرعة الذي يلي صاحب المزرعة الملاصقة للصبابة.
وصفوة
القول : ان الرهق الخاص التابع لأموال
التركة هو الطرق والمساقي والصبابات التي يصب منها الماء، بالإضافة إلى الجدران ومفاسح
الأراضي والعقارات ، فإذا كان الرهق مذكور
بحدوده في مستندات ملكية المورث فإن الرهق في هذه الحالة يكون مملوكا للمورث ملكية
خاصة تتم قسمته كاملاك خاصة تبعا لقسمة أموال التركة التي يتبعها الرهق الخاص، اما
إذا لم يتم ذكر المراهق الخاصة في وثائق ملكية الأموال الأصلية كالمنحدرات فلايتم
تقسيم الا الرهق الملاصق بحسب نسبة انحدار الرهق المنصوص عليها في المادة(42 ) من قانون أراضي وعقارات الدولة السابق
ذكرها.
الوجه الثالث : الرهق الخاص التابع لأموال التركة والمراهق العامة المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة:
عرفت المادة (2) من قانون أراضي وعقارات الدولة
عرفت المراهق العامة بأنها (المراهق العامة: الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى
مياه الأمطار وتصريفها وتعتبر في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر
عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية)، وبناءً على هذا التعريف فإن الصباباتاو
والمنحدرات والجبال والتلال والسوائل الغابات تندرج ضمن المراهق العامة إذا لم
تتعلق بها ملكية أو حق لأحد الأفراد اي لم يتم ذكرها في مستند الملكية بأنها ملك
خاص لأحد الأفراد ، وقد صرحت المادة (6) من قانون أراضي وعقارات الدولة بأن:
المراهق العامة بمفهومها السابق من الأراضي العامة التي تخضع لقانون أراضي وعقارات
الدولة فقد نصت المادة (6) من قانون أراضي وعقارات الدولة على أن (يعد من أراضي
وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما يلي: -و- المراهق العامة)، وفي
السياق ذاته صرحت المادة (41) من قانون أراضي وعقارات الدولة بان كافة المراهق
العامة مملوكة للدولة، فقد نصت هذه المادة على أن (تعتبر كافة المراهق العامة
مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة)، في حين تضمنت المادة (42) من القانون ذاته
الاستثناء من ملكية الدولة لكافة المراهق العامة، حيث نصت هذه المادة على أنه
(إستثناء من أحكام المادة السابقة تعد من ملحقات الأراضي الزراعية المراهق
الملاصقة لها إذا كان معدل إرتفاع الرهق لا تزيد نسبة إنحداره على 20% درجة أو في
حدود هذه النسبة إذا زاد معدل إرتفاع الرهق عن ذلك، ويبدأ إحتساب نسبة الإنحدار من
الحد الفاصل بين الرهق والأرض الزراعية الملاصقة له)، واجازت المادة (44) من
القانون المشار إليه اجازت الإنتفاع المشترك لكافة الأفراد بالمراهق العامة، فقد
نصت هذه المادة على أنه (يظل الحق في الإنتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق
منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو بالإحتطاب أو غيره، ولا يجوز للدولة
الإخلال بهذه الحقوق إلا لإعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة).
الوجه الرابع : عدم واقعية نسبة الإنحدار المحددة في المادة (42) من قانون أراضي وعقارات الدولة:
يتفق غالبية المختصين والمهتمين على ان نسبة 20%
من الإنحدار المحددة في المادة (42) من قانون أراضي وعقارات الدولة غامضة وغير
واقعية وغير عملية، يتعذر تطبيقها في الواقع العملي، ولذلك فقد تم تقديم مقترحات
وبدائل عدة لتعديل تلك النسبة منها : ان يكون الرهق التابع للأرض الزراعية
الملاصقة للرهق العام مثل مساحة الأرض الملاصقة أو ضعف مساحة الأرض الملاصقة بدلاً من تلك
النسبة الغامضة .
الوجه الخامس : وضعية المراهق الخاصة التابعة لأموال التركة والنزاع بشأنها:
في
حالات كثيرة تكون مساحة الرهق الخاص التابع للأرض الزراعية اضعافاً مضاعفة قياسا
بمساحة الأرض التي تنتفع بالرهق، ونتيجة لإرتفاع اسعار الأراضي خاصة بعد إنكماش
النشاط المصرفي في اليمن، إضافة إلى أنه في الغالب تكون مساحة الرهق غير محددة، لذلك تقع بين
الورثة نزاعات كثيرة بشأن تقسيم الرهق ، ويزداد نزاع الورثة ضراوة إذا لم تتم
الإشارة في البصيرة أو وثيقة البيع إلى الرهق، أما إذا تضمنت البصيرة الإشارة إلى
الرهق وحدوده كالضاحة أو السائلة أو الملك المجاور فتقل الخلافات بشأنها .
