غياب المقاسم يبطل القسمة

 غياب المقاسم يبطل القسمة

أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

  إجراءات القسمة متعددة وبعضها متداخل مع بعضها، وبعضها الأخر مترتب على بعضها،  فمن إجراءات القسمة حصر الورثة وحصر ديون المورث وحصر مخاريج موت وحصر  وثائق تركة المورث وحصر أموال التركة التي تحت يد المورث، وتلك التي تحت يد الغير، وحصر مطالبات ودعاوي الغير وبعض الورثة في أموال التركة، وحصر أموال التركة القابلة للقسمة فورا وتلك غير القابلة للقسمة فورا، وكذا ندب واختيار الخبراء العدول لمسح  عقارات التركة وتحديد ماذا اذا كانت قابلة للقسمة العينية وتثمين أموال التركة وتحديد انصبة الورثة ومصادقة الورثة على وثيقة القسمة المتضمنة حصر أموال التركة واثمانها وتحديد انصبة الورثة ومايفيد قبول الورثة بإجراء القسمة على أساس البيانات الواردة في وثيقة القسمة أو (وثيقة الأمية أو التركيز  )، وحضور المقاسم هذه الإجراءات المتعددة والمتنوعة التي تبنى عليها القسمة يكفل تصويب إجراءات القسمة وعدم إنحرافها ، علاوة على أن حضور المقاسم إجراءات القسمة يدل على رضاء وقبول وموافقة المقاسم على إجراءات القسمة وأن تلك الإجراءات تمت بعلمه ورضاه وموافقته ، فإذا لم يكن المقاسم حاضراً في إجراءات القسمة بطلت القسمة، لأن وثيقة القسمة ماهي إلا ناتج ماتقدمها من إجراءات القسمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-2-2013م في الطعن رقم (47170) الذي سبقه الحكم الابتدائي الذي قضى (بأنه لم يرد في المستندات ما يفيد حضور جميع الورثة أو وكلاء عنهم، كما لم يتم تسليم الورثة انصبتهم ولم يتم فرز نصيب المدعية بصورة مستقلة،حسبما هو مقرر شرعاً وقانوناً مما يتعين معه بطلان كل ما حرره العدل والأمين بشأن القسمة)، وقد قضت الشعبة الشخصية  الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة الشخصية بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما أورده الطاعنان من أسباب في عريضة طعنهما وما ورد في الرد عليه فوجدت: الدائرة أن تلك الأسباب تتعلق بموضوع القضية، وقد ناقشت ذلك محكمة الاستئناف ولا علاقة لتلك الأسباب بحالات الطعن بالنقض المقررة في قانون المرافعات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تعريف القسمة :

 عرف القانون المدني اليمني القسمة في المادة(1197)  التي نصت على أن(القسمة هي معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وافرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات)، في حين عرف بعض شراح القانون القسمة الرضائية ( الاتفاقية) بانها القسمة التي تؤدي إلى ازالة الشيوع بين الشركاء وبالطريقة التي يختارونها ومن تلقاء انفسهم، فيما عرف القسمة جانب اخر منهم بانها : القسمة التي تتم باتفاق من كافة الشركاء فلا يكفي اتفاق البعض من الشركاء عليها، فلا بد من اجماع جميع الشركاء عليها، كما عرفها جانب اخر منهم بانها عقد كسائر العقود يكون اطرافه من الشركاء   المتقاسمين، ويكون محله المال الشائع، وتسري على عقد القسمة الاحكام التي تسري على سائر العقود، ولذلك لابد من وجود تراضي كافة الشركاء وتوافر الاهلية فيهم وخلو ارادتهم من العيوب واستيفاء المحل لشروطه ووجود السبب المشروع. 

الوجه الثاني : أنواع القسمة :

  القسمة  اما ان تكون  نهائية أو مؤقتة في المنافع، كما قد تكون القسمة اختيارية أو جبرية، وفي هذا الشأن نصت المادة(1198) من القانون المدني على أن( القسمة نوعان: نهائية في الملك, وقسمة مؤقتة في المنافع يبقى فيها الملك شائعا على حاله, ويجوز قسمة منافع الاعيان بين الشركاء قسمة مهاياة.).

