لا يقبل الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
اليمين
الحاسمة هي اليمين التي يطلب الخصم من خصمه ان يحلفها حسماً للنزاع القائم بينهما،
فإذا اقسم الخصم اليمين، فقد حسم النزاع، وبموجب ذلك فإن المحكمة تحكم لصالح الخصم
الذي حلف اليمين وفقا للقانون الذي نص على ذلك ، ويكون الحكم في هذه الحالة غير
قابل للطعن فيه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 19-12-2006م الذي ورد ضمن أسبابه: ((بعد الإطلاع على ملف
القضية بما في ذلك صحيفة الطعن والرد عليها، فقد تبين للدائرة: أن ما ورد في صحيفة
الطعن لا يؤثر في صحة الحكم المطعون فيه لخلو الطعن من أي سبب من أسباب الطعن
المنصوص عليها حصراً في المادة (292) مرافعات، فما ورد في صحيفة الطعن إعادة لما
سبق طرحه أمام محكمة الموضوع بشأن اليمين الحاسمة التي اداها المدعى عليه بناءً
على طلب الطاعن المدعي، وقد بني الحكم المطعون فيه على أداء اليمين، وفي ذلك الرد
على تقولات الطاعن في سلامة وصحة الحكم المطعون فيه مما يجعل الطعن عديم الجدوى
ويتعين رفضه موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول: ماهية اليمين الحاسمة:
اليمين الحاسمة: هي اليمين التي يوجهها أحد
المتخاصمين لخصمه أمام المحكمة ليحسم بها النزاع، ولا يلجأ إليها الخصم عادةً إلا
عندما يفتقد إلى الدليل لإثبات دعواه. وسميت الحاسمة، لأنها تحسم النزاع وتنهي
الخصومة المنظورة أمام القضاء.
فاليمين
الحاسمة أحد أبرز وسائل الإثبات في قانون الإثبات وأقواها، وهي يمين توجه في النزاع بين الأطراف
فتنهيه وتحسمه، ومن ذلك جاء مسماها بالحاسمة، ولانه يترتب على المضي بها أي منع
الطعن في الحكم الذي يستند إليها، وتلزم القاضي بها
فلايحق له رفض طلب توجيهها إضافة إلى انها تلزم القاضي الحكم بمقتضاها، فهي تجعل
أحد الأطراف يحتكم إلى ضمير الخصم الآخر وذلك بإستشهاده بالله سبحانه وتعالى على
صحة ما إستشهد عليه.
واليمين
الحاسمة بمثابة عمل قانوني من جانب واحد يصطبغ بالطابع الديني فينتج بموجبه أثاره
على الحكم. وهو عبارة عن ألية يلتجأ إليها أحد أطرف
النزاع كأخر حل لإنهاء النزاع ، فيوجهها للطرف المقابل بأن يحلف بأن الحق محل
النزاع يعود إليه، فإذا امتنع عن ادائها أداء اليمين حكم لطالب اليمين فإن أداها كسب القضية، ولمن وجهت إليه أن يردها على الخصم الذي وجهها
وقد منعت بعض القوانين العربية غير
القانون اليمني توجيه اليمين الحاسمة إلى
الأقارب فروعا وأصولا على حد سواء بيد أنه اذا مضى القريب باليمين ترتب عليها
أثرها الشرعي والقانوني .
اليمين الحاسمة تصرف قانوني من جانب واحد، فهي يمين يوجهها الخصم إلي
خصمه يحتكم بها إلي ضميره لحسم النزاع ، فهي تصرف قانوني جوهره اتجاه إرادة
الخصم الذي يوجه اليمين في أن يحتكم إلي ضمير خصمه بما يترتب علي ذلك من آثار
قانونية، هذا الاحتكام إلي الضمير هو تصرف قانوني بإرادة منفردة إذ هو ينتج أثره
بمجرد صدوره أي بمجرد طلب توجيه اليمين الحاسمة
واليمين الحاسمة هي احدي تطبيقات اليمين عموماً
لذا سنجد أن جوهرها استشهاد بالله واستنزال لعقابه إذا كذب من يؤدي اليمين ، وهنا
يلتقي تعريف اليمين شرعاً واصطلاحا ، وهو ما يمكن معه القول بأن اليمين لغة هو
إخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالي علي صدق الخبر ، فاليمين الحاسمة لا تعتبر
عملاً مدنياً فحسب بل هو أيضاً عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلي ذمة خصمه والحالف
عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل غضبه أن كان كاذبا في يمينه، نقض
مدني – الطعن رقم 2938 لسنة 64 ق جلسة 8-12-1994 ، وكذا الطعن رقم 152 لسنة 54 ق
جلسة 9-4-1990 .وكذا الطعن رقم 77 لسنة 74 ق جلسة 22-1-2007.
