الطعن بالتزوير أمام المحكمة العليا
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
دعوى التزوير دعوى موضوعية تحتاج إلى تحقيق ودراسة وبحث من قبل محكمة الموضوع التي تستعين بالجهات المختصة ، ولذلك لايجوز إثارة دعوى التزوير لأول مرة أمام المحكمة العليا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-8-2005م في الطعن رقم (22566)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن مدونة الحكم المطعون فيه جاءت خالية من الإشارة إلى الطعن أو الدعوى بتزوير المحرر المشار إليه، ولما كان الطعن بالنقض لا يطرح على المحكمة العليا الخصومة بكامل عناصرها، كما هو الشأن في الاستئناف، وإنما يقتصر عمل المحكمة العليا على التحقق من توفر حالات الطعن بالنقض المحصورة في المادة (292) مرافعات، الأمر الذي يترتب عليه عدم جواز الإدعاء بالتزوير أمام المحكمة العليا بشأن الأوراق والمستندات التي سبق تقديمها لمحكمة الموضوع إذا لم يكن قد تم الطعن فيها بالتزوير أمامها بإعتبار أن الإدعاء بالتزوير سبباً جديداً لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا لأول مرة، ولما كان القانون قد حصر حالات الطعن بالنقض في المادة (292) مرافعات، ولما كان الطعن بالنقض يعد محاكمة قضائية للحكم المطعون فيه بشأن تلك الحالات وحدها، لذلك فإن محكمة النقض لا تتناول المسائل الموضوعية إلا إذا تعلقت بحالات الطعن بالنقض المحصورة في القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية دعوى التزوير الفرعية :
دعوى التزوير الفرعية: هي إدعاء احد الخصوم اثناء نظر القضية تزوير المستند أو المستندات المقدمة في القضية المنظورة، والإدعاء بتزوير المستندات المبرزة في في القضية حق للخصوم أطراف القضية، وفي هذا المعنى نصت المادة (258) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه( للنيابة العامة وسائر الخصوم وفي أية حالة كانت عليها الدعوى ان يطعنوا بالتزوير في أية ورقة من أوراق القضية مقدمة فيها)، في حين بينت المادة(259) إجراءات رفع دعوى التزوير الفرعية، حيث نصت هذه المادة على أن (يحصل الطعن في قلم كتاب المحكمة المنظورة أمامها الدعوى ويجب ان تعين فيه الورقة المطعون فيها بالتزوير و الأدلة على تزويرها).
اما المادة(260) إجراءات فقد تضمنت بعض آثار رفع دعوى التزوير الفرعية، إذ نصت هذه المادة على أنه (ان رأت الجهة المنظورة أمامها الدعوى وجها للسير في تحقيق التزوير تحيل الأوراق إلى النيابة العامة ، ولها ان توقف الدعوى إلى ان يفصل في التزوير من الجهة المختصة إذا كان الفصل في الدعوى المنظورة أمامها يتوقف على الورقة المطعون فيها)، وفي هذا السياق نصت المادة(261) إجراءات على أنه (في حالة إيقاف الدعوى يقضي في الحكم أو القرار الصادر بعدم وجود التزوير بإلزام مدعي التزوير بغرامة لا تجاوز (5000) خمسة آلاف ريالا)، وكذا نصت المادة (262) إجراءات على أنه (إذا حكم بتزوير ورقة رسمية كلها أو بعضها تأمر المحكمة التي حكمت بالتزوير بإلغائها أو تصحيحها حسب الأحوال ويحرر بذلك محضر يؤشر على الورقة بمقتضاه).
الوجه الثاني : طبيعة عمل المحكمة العليا (محكمة النقض) :
من المتفق عليه أن المحكمة العليا محكمة قانون تهتم بالرقابة على سلامة تطبيق القانون .فهي تراقب مدى التزام احكام الموضوع بالنصوص القانونية، للتأكد من عدم مخالفة الأحكام الصادرة من محاكم الموضوع للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وكذا التأكد من سلامة إجراءات التقاضي والحكم وفقا لنصوص القانون الموضوعي والإجرائي، لان القانون هو الذي يحدد هذه الإجراءات ويرتب الجزاء على مخالفتها.
فالطعن بالنقض لايعيد طرح النزاع أمام المحكمة العليا كما هو الحال عند الطعن بالاستئناف، فدور المحكمة العليا قاصر على التحقق من توفر حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات، فلا تنظر المحكمة العليا في المسائل الموضوعية إلا بالقدر اللازم للتحقق من حالات الطعن بالنقض المدعى بها وفقا للمادة( 292) مرافعات، وبما أن دعوى التزوير دعوى موضوعية تحتاج إلى تحقيق وبحث ودراسة، فلايجوز إثارتها أمام المحكمة العليا لأول مرة، بيد أنه يجوز إثارة دعوى التزوير أمام المحكمة العليا اذا كان قد سبق إثارتها أمام محكمة الموضوع التي نظرت دعوى التزوير وخلال ذلك خالفت القانون أو أخطأت في تطبيقه أو تأويله أو قامت بإجراءات باطلة مؤثرة في الحكم الذي اصدرته، والله اعلم.