الاختصاص المكاني للمحكمة في قسمة العقارات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
القسمة القضائية هي القسمة التي تتم بنظر المحكمة المختصة مكانياً، بناء على طلب أحد الورثة أو الشركاء، وفي الواقع تتوزع أموال التركة في اكثر من منطقة وضمن الإختصاص المكاني لمحاكم عدة، ففي هذه الحالة ينعقد الاختصاص المكاني للمحكمة التي تقع ضمن نطاق اختصاصها كل أموال التركة، وإذا كانت اموال التركة موزعة في عدة مناطق وضمن نطاق إختصاص أكثر من محكمة فينعقد الإختصاص للمحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها العقار الأكبر قيمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-2-2013م في الطعن رقم (46858)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((إنما قضت به محكمة أول درجة بإحالة الدعوى لقسمة بقية التركة المدعى بها إلى محكمة.... بحسب الإختصاص المكاني وايدتها في ذلك محكمة الاستئناف فان ذلك القضاء غير سديد، فالمحكمتين خالفتا صحيح القانون، لأن الإختصاص بقسمة التركة ينعقد لمحكمة... وفقاً لنص المادة (93) مرافعات باعتبار العقار الواقع ضمن اختصاصها هو العقار الأكبر قيمة ، فالإختصاص ينعقد في قسمة التركة للمحكمة التي تقع أموال التركة ضمن نطاق إختصاصها أو التي يقع ضمن إختصاصها أكبر أموال التركة قيمة، حتى لو كانت هناك أموال من التركة موجودة في نطاق إختصاص محاكم أخرى، فينعقد الإختصاص في هذه الحالة للمحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها العقار الأكبر قيمة، كي لا تتجزأ القسمة ولا تصدر بشأنها أحكام مختلفة ومتعارضة من محاكم متعددة، لان في ذلك التيسير على الخصوم وسرعة الفصل في الدعاوى المرتبطة بالقسمة من محكمة واحدة، عملاً بالقاعدة القانونية التي تقرر بأن قواعد الإرتباط تعلو على قواعد الإختصاص وان كانت من النظام العام، والتي لأجلها قرر القانون الدفع بالإحالة للإرتباط حسبما هو مقرر في المادة (184) مرافعات، وان المحكمة التي ينعقد لها الإختصاص المكاني بقضايا أخرى تقع في دوائر إختصاص محاكم أخرى للإرتباط تستطيع ان تصل إلى ما يلزم لها للفصل في القضايا المرتبطة بإتباع طريق إنابة المحاكم الأخرى في القيام بما تحتاج إليه من إجراءات قضائية وغير قضائية كالمعاينات وسماع الأدلة وإجراءات الإعلانات والحجوز اللازمة، وكذا القيام بالحصر وإجراء المساحة وكل ما يلزم، وستقوم المحكمة المنابة بما انيبت به وإرساله إلى المحكمة التي انابتها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم بأن الاختصاص المكاني في قسمة العقارات ينعقد للمحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها اكبر العقارات قيمة :
ورد في قانون المرافعات نص عام يحدد الاختصاص المكاني للمحكمة في المنازعات التي يكون محلها العقار بصفة عامة ، إذ نصت المادة (93) مرافعات على أنه( في المنازعات المتعلقة في العقارات يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار كله أو بعضه الأكبر قيمة)، وإستناداً إلى هذا النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن هذا النص يسري على القسمة القضائية حيث تختص بنظرها المحكمة التي تقع ضمن إختصاصها عقارات التركة كلها أو العقار الأكبر قيمة منها.
إذ تختص المحكمة التي يقع ضمن إختصاصها العقار أو العقارات الأكبر قيمة ولو كانت قيمة العقارات الأخرى الموزعة في نطاق المحاكم الأخرى اكبر قيمة طالما ان تلك الأموال موزعة على أكثر من محكمة وليست مجتمعة في محكمة واحدة.
الوجه الثاني : إجراءات القسمة القضائية للعقارات عند وجودها ضمن نطاق الاختصاص المكاني لأكثر من محكمة :
سبق القول بأن الحكم محل تعليقنا قضى بإختصاص المحكمة التي يقع ضمن نطاقها المكاني اكبر عقارات التركة قيمة إختصاصها باجراء القسمة القضائية أو الجبرية حتي لو كانت بقية العقارات ضمن الاختصاص المكاني لمحاكم أخرى.
وعندئذ تقوم المحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها اكبر العقارات قيمة تقوم بكافة إجراءات القسمة لكافة أموال التركة حتي تلك الأموال الواقعة ضمن الاختصاص المكاني للمحاكم الأخرى، حيث تملك المحكمة التي يقع العقار الأكبر قيمة ضمن إختصاصها تملك إنابة المحاكم الأخرى في مباشرة بعض إجراءات القسمة بالنسبة للأموال الواقعة ضمن الإختصاص المكاني للمحاكم الأخرى اذا اقتضى الأمر ذلك حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث : إختصاص المحكمة التي يقع ضمن إختصاصها العقار الأكبر قيمة وقواعد الاختصاص المكاني والتعلق والارتباط بين القضايا:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن قواعد التعلق والارتباط بين القضايا أولى في التطبيق والإعمال على قواعد الإختصاص المكاني حسبما ورد ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا، لذلك فإن إنعقاد الاختصاص للمحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها اكبر العقارات قيمة يجعلها المختصة قانونا بإجراء قسمة التركة كلها حتى إذا توزعت أموال التركة ضمن نطاق إختصاص محاكم عدة، لأن قسمة الأموال الاقل قيمة تتبع قسمة الأموال الأكبر قيمة.
الوجه الرابع : الحكمة من عقد الاختصاص في إجراء القسمة بالمحكمة التي يقع ضمن نطاق إختصاصها اكبر العقارات قيمة:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى الحكمة من ذلك بالقول :حتى لا تصدر أحكام وقرارات وإجراءات في القسمة تتناقض أو تتعارض مع بعضها، وحتى لا تطول إجراءات القسمة، وحتي يتحقق مبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي وعدم الهدر الإجرائي. والله اعلم.