بطلان القسمة اذا اشتملت على ضرر

 بطلان القسمة اذا اشتملت على ضرر

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

شرعت الشريعة الإسلامية القسمة لإزالة ضرر الخلطة وبغي بعض الخلطاء على بعضهم، كما أن قاعدة لاضرر ولاضرار قاعدة ثابتة في الفقه الإسلامي تمنع الضرر بكل صوره وأشكاله بما في ذلك ضرر الخلطة وضرر الانتقاص من انصبة الورثة التي فرضها الشارع تبارك وتعالى في القرآن الكريم ، ولذلك فإذا  اشتملت القسمة  على ضرر فإنها تكون غير صحيحة وغير موافقة للشرع والقانون مما يستوجب الحكم ببطلانها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-2-2013م في الطعن رقم (47330)، الذي سبقه الحكم الابتدائي الذي قضى بأنه (من الثابت من خلال فرز المدعية أنه قد حدد نصيبها في البيت الكائن في قرية .. بدلا من البيت الذي تسكن فيه المدعية ....، في حين أن البيتين غير متساوين، وكذا تم تقييم الأثاث بأكثر من قيمته الحقيقية وتم خصم قيمته من نصيب المدعية، كما انه لم يتم خصم مهر المدعية من رأس التركة قبل قسمتها، و كذا تم بعثرت نصيب المدعية من الأراضي الزراعية إلى مساحات قليلة وفي مناطق متباعدة وفي مواضع كثيرة ، فلم يتم إخراج نصيبها إلى موضع معلوم، لذلك فإن المحكمة تقضي ببطلان القسمة)، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الشخصية الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وحيث أن الحكم الابتدائي قد بني على أسباب سائغة مستنداً إلى المواد القانونية التي ذكرها، وثبت أن الضرر حاصل بالمدعية المستأنف ضدها من تلك القسمة، والشرع والقانون يرفضا ذلك الضرر، فلا ضرر ولا ضرار، ولذلك فإن الحكم الابتدائي مصيب في إبطال تلك القسمة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع: فقد ناقشت الدائرة ما اثاره الطاعنون من أسباب في عريضة الطعن، حيث كانت تلك الأسباب في مجملها تتعلق بوقائع النزاع، وقد تمت مناقشتها من قبل المحكمة الاستئنافية باستفاضة وتوصلت المحكمة الاستئنافية في حكمها إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون بتأييدها ما قضى به الحكم الابتدائي، مما يستوجب معه رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول: ماهية الضرر في القسمة :

الضرر في القسمة هو الضرر الذي يقع على وارث أو بعض الورثة نتيجة عدم الموازاة في السهام أو المبالغة في تثمين بعض أموال التركة التي تكون من نصيب بعض الورثة  أو بعثرت نصيب احد الورثة أو بعضهم في مواضع كثيرة فتقل فائدتها، أو عدم تثمين التركة أو عدم توفية النقص أو الفارق بين أموال التركة غير المتساوية، أو عدم إتباع إجراءات القسمة التي حددها القانون المدني. 

الوجه الثاني : الضرر في القسمة في القانون المدني اليمني :

حدد القانون المدني إجراءات القسمة الواجب إتباعها عند القسمة، وبناء على ذلك  فإن مخالفة إجراءات القسمة المحددة في القانون الواجب إتباعها عند القسمة يكون ضررا مفترضا بحكم القانون يحيز للمتضرر اللجوء إلى القضاء للمطالبة بإبطال القسمة المخالفة المشتملة على الضرر ، ولذلك من المناسب عرض النصوص القانونية التي حددت إجراءات القسمة، إذ نصت المادة (1212) مدني على أنه( اذا لم يتفق الشركاء جميعا على القسمة طبقا لما هو منصوص عليه في المادة(1201) وطلبها احدهم لزم القاضي التحقق من الاتي :-

1. حضور جميع الشركاء في المال المطلوب قسمته او من ينوب عنهم طبقا لما هو منصوص عليه في المادة(1200).

2. تقدير المختلف كالقيميات, وتقدير المستوى بكيل او وزن دون تفاوت منعا للربا.

