إثبات صفة المحامي الذي اعد الطعن بالنقض
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اشترط قانون الإجراءات الجزائية وقانون المرافعات أن يتم التوقيع على عريضة الطعن بالنقض من قبل محامٍ مقبول للترافع أمام المحكمة العليا، وان يتم التحقق من ذلك عن طريق الكشوفات التي تعدها نقابة المحامين المتضمنة اسماء المحامين المقيدين في جدول المحامين المقبولين للترافع أمام المحكمة العليا، التي تقوم نقابة المحامين بموافاة المحكمة العليا بنسخة منها ، كما يتم إثبات صفة المحامي المترافع أمام المحكمة العليا عن طريق بطاقة المحاماة (ترخيص مزاولة مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا) التي يتم إرفاق صورة منها بعريضة الطعن بالنقض للاستدلال بها على أن المحامي الذي اعد الطعن مقيد في الجدول الخاص بالمحامين المترافعين أمام المحكمة العليا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-9-2013م في الطعن رقم (47005)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبناءً على ذلك فقد تبين من الثابت في الصفحة الأخيرة من أوراق الطعن أنه تم توقيعه من المحامي...... وبأعلى صفحات أوراق الطعن اسم المحامي مع عبارة (للمحاماة والاستشارات القانونية والعقود)، غير أن اسم المحامي لم يكن وارداً في أي من الكشوفات المرفوعة من نقابة المحامين، كما أنه لم يتم إرفاق صورة لبطاقة المحاماة تثبت أن المحامي المشار إليه محامٍ معتمد أمام المحكمة العليا، وعلى ذلك فإن الطعن يكون موقعاً من محامٍ غير معتمد لدى المحكمة العليا، وهو ما يقتضي عدم قبوله وفقاً لنص المادة (436) إجراءات، التي نصت على أنه (وإذا كان الطعن مقدماً من النيابة العامة تعين ان يوقع أسبابه النائب العام أو رئيس نيابة النقض وإذا كان مرفوع من غيرهم وجب ان يوقع على الاسباب محامٍ معتمد أمام المحكمة العليا وفقاً للقانون.))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : اشتراط توقيع محام مترافع أمام المحكمة العليا في قانوني المرافعات والإجراءات الجزائية :
نصت المادة مادة (295) مرافعات على أن :( أ - يرفع الطعن بالنقض بعريضة موقعة من الطاعن أو من محامٍ مقبول أمام المحكمة العليا إن طلبت ذلك وبالنسبة للطعون المرفوعة من النيابة العامة في الحالات التي يقرر القانون تدخلها وجوباً ، أو جوازاً يجب أن يكون الطعن موقعاً من رئيس نيابة على الأقل ، ويتم رفع الطعن إلى المحكمة العليا أو إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه .
ب- يجب على الطاعن أن يودع خزينة المحكمة كفالة مالية قدرها خمسة آلاف ريال وتكون هذه الكفالة مجزئة عند تعدد الطاعنين إذا قدموا طعنهم في عريضة واحدة.
ج- على المحكمة التي قُدِمَت عريضة الطعن إليها أن تعلن المطعون ضده بالعريضة خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمها إليها)، ومؤدى هذا النص أن الطعن بالنقض في الأحكام غير جزائية يتم التوقيع عليه من قبل الطاعن نفسه او من قبل محامي مقبول أمام المحكمة العليا أو مقيد اسمه ضمن جدول المحامين المترافعين أمام المحكمة العليا.