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن :اليمين الحاسمة هي التي يوجهها الخصم إلي خصمه الآخر محتكماً إلي ذمته في أمر يعتبر مقطع النزاع فيما نشب الخلاف بينهم حوله ، وأعوز موجهها الدليل علي ثبوته، ويترتب علي حلفها أو النكول عنها ثبوته أو نفيه علي نحو ينحسم به النزاع حوله ويمتنع معه الجدل في حقيقته ، إذ يضحي الدليل المستمد من حلفها أو النكول عنها وحده دعامة كافية لحمل قضاء الحكم في شأنه حتى أنه لا يلزم تسبيب الحكم بأسباب أخرى غير اليمين. نقض مدني – الطعن رقم 1419 لسنة 58 ق جلسة 27-3-1989
فاليمين الحاسمة تصرف من جانب واحد وان كان من حق
من وجهت له اليمين الحاسمة له الحق في الرجوع فيها إلي أن يقبل الخصم الذي وجهت
إليه أن يحلف مما يعني أن اليمين الحاسمة ليست تصرف قانوني بإرادة منفردة بل تصرف
قانوني مزدوج لا ينتج أثره إلا بقبول الخصم الذي وجهت إليه اليمين أن يحلف، وهذا
التصور غير صحيح . فاليمين الحاسمة هي تصرف قانوني من جانب واحد، فقبول الخصم حلف
اليمين الحاسمة ليس قبولاً الإيجاب، إذ أن من وجهت إليه اليمين لا يملك إلا أن
يقبل حلف اليمين أو يرد اليمين علي من وجهها إليه.
أي أنه لا يملك إلا قبول الاحتكام إلي ضميره أو
أن يحتكم هو لضمير الخصم الذي وجه اليمين ، ومن ثم لا يكون توجيه اليمين الحاسمة
تصرفاً يحتاج إلي قبول،)الوسيط للسنهوري – طبعة نقابة
المحامين 2006 تنقيح المستشار مدحت المراغي – الجزء الأول المجلد الثاني
– ص 470). والواقع أن اليمين الحاسمة – ليست إلا تأكيداً لواقعة أمام
القضاء في ظل ضمانة من الذمة أو العقيدة الدينية ، وهي بهذا الوصف ليست إلا علاجاً
يحد من مساوئ نظام تقييد الدليل باعتبار هذا النظام ضرورة لا غنى عنها لتأمين
استقرار المعاملات وإن كان تطبيقه في نطاق العمل قد يسفر عن نتائج تناقض العدالة،
فادعاء من فاته تحصيل الدليل المقرر من جراء إهمال أو إسراف في الثقة
قد يكون صحيحاً رغم انتفاء الدليل . ولو التزمت الأحكام العامة في القانون لترتب
عليها إخفاقه ، لكن العدالة تقتضي الترخيص له بالاحتكام إلي ذمة خصمه.
والواقع أن حق الخصم في الاحتكام يقابله التزام
الخصم الآخر بالاستجابة لتلك الدعوة وإلا أصبح هذا الحق مجرداً من الأثر والجدوى .
فالخصم يلتزم بحكم القانون بالتخلي عن التقيد بقواعد القانون والاحتكام إلي
العدالة، بيد أن حق الاحتكام إلي الذمة قد أثبته القانون للخصم الآخر أيضاً واحتفظ
له به ، إذ جعل له أن يرد اليمين ويحتكم بذلك إلي ذمة من وجهها إليه
(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني 3
ص 445 إلي447، ).