 وقد تكون القسمة اختيارية أو جبرية، وفي هذا المعنى نصت المادة (1199) مدني على أن( تتم القسمة بين الشريكين باحد طريقين :

الاولى: قسمة اختيارية بالتراضي بين الشركاء يتفق فيها الشركاء جميعا على ان ياخذ كل منهم نصيبه من المال المشترك في معين طبقا لما تراضوا عليه بدون اجبار او قرعة.

والثانية: قسمة جبرية يتعين فيها نصيب كل شريك بالاقتراع على الانصبة المقررة او المعدلة). 

ونلخص أنواع القسمة كما يأتي :

اولا : القسمة الاختيارية (قسمة التراضي):

 وقد بينت معناها المادة(1211) مدني التي نصت على أنه( للشركاء البالغين ان يقسموا المال المشترك بينهم اختياريا بالطريقة التي يرتضونها ويجوز فيها جمع الاشياء المتماثلة والمختلفة, كما يجوز فيها جمع نصيب اثنين او اكثر في قسم واحد, ولهم ان يقسموا بانفسهم او بواسطة عدلين، كما يحق لهم تعديل الحصص بالنقد, ولا تسمع من حاضر دعوى غبن في القسمة الا لامر قطعي ولا تجوز قسمة اختيارية فيها قاصر او مجنون او غائب).

وللقسمة الرضائية شروطاً خاصة  إضافة إلى الشروط العامة وهي البلوغ   العقل والرضا، فالشروط الخاصة هي :-

 الشرط الاول:- وجوب رضا جميع الشركاء  المتقاسمين وطلبهم لهذه القسمة فاذا لم يتحقق اجماع كافة الشركاء المتقاسمين على اجراء القسمة فلا يمكن أجراها، إذ ينبغي اللجوء إلى القسمة الجبرية عن طريق القضاء، والسؤال الذي من الممكن ان يطرح نفسه ما الحكم لو لم تؤخذ موافقة احد الشركاء  المتقاسمين وتم اجراء القسمة ؟ وللاجابة عن ذلك يكون بالرجوع الى القواعد العامة والتي تقرر بان اجراء التصرف القانوني من دون موافقة من له الحق فيه فيكون التصرف موقوفاً على اجازته فان اجاز القسمة نفذت وان نقضها بطلت القسمة. 

ولما كانت القسمة عقداً كسائر العقود فهي من الممكن ان تعلق على شرط واقف كأن يتفق الشركاء على عدم اجراء القسمة حتى تثبت ملكيتهم للمال او كأن يتفق الشركاء على تعليق القسمة على شرط فاسخ ومثاله ان تفسخ القسمة في حال اذا تحولت المنافع المتوخاة من المال بعد القسمة من اغراض كالزراعة الى اغراض اخر السكن. 

 الشرط الثاني : توافر الاهلية القانونية :- فلا بد من ان يكون جميع الشركاء كاملي الاهلية فاذا وجد بين الشركاء من لم تتوافر فيه تلك الاهلية او كان محجوراً عليه فقد حدث خلاف في الفقه بشأن امكانية قيام وليه او وصيه  باجراء القسمة الرضائية نيابة عمن هو تحت ولايته او وصايته، فذهب جانب من الفقهاء الى ان بامكان الولي او الوصي اجراء القسمة نيابة عمن هو تحت الولاية او الوصاية بمقتضى القواعد العامة المتعلقة بامكان قيام الولي او الوصي بالتصرف باموال من هم تحت ولايتهم او وصايتهم ؛ وذلك لان لهم سلطة في بيع عقار القاصر فيكون لهم من باب اولى اجراء القسمة الرضائية مع باقي الشركاء لكونها اقل من البيع ومن يملك الاكثر يملك الاقل، اما الجانب الاخر من الفقهاء فيرون عدم جواز قيام الولي او الوصي باجراء القسمة نيابة عن القاصر وذلك لوجوب التمسك بحرفية   المادة( 1211 )من القانون المدني اليمني التي  نصت على انه : (ولا تجوز قسمة اختيارية فيها قاصر او مجنون او غائب).