3. تسليم النصيب الى المالك او من يقوم مقامه, وتكفي التخلية مع الحضور.

4. استيفاء المرافق من طرق ومجاري ماء وغيرها على وجه لا يضر باي من الشركاء بقدر الامكان.

5. ان لا تقسم تركة مستغرقة بدين.

6. توفية النصيب من جنس المقسوم الا المهاياة في ثوب واحد او حانوت صغير او حمام ونحوها)، ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه قد اشترط تقدير الأموال المتفاوتة وتوفية  النقص عند التفاوت بين الأموال وغيرها من الإجراءات ، وبناء على فإن عدم توفية النقص يكون من قبيل الضرر حسبما قضى الحكم محل تعليقنا وكذا يعد ضررا مخالفة الإجراءات الواردة في النص السابق .

 وفي السياق ذاته نصت المادة(1213) مدني على أن( القسمة في المستوى جنسا وقدرا بالكيل او الوزن تكون بالافراز وهو تمييز النصيب وعزله ولو بدون حضور الشريك او مؤاذنته)، ومن خلال استقراء هذا النص يظهر أنه قد اشترط فرز الانصبة عند تساوي الأموال، وتبعا لذلك فإن فرز الأموال مع انها متفاوتة من غير توفية يكون مضر بالمقاسم .

 وكذا نصت المادة(1214) مدني على أنه( لا يقسم الفرع دون الاصل ولا النابت دون المنبت الا بشرط القطع او جرى عرف بخلافه)، وبناء على ماورد في هذا النص فإن المخالفة  لما ورد في هذا النص تكون ضررا .

كما نصت المادة(1215)مدني على أنه( لا يدخل في القسمة حق لم يذكر بل يبقى على حاله مشتركا كما كان الا لعرف يقضي بغير ذلك)،فيقع الضرر اذا تمت القسمة بالمخالفة لما ورد في هذا النص. 

كما نصت المادة(1216) مدني على أنه( على القاضي ان يندب عدلين (خبيرين) او اكثر لافراز الانصباء وتكون تكاليف القسمة على قدر الحصص لا على الرؤوس)، فمخالفة الإجراءات المحددة في هذا النص يكون ضررا .

أما المادة(1217) مدني فقد نصت على أنه( على القسام مراعاة ما نص عليه في المادة(1212) ويلزمه تحديد ما يقوم بقسمته وتعديله على سهام القسمة وتوزيعه, كما يلزم في تعديل السهام تقويم المختلف وافراز كل نصيب بطريقه ومجرى مائه وما الى ذلك وترقيم الانصباء بالنصيب الاول والثاني وهكذا ويتبع السهم ما سبقه عند تعدده خشية تفرق الحصة)، فمخالفة الإجراءات الواردة في هذا تعد ضررا في القسمة، ومن ذلك تجزئة نصيب الوارث مما يؤدي إلى إنعدام منفعته أو نقصها . 

وكذا نصت المادة(1218)مدني على أن( يقرع القسام بين المتقاسمين في حضورهم او من يقوم مقامهم)،ومخالفة الإجراءات المحددة في هذا النص تعد من قبيل الضرر والإضرار بالوارث أو بعض الورثة . 

كما نصت المادة(1219) مدني على أنه( لا يعوض بالنقود في القسمة الا بالتراضي او بقرار القاضي عند تعذر القسمة بدون ذلك)، أيضا مخالفة الإجراءات المحددة في النص تعد من قبيل الضرر في القسمة .

الوجه الثالث : عدم قابلية المال للقسمة العينية في  الفقه القانوني :

