استنتاج الشاهد لا يكون شهادة
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الشهادة موضوعها مشاهدة الشاهد لوقائع أو أفعال اوتصرفات وسماعه أقوال المشهود عليهم، حيث تتعلق الشهادة بالوقائع والأقوال والتصرفات المشهود عليها كما شاهدها أو سمعها الشاهد ، وبناءً على ذلك فلا تعد وجهة نظر الشاهد أو رأيه او تحليله الشخصي أو استنتاجه للوقائع أو الأحداث لا يكون شهادة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-9-2005م في الطعن رقم (22709)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن من أهم شروط الشهادة أن تكون مبنية على علم الشاهد بمجمل الوقائع المشهود عليها او علم أو ظن قوي يقترب من علم اليقين، وحيث أن الحكم الاستئنافي قد استند إلى شهادة عبارة عن استنتاجات للشاهد، فإن الحكم يكون قد خالف الشرع والقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: المقصود بإستنتاجات الشاهد التي لاتكون شهادة:
الشهادة من اسمها عبارة مشاهدة وسماع الشاهد لأفعال وتصرفات وأقوال، فالشاهد أمام المحكمة يدلي بأقواله عن الأفعال والوقائع والأقوال التي رآها وسمعها كما شاهدها وسمعها من غير زيادة أو نقصان، وعلى هذا الأساس فإن اي أقوال يدلي بها الشاهد ولم يسمعها أو يشاهدها فإنها عبارة عن استنتاج من الشاهد وليس شهادة.
الوجه الثاني : محل الشهادة في قانون الاثبات :
اشترط قانون الإثبات أن يكون الشاهد قد شاهد بنفسه الوقائع المطلوب شهادته عليها وان يكون قد سمع بنفسه الأقوال المطلوب شهادته عليها، اي يجب ان تنصب شهادته على الوقائع التي شاهدها أو الأقوال التي سمعها، وفي هذا الشأن نصت المادة (27) من قانون الإثبات على أنه:( يشترط في الشاهد ما يأتي :
أ- أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً عدلاً .
ب- أن يكون قد عاين المشهود به بنفسه إلاَّ فيما يثبت بالسمع واللمس ويستثنى أيضاً النسب والموت والدخول بالزوجة واصل الوقف فانه يجوز إثباتها بالشهرة )، ومن خلال ماتقدم يظهر ان موضوع الشهادة هو الوقائع التي شاهدها الشاهد أو الأقوال التي سمعها الشاهد،فغير ذلك يكون استنتاجات شخصية للشاهد.
الوجه الثالث : وجوب تحديد الوقائع المطلوب الشهادة عليها :
اشترط قانون الإثبات على طالب الشهادة أن يبين الوقائع التي يريد إستشهاد الشاهد عليها حتى تكون هذه الوقائع معلومة للقاضي والشاهد والخصوم، وحتي تتم الشهادة على تلك الوقائع، فلا تكون الشهادة مجرد استنتاجات أو ملاحظات للشاهد، وفي هذا الشأن نصت المادة (58) من قانون الإثبات على أنه : ( على الخصم الذي يطلب الإثبات بشهادة الشهود أن يبين الوقائع التي يريد إثباتها وعدد الشهود الذين يريد سماع شهادتهم عليها إجمالا).
الوجه الرابع : استنتاجات الشاهد دليل على عدم صلاحية الشهادة:
استنتاجات الشاهد عبارة عن تحليل شخصي من الشاهد للوقائع التي شاهدها الشاهد اي انها قناعات شخصية أو وجهات نظر شخصية للشاهد، فليست إخبار الشاهد عن الوقائع التي شاهدها أو الأقوال التي سمعها، وهذه الاستنتاجات تدل على عدم صلاحية هذه الشهادة التي لا تتضمن الاخبار عن مشاهدات الشاهد مما يجعلها غير مقبولة.
الوجه الخامس : كيفية التفرقة بين الشهادة والاستنتاجات :
سبق القول بأن الشهادة يجب أن تتعلق بالوقائع التي شاهدها الشاهد والأقوال التي سمعها، ولذلك ينبغي على القاضي أن الشاهد عما اذا كانت أقوال الشاهد ناتجة عن مشاهدته للوقائع أو سماعه للأقوال، إذ يجب على القاضي أن يسأل الشاهد عند الادلاء بشهادته عما اذا كان قد شاهد الوقائع بنفسه أو سمع الأقوال التي أخبر عنها في شهادته وينبغي على القاضي تكرار السوال للشاهد لأهمية ذلك، حتى تطمئن نفس القاضي لشهادة الشاهد، وقد أخبرني احد المحامين أن القاضي بدر الجمرة سأل احد الشهود ثلاث مرات في محكمة جنوب شرق أمانة العاصمة بقوله (هل شاهدت ذلك؟ هل انت متاكد انك شاهدت ذلك؟) ، والله اعلم.