إعالة صاحب العمل للعامل القريب
القرابة مانع من تطبيق قانون العمل على العامل القريب لصاحب العمل إذا كان صاحب العمل يعيل عامله القريب، اما إذا لم يتم إثبات أن صاحب العمل يعيل عامله القريب، فيتم تطبيق قانون العمل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-2-2013م في الطعن رقم (47356) الذي سبقه الحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه (اما بالنسبة لدفع صاحب العمل بوجود قرابة فيما بينه وبين العامل، فالثابت في المادة (3) الفقرة (ب) من قانون العمل عدم سريان قانون العمل على الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه الذين يعولهم أياً كانت درجة القرابة، والدائرة تجد : انه لا تناكر بين الطرفين على وجود قرابة مصاهرة بينهما، فالعامل متزوج ببنت صاحب العمل، والقرابة لا تمنع سريان قانون العمل إلا إذا كان صاحب العمل يعول العامل بصورة كاملة، ولا دليل على إعالة صاحب العمل للعامل في هذه القضية)، وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي السابق ذكره ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أن الحكم الاستئنافي قد ناقش موضوع القرابة فيما بين العامل وصاحب العمل وتوصل إلى أنه لم يثبت أن صاحب العمل يعول قريبه العامل وان ذلك لا يمنع من تطبيق قانون العمل في هذه الحالة، أسباب الحكم الاستئنافي سائغة وسليمة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : القرابة المانعة من سريان قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل القريب لصاحب العامل حسبما ورد في قانون العمل :
تنص المادة (3) فقرة (ب) من قانون العمل النافذ
على أنه ( لا يسري هذا القانون على الفئات التالية (-8- الاشخاص التابعين لصاحب
العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلاً بصورة كاملة أياً كانت درجة القرابة) ومن
خلال استقراء هذا النص نلاحظ الاتي :
1-
لم
يشترط النص درجة من درجات القرابة ، فذلك ظاهر حينما ورد لفظ (أياً كانت القرابة)
لان العبرة بالإعالة الكاملةللقريب وليس بدرجة القرابة، وقد وردت القرابة في النص
لان الغالب أن صاحب العمل يقوم باستعمال وتشغيل اقاربه في تنفيذ بعض اعماله
كالأبناء والأخوة والاصهار وغيرهم من المقيمين معه الذين يقوم بالانفاق عليهم واعالتهم بصفة دائمة ومنتظمة،
ففي هذه الحالة لا يسري على علاقة العمل قانون العمل، لأن علاقة القرابة تكون
غالبة على علاقة العمل فيصعب تنظيم قانون العمل لهذه العلاقة من حيث تحديد العمل
والاجر والتزامات الطرفين.
2-
لا
تكون القرابة مانعة من تطبيق قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل
إلا اذا كان هؤلاء الاقارب يعملون معه ولحسابه، اما اذا كانوا يعملون مع غيره
ولكنه يعيلهم فتسري أحكام قانون العمل على العلاقة التي تنشاء فيما بينهم وأصحاب
العمل غير الأقارب .
3-
لا
تكون القرابة مانعة من سريان قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل القريب وبين صاحب العمل الا اذا كان صاحب العمل
يقوم بالفعل بالإعالة الكاملة للعامل، أي أن العامل يقيم مع صاحب العمل في داره
فيقوم صاحب العمل بتوفير الغذاء الكساء والسكن وغيره للعامل، لان النص قد اشترط أن
تكون الاعالة (بصورة كاملة) أي أن يكون صاحب العمل متكفلاً بتلبية كافة احتياجات
ومتطلبات العامل، كما قد يكون العامل غير مقيم مع صاحب العامل في داره، ولكن صاحب
العمل قد قام بانزاله في احد مساكنه أو قام باستئجار سكن للعامل وقام بتلبية
احتياجات العامل بصفة كاملة، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا لم يستثنى
العامل من سريان قانون العمل، لان العامل قريب لصاحب العمل لان العامل كان يقيم مع
زوجته بنت صاحب العمل في منزل خاص بالعامل، وكان العامل يتقاضى اجراً ثابتاً
ومنتظماً من صاحب العمل بخلاف الحال بالنسبة للعامل الذي يقوم صاحب العمل بإعالته
بصورة كاملة.
4-
القرابة
المانعة لسريان قانون العمل هي القرابة التبعية التي تجعل العامل القريب لصاحب
العمل تابعاً له شخصياً أي أن الباعث على تشغيل صاحب العمل للعامل ليس مهارة
العامل أو جدارته وإنما الاعتبار الشخصي اي اعتبار القرابة، كما قد يكون الباعث
لدى العامل في هذه الحالة هو مساعدة وإعانة قريبه صاحب العمل، ،فالتبعية الشخصية فيما بين صاحب العمل وقريبه العامل تكون غالبة
على التبعية العملية فيما بين العامل وصاحب العمل.
الوجه الثاني : المشاريع العائلية وسريان قانون العمل واشكاليات ذلك :
يغلب على النشاط الاقتصادي في اليمن الجانب العائلي، حيث أن أغلب المشاريع الصغيرة بل وحتى الشركات العملاقة تتكون أصلاً بين صاحب العمل واقاربه من العمال، ويتحول هؤلاء الاقارب العمال إلى شركاء لصاحب العمل في بعض الحالات، كما قد يظل العمال الاقارب في حالات كثيرة مجرد عمال لا يتقاضون اجراً ثابتاً ومنتظما من صاحب العمل وإنما يقوم صاحب العمل بدفع كل المبالغ التي يحتاجونها لتلبية احتياجاتهم فلا يدفع صاحب العمل مرتبات ثابتة ومنتظمة لاقاربه العمال كما أنهم لا يتقاضون نسبة من أرباح المشروع، وعندئذ تحدث الإشكاليات بشأن التكييف القانوني لعلاقة هؤلاء العمال أقارب صاحب العمل بصاحب العمل والمشروع التابع له ، وبتطبيق الشرح الوارد في الوجه الأول على العمال الاقارب في المشاريع والشركات العائلية فان قانون العمل لايسري على هؤلاء الاقارب اذا كان صاحب العمل يقوم بالانفاق عليهم وتلبية كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم عيناً أو نقداً من غير أن يقوم بتحديد راتب ثابت ومنتظم لهم، اما اذا قام بتحديد راتب ثابت ومنتظم لهم فان قانون العمل يسري على العلاقة بين الطرفين حتى لو كان صاحب العمل يتكفل بين الوقت والاخر بتلبية احتياجات قريبه العامل، علماً بأن عدم قيام صاحب العمل بتحديد راتب منتظم وثابت لأقاربه العاملين في المشروع يجعلهم لاحقاً يطالبون بما يسمى في اليمن (بالشقيةاو السعاية) أي مقابل عملهم مع صاحب العمل قريبهم حيث يتم تحديد مقابل الشقية على أساس العائد الذي تحقق لصاحب العمل من العمل الذي قام به العامل القريب لحسابه ،واغلب الإشكاليات التي تحدث في الشركات والمشاريع العائلية بسبب هذه المسألة حيث تتسبب هذه الإشكاليات في فشل الكثير من المشاريع والشركات العائلية، ولذلك فاننا نوصي اصحاب الاعمال بتنظيم العلاقات فيما بينهم وبين اقاربهم العاملين معهم على أساس عقود عمل أو عقود شراكة فلا ينبغي ترك هذه المسألة للخلافات التي تؤدي إلى اجهاض مشاريعهم وشركاتهم، والله اعلم.