سقوط حق المحتكم في الاعتراض على الإجراءات

 

سقوط حق المحتكم في الاعتراض على الإجراءات

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إذا لم يعترض المحتكم على شروط اتفاق التحكيم وإجراءات التحكيم الأخرى أمام هيئة التحكيم قبل فصلها في الخصومة التحكيمية، فإن ذلك يسقط حق  الخصم المحتكم  في الاعتراض بعد ذلك أمام محكمة الاستئناف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-1-2013م في الطعن رقم (47016)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف، فقد وجدت الدائرة: أن ما نعى به الطاعنون على الحكم الاستئنافي وارد ومؤثر، لأن الحكم الاستئنافي قد جانب الصواب بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم بالمخالفة لأحكام المادتين (9 و28) تحكيم اللتين توجبا إثارة ما يتعلق بوثيقة التحكيم سواء فيما يتعلق بعدم تضمين وثيقة التحكيم شروط التحكيم أو فيما يتعلق بصفات المحتكمين الذين وقعوا على إتفاق التحكيم، حيث كان يجب على المطعون ضدهم إثارة ذلك أمام هيئة التحكيم والإعتراض على ذلك قبل أن تفصل هيئة التحكيم في الخصومة التحكيمية، وان إثارة ذلك أمام محكمة الاستئناف ابتداءً غير جائز لسقوط حق المطعون ضدهم في ذلك عملاً بالمادتين المشار إليهما، فلا يكون ذلك مقبولاً إلا إذا اثار ذلك الخصوم أمام هيئة التحكيم فأهملت الفصل فيها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول :ماهية حق الإعتراض على إجراءات إتفاق التحكيم:

حق الإعتراض على إجراءات إتفاق التحكيم أو إجراءات التحكيم الأخرى : هي وسيلة قانونية مقررة في المادة(9 ) من قانون التحكيم التي اجازت للخصم المحتكم أن يتقدم أمام هيئة التحكيم بالاعتراض على الإجراءات المخالفة للقانون سواء تعلقت هذه المخالفات باتفاق التحكيم ام باي إجراء اخر من إجراءات التحكيم الأخرى.

ويتم تقديم هذا الإعتراض أمام هيئة التحكيم التي تنظر الخصومة التحكيمية، وذلك خلال الفترة السابقة للفصل والحكم في الخصومة من قبل هيئة التحكيم .

ويتم غالبا تقديم الإعتراض في مذكرة مكتوبة تتضمن أوجه مخالفة الإجراءات للقانون والأدلة التي تثبت وقوع مخالفة الإجراءات للنصوص القانونية ، وينبغي ذكر النصوص القانونية التي خالفها الإجراء المدعى مخالفته،وان كان من الأفضل تقديم الإعتراض كتابة، بيد أنه من الجائز تقديم الإعتراض شفاهة في جلسة هيئة التحكيم شريطة أن يتم ذلك في مواجهة الخصم الآخر وشريطة أن يتم تدوين ملخص واف للاعتراض وذلك في محضر جلسة التحكيم حتي يتمكن الخصم الآخر من الرد على الإعتراض.

الوجه الثاني :السند القانوني للحكم محل تعليقنا :

أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه بسقوط حق الخصم في الإعتراض على إجراءات التحكيم إذا لم يقدم ذلك الإعتراض أمام هيئة التحكيم قبل فصلها في الخصومة التحكيمية أستند الحكم في قضائه إلى المادة (9) من قانون التحكيم التي نصت على أنه( إذا لم يعترض الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لاحكام هذا القانون أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم ويستمر رغم ذلك في إجراءات التحكيم دون تقديم اعتراضه في الميعاد المتفق عليه أو في أقرب وقت يسقط حقه في الاعتراض ويعتبر متنازلا عنه مالم تكن المخالفة على وجه لا يجيزه الشرع )،فهذه المادة صريحة في سقوط حق الخصم في الإعتراض على إجراءات التحكيم أو شروط إتفاق التحكيم إذا لم يبادر الخصم بتقديم الإعتراض أمام هيئة التحكيم قبل فصلها في الخصومة التحكيمية.