الوجه السادس : عدم جواز التصرف في رهق الأرض الزراعية إستقلالاً عنها:
سبق
القول: بأنه يتعذر الإنتفاع بالأرض الزراعية بدون الرهق التابع لها، وبناءً على
ذلك لا يجوز بيع مسقى الأرض الزراعية على حدة أو الطريق إليها بصفة مستقلة عن
الأرض الزراعية، لأن التابع لا يجوز التصرف فيه إستقلالاً عن المتبوع، وفي هذا
المعنى نصت المادة (1363) مدني على
أن( حق الشرب يورث ويوصى بالانتفاع به, ولا يباع الا تبعا للارض ولا يوهب ولا يؤجر
الا لعرف) .وقد
علقنا على أكثر من حكم في هذا الموضوع، ولكن إذا تحولت الأرض الزراعية إلى عرصات
للبناء فيجوز عندئذ التصرف في رهقها إستقلالاً، لان أرض البناء لاتحتاج إلى مساقي
وصبابات .
الوجه السابع : تحديد مساحة الرهق في فصل المورث أو بصيرته :
في
بعض الحالات يتم ذكر الرهق التابع للأرض الزراعية في بصيرة شرائها أو في الفصل
الخاص بالوراث، فيتم ذكر الرهق
التابع للأرض عن طريق ذكر قدر مساحة الرهق
في البصيرة أو الفصل مثل عشرين لبنة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا، وفي بعض الحالات يتم تحديد مساحة الرهق عن طريق ذكر حدود الرهق التابع
للأرض مثل (ويلحق بها الصبابات أو المنحدر أو الرهق حتى حيد كذا أو ضاحة أو قوز أو
جبل أو تلة أو تبه شمالاً وجنوباً السائلة العظمى..إلخ .)، وفي بعض الحالات يتم
دمج مساحة الرهق بمساحة الأرض الزراعية كأن يذكر المساحة الإجمالية للأرض الزراعية
مع الرهق التابع لها فيذكر حدود الأرض المبيعة كاملة مع الرهق.
الوجه الثامن : تقسيم الرهق بين الورثة :
كان
جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن تقسيم الرهق بين الورثة ، فإذا كان الرهق
خاصا بأرض المورث، فإن الرهق يتم تقسيمه بين الورثة بعد إعادة مساحة أرض المورث والرهق
التابع لها، فيتم تقسيم الرهق على قدر نصيب كل وارث في أصل المال.
اما إذا كان الرهق مشتركاً بين أرض المورث
والأراضي المجاورة لها فإن العرف يكون الحكم في تحديد حصة المورث من الرهق
المشترك، ففي بعض المناطق يكون لصاحب الأرض
االعليا نصف الرهق والأرض الأدنى منها الثلث
والأرض الثالثة السدس، ففي هذه الحالة يتم اولا استخراج حصة المورث ثم تتم مساحتها
وبعد ذلك يتم تقسيمها بين الورثة بحسب نصيب كل وارث في الأرض التي يتبعها الرهق.
الوجه التاسع : عدم جواز المنازعة بين الورثة إذا تضمنت وثيقة ملكية مورثهم مساحة الرهق أو حدود الرهق التابع لارضه الزراعية :
إذا كانت
قد تضمنت بصيرة المورث أو فصله تحديد مساحة الرهق التابع لأرضه أو تضمنت وثيقة ملكية
المورث حدود الرهق التابع للمورث، فلايجوز للورثة المنازعة في مساحة الرهق لان
وثيقة الملكية قد حددت وإنما ينبغي إعادة المساحة للتأكد من بقاء المساحة على ماهي
عليه ثم تقسيمه على الورثة بقدر نصيب كل واحد من أصل المال.
الوجه العاشر : عدم جواز التصرف بالرهق بصفة مستقلة عن الأرض التي يتبعها:
إذا كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بقسمة الرهق على الورثة بقدر نصيب كل وارث، بيد أن لايجوز التصرف في الرهق استقلالا عن أصل المال، وفي هذا الشأن صرحت المادة (1363) مدني السابق ذكرها : ان الحق التابع للأرض لا يباع إلا تبعاً للأرض ويسري هذا الحكم على الرهق التابع، حيث نصت المادة السابق ذكرها على أن: (حق الشرب يورث ويوصى بالإنتفاع به ولا يباع إلا تبعاً للأرض)، غير أنه اذا تحولت الأرض الزراعية إلى عرصات للبناء فيجوز عندئذ بيع الرهق التابع بصفة مستقلة عن الأرض التي يتبعها، والله اعلم.