قسمة المال العينية حينما يكون المال غير قابل للقسمة  العينية من أخطر مظاهر الضرر في القسمة، فبعض الأموال لاتقبل القسمة العينية بسبب قلة المال وكثرة الورثة أو بسبب طبيعة المال المراد قسمته، ومع ذلك هناك دور واراض صغيرة يتم قسمة الواحد منها بالقراريط أو الذراع قسمة عينية بين عدد كبير من الورثة بقصد انتفاعهم بها وليس بقصد تحديد انصبتهم فيها، وعندئذ يتعذر على الورثة أو بعضهم الإنتفاع بها مثلما اشار الحكم محل تعليقنا بأن نصيب المدعية في الأراضي الزراعية قد تم تقسيمه على عدد كبير من  المواضع الزراعية في كل موضع مساحة ضئيلة،ولم يتم جمع نصيبها في الأراضي أو المواضع الزراعية  إلى موضع أو موضوعين بحيث يكون الموضع كاملا للوارث المدعية ، حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، ويذهب  الفقه القانوني: إلى ان جميع الاشياء التي تحيط بنا سواء أكانت من العقارات ام من المنقولات هي اشياء قابلة للقسمة، فمن الناحية الفيزيائية حتى الذرة يمكن تقسيمها الى اجزاء غاية في الصغر ، الا ان الامر مختلف من الناحية القانونية، حيث يتحدد الشيء لكي يكون ممكناً للقسمة بمعيار مزدوج ذي طبيعة اقتصادية واجتماعية، فمن الفقهاء من يشترط كون الشيء قابلاً للقسمة أن يحافظ على جوهره ووظيفته، وكذلك على قيمته، كما يصنف هؤلاء الفقهاء الاشياء من حيث قابليتها للقسمة الى ثلاث مجموعات:

المجموعة الاولى : وهي تشمل الاشياء القابلة للقسمة: وهي الاشياء التي يمكن ان تجزأ او تقسم الى اجزاء او اقسام مع احتفاظ كل جزء او قسم منها بخصائص وبجوهر الشيء المجزأ او المقسم، وكذلك بقيم تتناسب مع قيمة ذلك الشيء .

المجموعة الثانية : وتشمل الاشياء غير القابلة للقسمة :وهي الاشياء التي لا يكون لكل جزء او قسم منها اذا جزئَ خصائص وجوهر الشيء الأصلي، ولا يكون لها قيمة تتناسب مع قيمة الشيء الاصلي .

اما المجموعة الثالثة : فتشمل الاشياء المركبة وهي الاشياء التي يتكون الواحد منها من عدة اجزاء يختلف كل منها في قيمته وفي جوهره عن قيمة وجوهر الشي الكل ومثاله البيت فهو مكون من عدة اجزاء كالابواب والشبابيك والجدران الا ان كلاً من هذه الاشياء يختلف في قيمته وجوهره عن قيمة  ذلك البيت وجوهره، ولا يشترط الفقهاء المساواة التامة بين قيمة الشيء قبل القسمة وبين قيمة كل قسم من أقسامه وبغض النظر عن الاسلوب الذي تحصل به عملية القسمة، حيث يختلف ذلك تبعاً لاختلاف طبيعة ذلك الشيء، فمن الاشياء ما تكون طريقة قسمته معنوية حيث يتحقق ذلك بوضع خط حسابي ، في حين يكون بعضها الاخر بطريقة مادية ويكون ذلك عن طريق الانفصال المادي بين اجزاء الشيء المقسوم، بحيث يتخللها الهواء فالعقارات كالمباني مثلا حيث يمكن ان تقسم افقياً بوضع الحواجز الفاصلة فيما بينها واما التقسيم العمودي فيكون بالطابق، وبذا فالقسمة لا تكون قسمة مادية فحسب، ذلك ان الاتصال الفيزياوي لا زال قائماًً بين اجزائها فتعتبر القسمة فيها معنوية. اما  قسمة المنقولات كالحبوب والحيوانات او قطع المعادن  فيمكن ان تقسم تقسيماً مادياً فيستقل كل جزء من اجزائها عن الاخر، وعلى هذا الأساس فحق الملكية الذي كان يضم عدة ملاك يصير بعد القسمة عدة حقوق من الملكية، ويكون لكل مالك فيه حقه المستقل فيها. 