وقد اعتنقت محكمة النقض المصرية من جانبها اعتنقت
هذا الرأي وهي تؤكد علي آثار توجيه اليمين الحاسمة فقد
قضت وهو قضاء مضطرد بأنه :
من المقرر في قضاء محكمة النقض – أن طلب توجيه
اليمين الحاسمة هو احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز من
وجهه الدليل لإثبات دعواه ، فإن حلفها من وجت إليه فقد أثبتت إنكاره لصحة الادعاء
ويتعين رفضه ، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار منه بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه
بمقتضي هذا الإقرار). نقض مدني – جلسة 12-6-2002 الطعن رقم 1979 لسنة
71 ق).
فالقاعدة أن اليمين
الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم
النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز من وجهه الدليل لإثبات دعواه ، فإن حلفها من
وجهت إليه فقد أثبتت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه ، وإن نكل كان ذلك بمثابة
إقرار منه بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضي هذا الإقرار.
الوجه الثاني: شروط اليمين الحاسمة:
يجب أن تتوافر في الوقائع التي تنصب عليها اليمين
الحاسمة الشرائط القانونية الآتية :
(1) يجب أن تكون هذه الوقائع متعلقة بشخص من وجهت
إليه اليمين، وإلا انصبت اليمين على مجرّد علمه بها ، فمن يوجه اليمين إنما يحتكم
بذلك إلى ضمير خصمه، فيلزم أن تكون الواقعة متعلقة بشخص هذا الخصم، كأن يطلب
المدين من الدائن مثلاً حلف اليمين الحاسمة على عدم استيفائه الدين موضوع الدعوى.
وفي هذا المعنى نصت المادة (137)
إثبات يمني على أنه (يجب أن تكون الواقعة المراد الحلف عليها
متعلقة بشخص الحالف وإلاَّ انصبت على مجرد علمه بها، وللمحكمة أن تعدل من صيغة
اليمين بحيث تنصب على الواقعة المراد إثباتها ، ولا يجوز توجيه اليمين
على واقعة مخالفة للقانون وللنظام العام أو الآداب العامة).
(2) يجب ألا تكون هذه الوقائع ممنوعة
بالقانون أو مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة حسبما ورد في المادة (137)
السابق ذكرها ، فلا يجوز مثلاً توجيه اليمين لإثبات دين قمار، أو لإثبات أجور منزل
يستغل لأعمال غير مشروعة.
(3) يجب أن تكون هذه الوقائع محددة بدقة
ووضوح، فعلى الخصم الذي يوجه اليمين لخصمه أن يبين بدقة كل الوقائع التي يريد استحلافه
عليها، ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة وجلية، وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض إنه «يتعين على طالب اليمين أن يوجهها إلى خصمه
في عبارة واضحة لا يشوبها لبس أو غموض ولا يحتملها تأويل حتى يكون خصمه على علم
تام من الأمر المطلوب الحلف عليه». (قرار نقض، غرفة ثانية 419/773 لعام 1996،
موسوعة القضاء المدني، محمد أديب الحسيني، الجزء الثالث، دار اليقظة العربية،
الطبعة الأولى 2002، القاعدة 5569، ص 2796).
(4) يجب ألا تكون هذه الوقائع غير منتجة في
الدعوى، أو من غير الجائز إثباتها باليمين، ويجب ألا يكون توجيه اليمين مقصوداً به
مجرد الكيد بالخصم الآخر. وعلى ذلك إذا كان القانون يمنع من إثبات واقعة معينة
باليمين - كما هو الحال بالنسبة إلى حجية الأحكام التي حازت قوة الشئ المقضي
به - فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة بشأنها، وهذا ما عنته محكمة النقض
بقولها إنه «لا يجوز تحليف اليمين الحاسمة ضد القرينة القانونية القاطعة». (قرار
نقض، غرفة ثانية 1303/1564 لعام 1996، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5597، ص
2805).