في حين نصت المادة(436) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه( يجب على الطاعن ان يودع دائرة كتاب المحكمة التي قرر فيها بالطعن مذكرة بالأسباب التي بني عليها وصورا لها بعدد المطعون ضدهم في خلال الميعاد المقرر للطعن، وإذا كان الطعن مقدما من النيابة العامة تعين ان يوقع أسبابه النائب العام أو رئيس نيابة النقض وإذا كان مرفوع من غيرهم وجب ان يوقع الاسباب محام معتمد أمام المحكمة العليا وفقا للقانون، ولا يجوز إبداء أسباب أخرى غير الأسباب التي سبق إبداؤها في الميعاد المقرر مالم تكن متعلقة بالنظام العام، ومع ذلك فللمحكمة ان تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها أنه مبني على مخالفة للقانون أو على خطاء في تطبيقه ، أو ان المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكله وفقا للقانون أولا ولاية لها بالفصل في الدعوى)، فهذا النص صريح في وجوب توقيع محامي معتمد أمام المحكمة العليا على عريضة الطعن بالنقض في الأحكام الجزائية، فلايجوز أن يقوم بالتوقيع على الطعن من قبل اي شخص آخر ولو كان الطاعن نفسه، ولكثرة الطعون الجزائية التي ترفضها المحكمة العليا بسبب عدم التوقيع عليها من قبل محام معتمد أمام المحكمة العليا فقد تم اقتراح تعديل المادة(436) إجراءات للسماح للطاعن نفسه بالتوقيع على عريضة الطعن.
الوجه الثاني : معنى المحامي المقبول أمام المحكمة العليا :
استعمل قانون المرافعات مصطلح محام مقبول أمام المحكمة العليا، في حين استعمل قانون الإجراءات الجزائية مصطلح محام معتمد أمام المحكمة العليا، اما قانون المحاماة فقد استعمل مصطلح المحامي المقيد في جدول المحامين المترافعين أمام المحكمة العليا.
ووفقا لقانون المحاماة فإن نقابة المحامين تعد جدولا عاما لقيد المحامين، كما تعد النقابة جداول فرعية من ضمنها الجدول الخاص بقيد المحامين المترافعين أمام المحكمة العليا ، وإثباتا لذلك تقوم نقابة المحامين بإصدار تراخيص أو بطاقات للمحامين المقيدين في الجدول الخاص بالمترافعين أمام المحكمة العليا، وتتضمن بطاقة الترخيص اسم المحامي ورقم قيده في الجدول العام ورقم قيده في الجدول الخاص بالمحامين المترافعين أمام المحكمة العليا وتاريخ صدور الترخيص.
وتقوم نقابة المحامين اليمنيين بنشر الجداول المتضمنة اسماء المحامين المقيدين في جداول قيد المحامين بما في ذلك اسماء المقيدين في جدول المترافعين أمام المحكمة العليا، وذلك في موقعها الإلكتروني، كما تقوم النقابة بموافاة المحكمة العليا بكشوفات تتضمن اسماء المحامين المترافعين أمام المحكمة العليا، حتى تتمكن المحكمة العليا من تطبيق شرط التوقيع على الطعن بالنقض من قبل محام مترافع أمام المحكمة العليا.
وبناء على ذلك فإن المحامي المقبول أو المعتمد أمام المحكمة العليا هو المحامي المسجل أو المقيد اسمه في جدول المحامين المترافعين أمام المحكمة العليا.
الوجه الثالث : الطبيعة القانونية للطعن بالنقض:
عند الدراسة للمادتين( 292)مرافعات والمادة (435) إجراءات نجد أن اسباب الطعن بالنقض أسباب قانونية بحتة حيث نصت المادة( 292 ) مرافعات على أنه( يجـوز للخصوم أن يطعنوا أمام المحكمة العليا في الأحكــام الصـادرة من محاكم الإستئناف ومن المحاكم الابتدائية التي لا تقبل الطعن بالاستئناف في الأحوال الآتية:
1- إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة الشرع والقانون أو خطأ في تطبيق أيٍ منهما أو تأويله أو لم يبين الأساس الذي بُنيَ عليه .
2- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثَّر في الحكم أو كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه لبعض.
3- إذا حُكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه .
4- إذا تعارض حكمان نهائيان في دعويين اتحد فيهما الخصوم والموضوع والسبب )، في حين نصت المادة(435 ) إجراءات على أنه (لا يجوز الطعن بالنقض الا للأسباب الأتية : -1- اذا كان الحكم المطعون فيه معتمداً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه -2- اذا وقع بطلان في الحكم -3- اذا وقع بطلان في الإجراءات اثر في الحكم)، فاسباب الطعن بالنقض في الأحكام الجزائية وغيرها اسباب قانونية تحتاج إلى خبرة قانونية دقيقة لا تتوفر الا لدى محامي متمرس له خبرة طويلة ودراية ومعرفة بالجوانب القانونية والجوانب الاجرائية المبطلة للاحكام أو المؤثرة في الاحكام التي حددها القانون الاجرائي والتي افترض القانون هذه الخبرة والمعرفة لدى المحامي المقبول للترافع أمام المحكمة العليا، وعلى هذا الاساس فان اعداد مذكرة اسباب الطعن تحتاج إلى خبرة ومهارة عالية لا تتوفر الا لدى من أمضى فترة طويلة في المحاماة حتى تدرج إلى درجة الترافع أمام المحكمة العليا.