ويذهب جانب اخر من الفقهاء الى اعتبار قابلية المال للقسمة امر نسبي الى جانب المعيار الاقتصادي والاجتماعي، ومثال على ذلك اذا جزَّئَ شريط من الحديد الى عدة اجزاء كان لكل جزء منها ذات الجوهر الذي كان للشيء الاصلي وبقيمة تتناسب في كمه مع قيمة الشيء الاصلي وعلى خلاف ذلك اذا جزئَ حيوان حي الى عدة اجزاء فكل جزء من اجزائه لن يكون له ذات جوهر الحيوان الحي حيث انه قد قسم فتحولت اجزاؤه الى اجزاء حيوان ميت فجوهر الموت هو غير جوهر الحياة)

 الا اننا نجد ان اتجاه الغالبية من الفقهاء يذهب الى ان قابلية المال للقسمة تتحقق في حال بقاء جنس المنافع المتوخاه من المال بعد القسمة كما كانت  عليه الحال قبل القسمة لكل شريك من الشركاء أو الورثة، بمعنى ان يكون كل شريك من الشركاء قادراً على الانتفاع بحصته بعد القسمة بذات الانتفاع الذي كان يستوفيه من حصته قبل القسمة ، ومثال ذلك اذا كان المال قبل القسمة ارضاً زراعية فلا بد ان تصلح بعد القسمة كذلك ولكل جزء من الاجزاء المقسومة فيها،   اما اذا كانت قبل القسمة ارضاً زراعية وبعد القسمة صارت جزءا منها يصلح ان يكون ارضاً زراعية وجزء اخر لا يصلح لذلك وانما يصلح ان يكون داراً او مقهى، وبالتالي فلا يعتبر المال والحالة هذه قابلاً للقسمة   كما يؤخذ بنظر الاعتبار نوع المال المقسوم فان كان ملكاً صرفاً جازت قسمته حتى لو فاتت بالقسمة المنافع التي كانت متوخاة من المال بعد القسمة بالنسبة الى بعض الشركاء او جميعهم ما دام ذلك يتم استناداً الى رضائهم بالقسمة، اما في حالة كون المقسوم ارضاً د ولة او وقف ففي هذه الحالة لا تجوز قسمتها اذا اخلت القسمة بالمنافع المتوخاة من المقسوم بعد القسمة بالنسبة لبعض الشركاء حتى لو كان ذلك برضا الشركاء .. ونحن نتفق مع الاتجاه القائل بان قابلية المال للقسمة من الناحية الفنية التي نعنيها  انما هي تتمثل في بقاء منافع المال بعد القسمة بغض النظر عن نقصان قيمة المال ككل فامر طبيعي عدم التعادل بين قيمة المال كله وبين قيمة كل قسم من الاقسام الا ان الذي يهمنا هو استمرار كل قسم من الاقسام باداء نفس الوظيفة وذات المنافع التي كان يقدمها المال ككل قبل القيام بالقسمة(قسمة المال الشائع، د. محمد احمد عيسى الجبوري، ص59).

الوجه الرابع :  قابلية المال للقسمة في الفقه الاسلامي :-

 اشترط  الحنفية وجوب أن يكون المال المراد قسمته المقسوم مالاً قابلاً للقسمة ، وقد فرقوا بين حالتين هما :-

الحالة الاولى :وهي ان يكون المال المراد قسمته مما لا ضرر في تبعيضه ويقصد بذلك ان لا يتضرر الشركاء من تجزئته بل فيه منفعة لهما ومثاله الاموال المثلية كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة وحكمها انها تقبل القسمة سواء برضا الشركاء ام جبراً. 

الحالة الثانية : وهي ان يكون  المال المشاع مما في تبعيضه ضرر فهنا نجدهم يميزون بين صورتين :-

الصورة الاولى : وهي التي يتحقق فيها الضرر لكل الشركاء  فلا يمكن الاجبار على القسمة فيه ؛ ذلك، لان القسمة ستؤدي حتما الى الاضرار بكل الشركاء، وهنا لا يملك القاضي الاضرار الشركاء، ومثاله قسمة اللؤلؤة الواحدة او الياقوتة او القوس او الفرس او الرحى ..