وعلى ذلك يجب أن تكون اليمين منتجة وحاسمة في
الدعوى، فلا يجوز توجيهها على سبيل الاستطراد
أو التحفظ، كما لا يجوز تعليقها على أي شرط، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد
القضائي. (قرار نقض، غرفة ثالثة 1448/1274 لعام 1999، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة
5657 ، ص 3507، وقرار نقض، غرفة ثالثة 881/1188 لعام 1995، القاعدة 5600، ص
2807).
الوجه الثالث: آثار توجيه اليمين الحاسمة:
يترتب على توجيه اليمين الحاسمة آثار قانونية
هامة ومتعددة، منها ما يتعلق بالخصم الذي يوجهها، ومنها ما يتعلق بالخصم الموجهة
إليه، وبيان ذلك كما يأتي :.
اولا: آثار توجيه اليمين الحاسمة لمن
وجهها:
يتضمن توجيه اليمين الحاسمة تنازلاً ضمنياً من
الخصم الذي يوجهها عن جميع الأدلة الأخرى التي سبق له تقديمها ، أو تلك التي لم
يسبق له تقديمها في الدعوى، وذلك بالنسبة إلى الواقعة التي تنصب عليها اليمين وإذا ما تم حلف اليمين فإن هذا يعني أن الأمر انتهى وحُسم النزاع نهائياً، ومن ثم
ليس لمن وجهها أن يعود من جديد إلى مخاصمة الحالف استناداً إلى أي دليل آخر؛ لأن
توجيه اليمين الحاسمة يفيد ترك ما عداها من وسائل الإثبات بالنسبة إلى الواقعة
التي انصبت عليها اليمين. (قرار نقض، غرفة ثانية 1209/1599 لعام 1999، الحسيني،
مرجـع سابق، القاعدة 5580، ص 2800).
ولا يجوز لمن وَجّه اليمين الحاسمة أن يرجع عنها
متى قبل خصمه أن يحلفها ، ولكن يمكن له ذلك إذا لم يعلن خصمه عن قبوله حلف اليمين،
وفي هذا هذا الشأن قضت محكمة النقض إن «للطاعن العدول عن طلب تحليف اليمين الحاسمة
قبل تصويرها وقبل أن يقبل الخصم حلفها أو يطلب تعديلها أو ردها على الخصم؛ لأنه قد
يكون سبب العدول هو عثوره على مستند كان ضائعاً منه يثبت دعواه، ولا يمكن معاقبته
برفض ما ادعاه بسبب أمر أباحه القانون». (قرار نقض، غرفة أولى 484/454 لعام 2000،
الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5576، ص 2798).
كما لا يجوز لمن وَجّه اليمين الحاسمة أن يثبت
كذب اليمين بعد أن أدّاها من وجهت إليه ، لكن يمكن له - إذا ثَبت كذب اليمين
بحكم جزائي قطعي - أن يطالب بالتعويض عما أصابه منها من ضرر.
وفي هذا الشأن نصت المادة (142) إثبات يمني على
أنه (تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ، ولا يجوز طلب إثبات
الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه
على انه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب
خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق
المبينة في قانون المرافعات).
ثانيا: آثار توجيه اليمين الحاسمة لمن وجهت إليه:
للخصم الذي توجه إليه اليمين الحاسمة أن
يختار بين ثلاثة مواقف: فهو إما أن يحلفها ويربح النزاع ، وإما أن ينكل (أي يمتنع)
عن حلفها ويخسر النزاع ، وإما أن يردها على خصمه، ولكن يشترط لرد اليمين الحاسمة
أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين، مما يشترك فيها الخصمان، أما إذا كانت
الواقعة شخصية لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين فقط،
فلا يجوز حينئذٍ ردها، كذلك يَعد خاسراً للدعوى كل من رُدت عليه اليمين فنكل عن
حلفها . وعلى ذلك فإن رد اليمين الحاسمة
هو بمنزلة توجيه لها إلى من وجهها ابتداءً، ومتى قبلها من ردت عليه لا يملك الخصم
الذي ردها أن يرجع عن ذلك ويبدي استعداده لحلف اليمين التي كانت قد وجهت إليه، كما
لا يجوز لمن ردت عليه اليمين الحاسمة أن يردها على خصمه من جديد، إذ ليس أمامه إلا
أن يحلفها ويربح الدعوى أو ينكل عن حلفها ويخسر الدعوى، وتجدر الإشارة إلى أن
النكول عن اليمين الذي يقع خارج المحكمة لا يُعتد به قانوناً.