الوجه الرابع : طبيعة عمل المحكمة العليا (محكمة النقض) :
من المتفق عليه أن المحكمة العليا محكمة قانون تهتم بالرقابة على سلامة تطبيق القانون .فهي تراقب مدى التزام احكام الموضوع بالنصوص القانونية للتأكد من عدم مخالفة الأحكام الصادرة من محاكم الموضوع للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وكذا التأكد من سلامة إجراءات التقاضي والحكم وفقا لنصوص القانون الموضوعي الإجرائي، لان القانون هو الذي يحدد هذه الإجراءات ويرتب الجزاء على مخالفتها، ولذلك فان مصلحة الخصم الاصيل تقتضي ان يتولى اعداد مذكرة اسباب الطعن بالنقض امام المحكمة العليا محام خبير يبين للمحكمة العليا أوجه مخالفة حكم محكمة الموضوع للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو الإجراءات التي تمت بالمخالفة للقانون.
الوجه الخامس : حق التقاضي بين الاطلاق والتقيد :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان اساس وجوهر القضية هو حق التقاضي وهل هو مطلق أم مقيد ولذلك فان من المناسب العرض الموجز لطبيعة هذا الحق الذي كفله الدستور حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا. لان هذا الحق مثل غيره من الحقوق لا بد من قانون ينظم وسائل وإجراءات وكيفية استعمال هذا الحق حتى لا يتصادم مع حقوق الاخرين من افراد المجتمع التي يكفلها أيضاً الدستور ولذلك فقد قررت المادة (49) من الدستور أن حق التقاضي مكفول وفقاً للقانون أي بحسب الإجراءات والاساليب التي يحددها القانون، وبالفعل فقد حدد قانون الإجراءات الجزائية كيفية تقديم الطعن بالنقض والخبير القانوني الذي يعده ويقوم بالتوقيع عليه للتأكد من صدوره منه وحتى تعلم المحكمة العليا ان الذي اعده خبير ومحام مختص وهو المحامي المترافع أمام المحكمة العليا، وهذا التنظيم لا يتنافى مع الحق بل انه يسهل التمكين في الحق بل انه مقرر لمصلحة صاحب الحق. فهذا التنظيم لا يعطل الحق أو يمنعه وانما ينظمه ويرشده، علماً بان القانون اليمني قد تساهل كثيراً في تنظيم حق الادعاء والتقاضي لان القوانين العربية تشترط ان يتم التوقيع على صحيفة الدعوى من محامي لضمان سلامة اعداد صحيفة الدعوى وان الذي اعدها محام اما في اليمن فلم يشترط القانون ذلك الا بالنسبة للتوقيع على عريضة الطعن بالنقض الجزائي حيث اشترطت ان يتم التوقيع عليه من قبل محامي مقبول أمام المحكمة العليا .
الوجه السادس : مجرد توقيع المحامي على عريضة الطعن دليل على أنه الذي اعد عريضة الطعن بالنقض:
مجرد قيام المحامي المقبول أمام المحكمة العليا بالتوقيع على العريضة يدل على انه هو الذي اعد عريضة الطعن بنفسه، لان توقيع المحامي في ذيل عريضة الطعن دليل على نسبة العريضة الى صاحب التوقيع الظاهر فيها ،شريطة أن لاينفي المحامي قيامه بإعداد العريضة وان دوره قد اقتصر على التوقيع على العريضة فقط.