واما الصورة الثانية : وهي التي تؤدي القسمة فيها الى الاضرار باحد الشركاء دون الاخرين ، فهنا يميزون بين ما اذا كان صاحب الحصة الكبيرة من المال طلب القسمة دون صاحب الحصة الصغيرة فاذا طلبها صاحب الحصة الكبيرة يجاب طلبه ولو جبرا على صاحب الحصة الصغيرة ومثالها شريكان في دار لاحدهما القسم الاكبر من الدار والآخر جزء صغير فيها فنجد ان قسماً من الفقهاء قد اجازوا اجبار صاحب الحصة الكبيرة على القسمة ومنهم الحاكم الجليل؛ والسبب ان لا ضرر يقع من هذه القسمة بل فيها منفعة ايضاً لصاحب الكثير، وبناء على ذلك فاذا رفضها فهو متعسف في ذلك ، واما القسم الاخر من فقهاء الحنفية فيقولون بان لا يقسم المال جبراً بطلب من صاحب الحصة القليلة والسبب ان صاحب القليل بطلبه لا يحقق فائدة من القسمة له، ولذلك فهو متعنت فيها فلا يجاب الى طلبه،   وبنفس الاتجاه الذي اخذ به فقهاء الحنفية جاءت المادة 1130 من مجلة الاحكام العدلي العثمانية حيث نصت على أنه : ( اذا طلب احد الشركاء القسمة وامتنع الاخر .. ان كان المال المشترك قابلاً للقسمة يقسمه الحاكم جبراً والا فلا يقسمه )  ومن خلال ذلك يتبين ان اتجاه مجلة الأحكام العدلية في حال عدم قابلية المال للقسمة هو الحكم بالمهاياة. 

اما معيار قابلية المال للقسمة وبحسب مفهوم المجلة هو ما نصت عليه المادة 1131 منها على انه : ( قابل للقسمة هو المال المشترك الصالح للتقسيم بحيث لا تفوت بالقسمة المنفعة المقصود منه )، واما عند فقهاء المالكية فمع انهم قد اتفقوا مع فقهاء الحنفية من حيث امكانية قسمة المال بين الشركاء اذ كان مما يقبل القسمة بلا ضرر وبما يترتب عليه استمرار المنافع المتوخاة من ذلك المال وعدم نقصان قيمة المال  ويكون ذلك بعد اجراء القسمة في الارض والحبوب وغيرها الا انهم اختلفوا مع الفقهاء الاحناف من حيث اجبارهم للشركاء على القسمة في حال كون المال قابلاً للقسمة في حين نجد ان فقهاء الاحناف لا يجبرون الشريك على القسمة بل يجيزون قسمة والمهايأة، فنجد ان فقهاء المالكية قد اجازوا قسمة ثمن المال وذلك بعد بيعه جبراً اذا كان مما لا يحتمل القسمة كل على حدة ومثاله الدابة الواحدة او الثوب او الطست الواحد وغيرها،   ولقد اشترط فقهاء المالكية لقسمة ثمن المال المباع في حال عدم امكانية قسمته عيناً شروطاً هي: 

اولاً : عدم امكانية قسمة المال مفرداً بحيث انه اذا قسم مفرداً بيعت تلك الحصة بثمن اقل مما لو بيعت تلك الحصة مع باقي المال سوية .

ثانياً : ان يكون الشركاء قد اشتروا ذلك المال جملة .

ثالثاً: ان لا يلتزم الشريك  الرافض للبيع بتعويض البائع عن الفرق بنقصان الثمن.

رابعاً: الا يكون الراغب بالبيع مالكاً لحصته منفرداً .

خامساً : الا يكون الشركاء قد اشتروه بقصد الاستغلال او السكن،   ونحن نميل الى الرأي الذي سلكه فقهاء المالكية على الرأي الذي سلكه فقهاء الاحناف ؛ ذلك لاننا لو اخذنا برأي فقهاء الاحناف بالمهايأة، ولم نحكم بالقسمة على اساس عدم امكانية قسمة المال لعدم امكانية انتفاع جميع الشركاء منه بعد القسمة نكون بذلك قد حكمنا على الشركاء بالبقاء على الشيوع بشكل ابدي وهذا ما لا يمكن ان يحدث وذلك لما يصاحب البقاء على الشيوع من اضرار ومساوئ، ولقد كان اتجاه فقهاء الشافعية يوافق اتجاه فقهاء الاحناف في ذلك، واما عند فقهاء الحنابلة فقد فرقوا بين حالتين:

الحالة الاولى : وهي التي يجبر الممتنع عن القسمة فيها بعد توافر شروط هي:

1-ان يثبت ملك الشركاء ببينة لان الحكم على الشركاء جبراً بالقسمة على الممتنع لا يثبت الا بما يثبت به الملك 

2- ان لا يكون في القسمة ضرر ، ومعيار الضرر الذي اعتمده الحنابلة هو نقصان قيمة ثمن المبيع عما كان عليه قبل القسمة، فهي ستؤدي الى ضرر والضرر منفي شرعاً، وعليه فحكم القسمة في مثل هذه الحالة ممنوعة وذلك لوجود الضرر المانع من القسمة   وقد استند فقهاء الحنابلة في ذلك الى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ). 