الا ان نص المادة 43 من قانون رعاية القاصرين العراقي المرقم 78 لسنة 1980 قد اجازت قيام الولي او الوصي او القيم باجراء القسمة الرضائية نيابة عن القاصر  شريطة موافقة مديرية شئون القاصرين، حيث نصت تلك المادة على انه: ( لا يجوز للولي او الوصي او القيم مباشرة التصرفات التالية الا بموافقة مديرية رعاية القاصرين المختصة بعد التحقق من مصلحة القاصر في ذلك … ثامناً : القسمة الرضائية للاموال التي للقاصر حصة فيها ) وعليه فلا يعني وجود القاصر بين الشركاء بان القسمة الرضائية لا يمكن اجراؤها الا ان على الشركاء وولي الصغير او وصيه مراعاة الاجراءات التي يفرضها القانون في ذلك  والسبب في ذلك ان القسمة وهي من التصرفات الدائرة بين النفع وبين الضرر فلا بد من الاستيثاق الى ان نتائج تلك القسمة سوف تنطوي على منافع للقاصر ولا يتم ذلك الا عن طريق الاشراف على عملية القسمة من قبل المحكمة. 

 الشرط الثالث : قابلية المال للقسمة : فقد نصت المادة(1202 ) مدني يمني على أنه ( اذا كان المال المشترك عينا لا تقبل القسمة, وكان في المهاياة فيها ضرر فتباع ويقسم ثمنها على الشركاء فيها كل بقدر حصته ويجبر المتمرد ويقدم الشريك في الشراء. )، فان من اهم ما يميز القسمة الرضائية عن غيرها ان بامكان الشركاء فيها ان يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها حتى لو ادى ذلك الى فقدان منافع المال المقسوم الا ان على الشركاء مراعاة حدود التقسيم التي تفرضها بعض القوانين الخاصة كقانون التخطيط مثلاًً أو قانون البناء أو قانون الطرق. 

 الشرط الرابع : إتباع الإجراءات الخاصة بالقسمة كالحصر والتثمين.. إلخ حسبما سياتي بيانه،  وتسجيل عقد القسمة الرضائية والفصول:- لما كانت القسمة الرضائية الوارده على العقار من العقود الشكلية فلا بد من تسجيلها لدى دوائر التسجيل العقاري المختصة ؛ ذلك ان عقد القسمة الرضائية لا ينعقد ولا يكون حجة بين المتعاقدين وتجاه الغير الا بعد تسجيله في  السجل العقاري ، فقبل تسجيل القسمة الرضائية تكون حجية الفصول على الورثة فقط.

وقبل تسجيل القسمة والفصول تقرر بعض القوانين العربية القانون العراقي أنه يجوز للمتقاسمين الرجوع أو العدول عن القسمة قبل تسجيلها في السجل العقاري. 

 الشرط الخامس : اتباع الاجراءات القانونية الخاصة بقسمة العقار او المنقول :-

تختلف اجراءات القسمة الرضائية في حال ورودها على العقار عنها في حال ورودها على المنقول ، ففي حالة ورود القسمة على العقار حيث يقدم الشركاء طلباً في ذلك الى مديرية التسجيل العقاري المختصة وهي التي يقع العقار ضمن منطقة اختصاصها الجغرافي كما يقدم بياناً يتضمن اسماء الشركاء ومساحة الحصة التي اصابت كلا منهم ويرفق ذلك بسند ملكية العقار مع خارطة تبين القسمة التي اتفق الشركاء عليها ، وتقوم  السجل العقاري المختص بتدقيق تلك الاضبارة ثم اجراء الكشف على العقار واستحصال اقرار الشركاء بذلك ثم تقوم المديرية باجراء التسجيل ثم استصدار سندات تسجيل الملكية باسم كل شريك وحسب حصته مع الاخذ بنظر الاعتبار الحدود الدنيا للقسمة . واما في حالة ورود القسمة على مال منقول فتكون اجراءاته بتعيين حصة كل شريك من الشركاء عن طريق الاقتراع الكامل او بتراضي الشركاء على قبول الحصص المفرزة فان تم ذلك صارت القسمة لازمة ولا يمكن الرجوع عنها (17)