الوجه السابع : ختم مكتب المحامي المجاز أمام المحكمة العليا على العريضة والتوقيع عليها:
قد يتم تحرير عريضة الطعن بنظر مكتب محاماة يكون صاحبه مجاز أمام المحكمة العليا ،ففي هذه الحالة ينبغي ان يكون المحامي الذي يقوم بالتوقيع على العريضة لديه ترخيص بالترافع أمام المحكمة العليا، لان النص قد اشترط ان يكون التوقيع منسوب إلى محام معتمد أمام المحكمة العليا فلا يكفي ختم المكتب وكون الطعن مطبوعا على ورق المكتب.
الوجه الثامن : الغاية من اشتراط توقيع المحامي المعتمد أمام المحكمة العليا على عريضة الطعن :
اشترط قانون المرافعات في المادة( 295) مرافعات، واشترط قانون الإجراءات الجزائية ذلك حسبما هو مقرر في المادة (436) إجراءات التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا ، فالغاية من ذلك ان اسباب الطعن بالنقض اسباب قانونية عمادها وسندها القانون يتم رفعها أمام المحكمة العليا وهي محكمة قانون، فلا ريب ان المحامي المتمرس المجاز أو المقبول امام المحكمة العليا يُحسن عرض وصياغة اسباب الطعن بالنقض اكثر من غيره حسبما افترض القانون، وقد انفرد قانون الإجراءات في هذا الشرط بخلاف قانون المرافعات الذي لايشترط ذلك، حيث اشترط قانون الاجراءات ذلك لخطورة وأهمية الطعن بالنقض الجزائي وتعلقه بأهم الحقوق والحريات والدماء (المرصفاوي في قانون الإجراءات الجزائية، أستاذنا الدكتور حسن صادق المرصفاوي صـ1132).
الوجه التاسع : دلائل اعداد العريضة من المحامي المعتمد :
سبق القول ان توقيع المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا دليل على انه قد اعد الطعن، لان التوقيع يفيد نسبة صدور عريضة الطعن اليه أي انه الذي قام بإعدادها، كما يستدل على ذلك أيضاً بأوراق المحامي المدون في اعلاها أسم المحامي المعتمد وبياناته، وكذا يستدل على ذلك بالختم المتضمن اسم المحامي أو اسم مكتبه، بل ان المحامين في كثيراً من الدول يذكروا في نهاية عريضة الطعن بالنقض عبارة (تم إعداد هذه العريضة والتوقيع عليها من قبلنا) ثم يضع اسمه وتوقيعه.
الوجه العاشر : الوثائق التي يجب إرفاقها بعريضة الطعن للاستدلال بها على ان المحامي الذي اعدها معتمد لدى المحكمة العليا :
يجب ان يرفق بعريضة الطعن بالنقض التوكيل الصادر من الطاعن الذي يتضمن توكيل المحامي المعتمد بإعداد عريضة الطعن بالنقض والتوقيع عليها وتقديمها نيابة عن الطاعن، وذلك للاستدلال على صفة المحامي الذي اعد عريضة الطعن وقام بالتوقيع عليها، كما ينبغي ان يرفق المحامي المعتمد صورة من ترخيص الترافع أمام المحكمة العليا (بطاقة محاماة امام المحكمة العليا) التي تثبت ان المحامي مجاز من قبل نقابة المحامين ومعتمد بالترافع امام المحكمة العليا، وبحسب علمنا فان هناك لدى المحكمة العليا نسخة معتمدة من نقابة المحامين تتضمن جدول قيد المحامين المعتمدين للترافع امام المحكمة العليا الذين يحق لهم إعداد عرائض الطعن بالنقض والتوقيع عليها.
الوجه الحادي عشر : أي تصريح من المحامي المعتمد بانه لم يعد عريضة الطعن بالنقض يجعل الطعن غير مقبول شكلاً :
لاشك أن وجود أية عبارة في الطعن تتضمن تصريح المحامي المعتمد بانه لم يقم بإعداد العريضة أو لم يتم إعدادها بنظر مكتبه فان ذلك التصريح يجعل الطعن غير مقبول شكلاً لانتفاء الغاية التي قصدها القانون من اشتراط توقيع المحامي المعتمد على العريضة، اما اذا لم يصرح المحامي المعتمد بذلك وقام بالتوقيع على عريضة الطعن فان الطعن يكون مقبولاً في هذه الحالة حتى لو لم يكن المحامي المعتمد قد اعد العريضة، والله اعلم.