 وقد ذهب الحنابلة إلى إمكانية قسمة المال بدون الحاجة الى اجراء تعديل السهام والسبب في ذلك ان اجراء القسمة مع تعديل السهام تصير بيعاً والبيع لا يجوز ان يجبر عليه احد المتبايعين وقد استند فقهاء الحنابلة في ذلك إلى قوله تعالى : ( الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) 

اما الحالة الثانية : وهي التي تفتقد فيها القسمة الى شرط من الشروط السابقة وعليه فلا يتم اجبار من يأبى القسمة عليها، لذا لا بد من ان يكون مبناها على التراضي لانها ستكون بمثابة البيع المناقلة، واما عند فقهاء  الشيعة الجعفرية فقد وافقوا باقي  الفقهاء  في لزوم ان يكون  المال المشاع قابلاً للقسمة دون ضرر ومعيار قابلية المال للقسمة عندهم هو عدم نقصان العين وقيمتها بعد القسمة عما كانت عليه العين قبل القسمة فاذا كانت العين ممكنة القسمة بلا ضرر فهنا يجبر الشريك الابي عليها وهذا كله مقترن بعدم وجود شرط من احد الشركاء على الاخر يقضي بعدم اجراء القسمة والى اجل معين   .

 ويذهب الشيعة الجعفرية إلى عدم جواز الأحبار على القسمة في حالتي الضرر والرد أمّا مع الضرر أو الردّ فلا يجبر الممتنع على القسمة إن لزمه أحدهما بلا خلاف فيه أيضاً، على الظاهر المصرح به في الكتاب المتقدم؛ إذ لا ضرر ولا إضرار، والردّ معاوضة محضة يستدعي التراضي، ويسمّى قسمة تراض.

والتعليل الأخير وإن اقتضى منع دخول الإجبار في أصل القسمة لتضمنها شبه المعاوضة بل نفسها وإن كانت معاوضة على حدةٍ، لا بيعاً، ولا غيره، إلاّ أنّه خارج بعدم الخلاف فيه كما مر، بل الإجماع كما يظهر من بعض مَنْ تأخر، ولو لزمهما الضرر معاً أو الملتمس خاصّة وكان طلب القسمة معه يوجب سفهاً لم يجبر الممتنع أيضاً، بل لم يجز له ولا للحاكم الإجابة، بلا خلاف ، ووجهه واضح تقدم هو وبعض ما يتعلق بالمقام من تحقيق الضرر والاختلافات فيه

الوجه الخامس:  قابلية المال للقسمة في بعض القوانين المدنية العربية :-

لقد ميز القانون المدني العراقي فيما يتعلق بقابلية المال للقسمة بين ما اذا كانت القسمة تتم رضاءً بين الشركاء او انها كانت تتم قضاءً ، فان كانت القسمة تتم رضاءً بين الشركاء وكانت تلك الاملاك هي من الاملاك الصرفة فقد اجازت الفقرة  (1) من المادة 1071 من القانون المدني العراقي للشركاء اقتسامها بالطريقة التي يرونها، حيث نصت الفقرة (1) من المادة 1071 على انه : ( للشركاء ان لم يكن بينهم محجورٌ ان يقتسموا المال الشائع قسمة رضائية بالطريقة التي يرونها ) فاذا كانت تلك الاملاك هي من الاراضي الاميرية فلا بد فيها من انتفاع كل من الشركاء بعد القسمة كما كان عليه الحال قبل القسمة وحسبما نصت عليه المادة 1182 من القانون المدني العراقي. 