ولا يترتب على اليمين الحاسمة إهدار أدلة الحالف
لليمين، لان اليمين الحاسمة تؤيد الأدلة التي يتمسك بها الحالف، بخلاف أدلة طالب اليمين
التي تسقطها اليمين الحاسمة لأنها تناقض اليمين الحاسمة و، والقاعدة أن اليمين
الحاسمة تسقط الادلة المناقضة اي الأدلة المناقضة لليمين الحاسمة . (اليمين، د. محمد سامر القطان، ص4).
الوجه الرابع : خضوع الأدلة كافة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع عدا اليمين الحاسمة:
تخضع جميع الأدلة عدا اليمين الحاسمة للسلطة
التقديرية لقاضي الموضوع، لأن هذه الأدلة ظاهرية حسية يستطيع القاضي الإحاطة
بماهيتها وما لها وما عليها من خلال البحث والنقاش سواء من قبل الخصوم انفسهم او
من قبل القاضي، فهذه الأدلة الظاهرة قابلة للقياس والادراك والتقدير، إضافة إلى أن
الخصم في هذه الحالة قد احتكم إلى السلطة التقديرية المقررة قانوناً لقاضي الموضوع ، اما في حالة اليمين
الحاسمة فإن الخصم طالب اليمين يكون قد عزم على حسم طلبه عليها مخاطباً دين وضمير
وذمة المطلوب منه اليمين محتكما لدين
وضمير خصمه الذي يحلف اليمين، فطالب اليمين يكون قد احتكم لدين وضمير المطلوب منه
اليمين معولاً على عدالة وتقوى خصمه المطلوب منه حلف اليمين، فلم يحتكم الخصم طالب
اليمين في هذه الحالة إلى عدالة القاضي
الذي ينظر القضية أو سلطته التقديرية، لأن يمين الخصم هي التي تحسم النزاع، وعلى
هذا الأساس لا يحق للخصم الطالب لليمين ان يتراجع عن طلب اليمين إذا قبلها خصمه
إضافة إلى أنه لا يحق له الطعن في الحكم الذي يستند أو يعتمد أو يبنى على اليمين
الحاسمة، ولذلك فإن القاضي لا يملك إلا ان
يحكم بموجب اليمين الحاسمة، فليس لقاضي الموضوع سلطة تقديرية بشأنها .
وفي هذا الشأن نصت المادة (142) إثبات يمني على
أنه (تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ، ولا يجوز طلب إثبات
الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه
على انه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب
خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق
المبينة في قانون المرافعات).
الوجه الخامس : عدم جواز الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة :
سبق القول ان الخصم حينما يطلب اليمين الحاسمة من
خصمه إنما يحتكم إلى ضمير وديانة خصمه، لأن طالب اليمين يعلم علم اليقين أن خصمه
لن يحلف اليمين ألا اذا كان صادقا فيها، وعلى أساس ان الخصم طالب اليمين قد
احتكم إلى ضمير خصمه المطلوبة اليمين منه ،
وعلى أساس ان القانون قد نص صراحة على ان اليمين الحاسمة كافية للحكم بموجبها، لذلك
فإن الحكم الذي يتاسس على اليمين الحاسمة لا يلزم القاضي ان يذكر أسبابا لحمل الحكم،
لأن الحكم محمول على اليمين التي طلبها الخصم، ولذلك لايجوز للخصم طالب اليمين الطعن
في الحكم في هذه الحالة،
وفي هذا المعنى نصت المادة (142) إثبات يمني على أنه (تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ، ولا يجوز طلب إثبات الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه على انه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق المبينة في قانون المرافعات). والله اعلم.