 وكذا أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة(28) من قانون التحكيم التي نصت على أن( تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها بما فيها الدفع المقدم بعدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله موضوع النزاع وإذا فصلت لجنة التحكيم في الدفع برفضه جاز الطعن في هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف خلال الأسبوع التالي لإخطار الطاعن بالحكم)، فهذا النص قد حدد الجهة المختصة بنظر اعتراض الخصم على شروط إتفاق التحكيم أو أي من إجراءات التحكيم، كما حدد النص المشار إليه وقت تقديم الخصم لاعتراضه وهو الفترة السابقة لحجز المحكم القضية للحكم فيها، إذ يجب على الخصم أن يقدم اعتراضه أمام هيئة التحكيم في ذلك الميعاد، ومن ناحية أخرى فقد أوجب هذا النص على هيئة التحكيم الفصل في دفوع الخصوم في هذا الشأن بحكم قابل للاستئناف كضمانة لحق الخصم الدافع ، فإذا امتنع الخصم عن تقديم الإعتراض  المشار إليه في ذلك الوقت أمام هيئة التحكيم، فإن حقه في الاعتراض يسقط، فموقف الخصم الممتنع عن الإعتراض يحمل على أنه سكوت في معرض البيان يجعله متنازلا  عن حقه في إبداء الإعتراض بعد ذلك أمام محكمة الاستئناف، فضلا عن ان سكوت الخصم عن الإعتراض أمام هيئة التحكيم قرينة على أن الإجراءات صحيحة، لأن الأصل في الإجراءات الصحة حسبما هو معروف، إضافة إلى أن سكوت الخصم  طوال فترة الفصل في الخصومة من قبل هيئة التحكيم ثم قيامه بعد ذلك بالإعتراض أمام محكمة الاستئناف يدل على أن الباعث له هو إطالة أمد النزاع واللدد في الخصومة .

بيد أن هناك استثناء في هذا الشأن، وهذا الاستثناء في حالة اذا كانت المخالفة التي سكت عنها الخصم لايجيزها الشرع الإسلامي، وخلاصة الأشياء التي لايجيزها الشرع الإسلامي :هي اباحة شئ محرم في الشريعة أو تحريم شئ مباح في الشريعة الإسلامية.

الوجه الثالث :سقوط حق الخصم في الإعتراض والنزول الضمني عن حق الخصم في الإعتراض على إجراءات التحكيم :

 سبق القول بأن عدم اعتراض الخصم على إجراءات إتفاق التحكيم أو إجراءات التحكيم خلال الفترة السابقة لفصلها في الخصومة التحكيمية يسقط حقه في الاعتراض بعد ذلك حسبما ويجعل الخصم في مركز المتنازل عن اعتراضه وفقا لما هو مقرر في المادة( 9) تحكيم يمني السابق ذكرها في الوجه الأول.

اما محكمة النقض المصرية فتطلق على إمتناع الخصم عن الإعتراض بأنه نزول ضمني  عن حقه في الاعتراض على وجود مخالفة في شرط التحكيم بعد المضي في الإجراءات . أثره .

إذا قضت محكمة النقض بأن :عدم الاعتراض على وجود مخالفة في شرط التحكيم بعد المضي في الإجراءات . أثره . النزول الضمنى على الحق فى الاعتراض .

فإذا استمر أحد طرفى النزاع فى إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط فى اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضاً على هذه المخالفة فى الميعاد المتفق عليه أو فى وقت معقول عند عدم الاتفاق ، اعتبر ذلك نزولاً ضمنياً منه عن حقه فى الاعتراض

. (الطعن رقم 17518 لسنة 76 جلسة 2017/03/28)، والله اعلم.