اما ان كانت تلك القسمة تتم قضاءً فقد نصت الفقرة (2) من المادة 1072 من القانون المدني العراقي على انه : ( فاذا تبين للمحكمة ان المشاع قابل للقسمة قررت اجراءها ويعتبر المشاع قابلاً للقسمة اذا امكنت قسمته من غير ان تفوت على احد الشركاء المنفعة المقصودة منه قبل القسمة ) فيظهر لنا بان القانون المدني العراقي قد اعتبر قابلية المال للقسمة اذا كانت القسمة تتم قضاءً هو باستمرار المنافع المتوخاة من ذلك المال بعد القسمة بالنسبة لجميع الشركاء كما كان عليه الحال قبل القسمة.

وعلى عكس اتجاه المادة 1072 مدني عراقي نجد نص الفقرة (2) من المادة 836 مدني مصري حيث نصت على أنه : ( .. وقسمته حصصاً ان كان المال يقبل القسمة عيناً دون ان يلحقه نقص كبير في قيمته )، فنجد ان القانون المدني المصري قد جعل قابلية المال للقسمة على اساس عدم نقصان قيمة المال بعد القسمة  الا اننا نجد ان  المادة 1043 من القانون المدني الاردني تنص على ان: ( يجب ان يكون المال المشترك قابلاً للقسمة بحيث لا تفوت المنفعة المقصودة منه بالقسمة..)، فيتبين ان معيار قابلية المال للقسمة في القانون المدني الاردني تكون باستمرار المنافع المعهودة من المال بعد القسمة كما كانت عليه قبل القسمة حتى نكون بصدد مال قابل للقسمة، الا اننا نجد ان القانون الاردني عاد في المادة 1044 منه بالقول على ان : ( اذا تعذرت القسمة عيناً او كان من شأنها احداث ضرر  او نقص  كبير في قيمة العين المراد قسمتها جاز لاي من الشريكين بيع حصته للأخر او ان يطلب من المحكمة بيعها ..)، فنجد ان القانون المدني الاردني قد تميز عن القوانين السابقة من حيث اعتماده اكثر من معيار في تحديد الاساس لقابلية المال للقسمة من عدمها، لان النص الاردني يشير الى اعتماده على امكانية استمرار المنافع المعهودة من المال بعد القسمة، فان لم تستمر تلك المنافع بعد القسمة عندها يتم اللجوء الى معيار اخر هو عدم نقصان قيمة المال بعد القسمة، وعليه نستنتج بان قسماً من التشريعات المدنية المعاصرة قد جعلت من معيار قابلية المال للقسمة  اما على اساس استمرار منافع المال بعد القسمة كالقانون المدني العراقي ، في حين وجدنا ان البعض الاخر من تلك التشريعات قد جعلت قابلية المال للقسمة على اساس عدم نقصان قيمة المال بعد القسمة كالقانون المدني المصري ، في حين نجد ان القسم الاخر من تلك التشريعات تعتمد معياراً مزدوجاً في قابلية المال للقسمة فهو اما على اساس استمرار منافع المال فان لم يكن ذلك ممكناً فيكون على اساس عدم نقصان قيمة المال وهو الاتجاه الذي نؤيده وندعو المقنن اليمني الى انتهاجه، لان مثل هذا الاتجاه يمنح الشركاء والمحكمة مرونة كبيرة في اجراء القسمة بين الشركاء ففي حال تعذر اجراء القسمة باستمرار منافع المال فيمكن عندها اللجوء الى اجراء القسمة على اساس معيار عدم نقصان قيمة المال بعد القسمة( قسمة المال الشائع، د. محمد أحمد عيسى الجبوري، ص62).

الوجه السادس : بطلان القسمة اذا اشتملت على ضرر :

سبق القول بأن القانون المدني اليمني حدد إجراءات القسمة الواجب إتباعها عند قسمة التركات أو الأموال الشائعة منعا للضرر الذي يلحق الورثة إذا لم يتم إتباع تلك الاجراءات، لذلك فإن عدم الإلتزام بتلك الإجراءات يترتب عليه بطلان القسمة حسبما ورد في النصوص القانونية السابق ذكرها وبحسب ماقضي به الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.