وتقع القسمة الرضائية بطريقين فهي اما ان تقع بشكل صريح وهو الاصل فيها ، او انها تقع بشكل ضمني وهنا يكون على القضاء استخلاص ذلك من تصرفات الشركاء في انهم قد ارتضوا جميعاً قسمة المال الشائع فتسري عندها احكام القسمة الرضائية، وتتحقق القسمة الضمنية عندما يقوم احد الشركاء بالتصرف في جزء مفرز من المال الشائع يكون بقدر حصته ثم يتبعه الشركاء الاخرون في ذلك حيث يتصرف كل منهم في حدود حصته، وهذا التصرف يدل على رضا الشركاء ضمنياً وقبولهم بهذه القسمة التي جرت بفعل جميع الشركاء على السواء وبالتالي فلا يجوز لاحدهم ان يأتي بعد ذلك ويطلب تثبيت ملكيته لنصيبه شائعاً في الملك كله، ويكون بامكان الشركاء في القسمة الرضائية اختيار الطريقة التي يبتغونها لاجراء القسمة فبامكانهم ان يختاروها عينية بمعدل او بدون معدل كما ان بامكانهم ان يجروها قسمة كلية وهو الغالب فيها حيث ينقضي بها الشيوع تماماً او قسمة جزئية ترد على جزء من المال الشائع حيث ينقضي شيوعهم في جزء منه فيما يبقى الشيوع قائماً بينهم في الجزء الباقي او قد يتفقون على تجنيب نصيب احدهم حيث يخرج من المال الشائع فيما يبقون هم في الجزء الباقي منه او قد يختارون اجراء قسمة التصفية لاسيما إذا كان المال مما لا يقبل القسمة العينية. 

وإذا تمت القسمة الرضائية وتوفرت شروطها فإن القسمة الرضائية تكون لازمة وملزمة للمتقاسمين بإعتبار القسمة الرضائية عقدا، وفي هذا المعنى  نصت المادة (1200) مدني يمني على أن( القسمة عقد لازم لجميع الشركاء فلا يجوز لاحدهم الرجوع فيه الا برضاء سائر الشركاء او بحكم القضاء, واذا كان بين الشركاء ناقص اهلية، فيقوم مقامه وليه او وصيه واذا كان بينهم غائب فيقوم مقامه وكيله, فاذا لم يكن لناقص الاهلية او الغائب من ينوب عنه نصب عنه القاضي وكذلك اذا تمرد احد الشركاء نصب عنه القاضي).

القسمة الرضائية في الفقه الاسلامي :-

لقد عرف الفقهاء المسلمون من الحنفية قسمة التراضي فقالوا بانها القسمة التي يقوم بها الشركاء بالتراضي بينهم ولكل واحد منهم، كما قالوا بانها عقد كسائر العقود ولذلك لا بد لها من وقوع الايجاب والقبول واما المحل فيها فهي العين المشاعة ، ولقد اشترط الحنفية فيمن يجريها ان يكون من اهل الرضا وإلا فالقسمة عندهم باطلة وذلك لان القسمة فيها معنى البيع اذا كانت قسمة رضائية فهي عقد كسائر العقود واشبه ما تكون عندهم بالبيع، لذا فالبيع لا يتم الا بالتراضي فان اوقعها من لم يكن كذلك قسمهُ عنه وليه او وصيهُ ان وجد فيه مصلحة للقاصر وان لم يكن له ولي اووصي نصب القاضي عنه ولياً او وصياً.ا

اما فقهاء المالكية فلقد وافق فريق منهم فقهاء الاحناف فيما يخص بقسمة المراضاة وقالوا انها كالبيع تشبيها للشيء بنفسه وعندهم ان قسمة المراضاة مثلما يمكن ان تكون في الاموال المتماثلة يمكن ايضاً ان تكون في الاموال غير المماثلة، لذا فهي تمييز حق لان كلا منهم قد تميز حقه فيها وتبرع احدهما لشريكه الاخر بشيء من نصيبه، في حين ذهب جانب اخر من فقهاء المالكية الى القول بمخالفة فقهاء الحنفية فيما يتعلق بكون قسمة المراضاة بيعاً وذلك لامكانية ان يرجع فيها بالغبن في حين نجد ان البيع لا يرجع فيه بالغبن ، كما ويجبر عليها من أباها اذا لم يترتب عليها ضرر بخلاف البيع فلا يجبر عليه من اباه كما انها لاتكون الا في الاموال المتماثلة الجنس ومنها البقر والجاموس او المتحد الجنس كعبدين او دارين على عكس قسمة المراضاة فيجوز فيها المتماثل و المختلف في الجنس. 

وذهب فقهاء الجعفرية  القول: بان قسمة التراضي وهي التي تقع برضا جميع الشركاء ومن دون ان يجبر عليها احدهم لو انه اراد الامتناع عنها، في حين نجد ان جانباً اخر من فقهاء الجعفرية ذهبوا الى القول بان قسمة التراضي هي عقد كسائر العقود فهي لا تصح الا بوجود اتفاق الشركاء فلا يكفي لاثبات حجيتها مجرد رضا الشركاء بها. 

 ثانيا القسمة الجبرية (القسمة القضائية):

 إذا تعثرت القسمة الرضائية فيتم اللجوء إلى القضاء لمباشرة القسمة الجبرية  وفقا للمادة (1212) مدني التي نصت على أنه( اذا لم يتفق الشركاء جميعا على القسمة طبقا لما هو منصوص عليه في المادة(1201) وطلبها احدهم لزم القاضي التحقق من الاتي :-

1. حضور جميع الشركاء في المال المطلوب قسمته او من ينوب عنهم طبقا لما هو منصوص عليه في المادة(1200).

2. تقدير المختلف كالقيميات, وتقدير المستوى بكيل او وزن دون تفاوت منعا للربا.

3. تسليم النصيب الى المالك او من يقوم مقامه, وتكفي التخلية مع الحضور.

4. استيفاء المرافق من طرق ومجاري ماء وغيرها على وجه لا يضر باي من الشركاء بقدر الامكان.

5. ان لا تقسم تركة مستغرقة بدين.

6. توفية النصيب من جنس المقسوم الا المهاياة في ثوب واحد او حانوت صغير او حمام ونحوها.)

 ثالثا : قسمة المنافع (القسمة المؤقتة)

 وقد بينت ذلك المادة(1220) مدني التي نصت على أن( قسمة المنافع نوعان :-

الاول : ان يختص كل من الشركاء بمنفعة جزء من المال المشترك يوازي حصته فيه متنازلا لشركائه في مقابل ذلك عن الانتفاع بباقي الاجزاء.

الثاني : ان يتناوب الشركاء الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته فيه مهاياة بينهم.

 كما نصت المادة(1221) مدني على أنه( اذا اتفق الشركاء على قسمة المنافع بينهم لمدة معينة لزمتهم القسمة المدة المتفق عليها, واذا لم يتفقوا على مدة معينة لزمتهم القسمة لمدة سنة تتجدد بنفس الشروط لسنة اخرى وهكذا ما لم يطلب احد الشركاء انهائها قبل انقضاء السنة الاخيرة بشهرين على الاقل او يطلب اجراء قسمة نهائية مطلقا, وتبقى قسمة المنافع قائمة اثناء اجراءات القسمة النهائية ولحين تمامها).

 وكذا نصت المادة(1222) مدني على أنه( اذا لم تطلب القسمة النهائية ورغب احد الشركاء في قسمة المال المشترك قسمة انتفاع مؤقتة وتعذر رضاء باقي الشركاء كان له ان يلجا الى القضاء لاجرائها باحدى الطريقتين المنصوص عليها في المادة(1199) وتتبع اجراءات القسمة النهائية المنصوص عليها في الفرع الثالث.

 كما نصت المادة(1223) مدني على أنه( ليس للشريك الحاضر الانتفاع بنصيب شريكه الغائب الا باذنه واذا انتفع بدون اذن شريكه لزمه اجر مثل المنفعة الا لعادة جرت بغير ذلك, واذا اذن له ولم يعتبر الاجرة فلا اجرة له, واذا كان الانتفاع بالمال المشترك مما يختلف باختلاف المنتفع او ينقص من المال المشترك او يضر به ضمن ما حصل من نقص او ضرر بسبب الانتفاع).

 الوجه الثالث : بطلان القسمة الرضائية :

ولما كانت القسمة الرضائية عقداً فهي تخضع لما تخضع له كافة العقود من حيث البطلان فقد يطعن فيها بالبطلان المطلق وذلك في حال اجرائها في تركة انسان على قيد الحياة فهو تعامل في تركة مستقبليه او قد تبطل لنقص في الاهلية كما لو كان احد الشركاء ناقص الاهلية كما قد يطعن فيها لعيب من عيوب الارادة كالغلط او التدليس او الاكراه او الغبن كما تبطل القسمة الرضائية إذا كان أحد الورثة غائبا أو قاصراً حسبما ورد في المادة(1211 ) مدني يمني. (- د. حامد مصطفى ، شرح القانون المدني العراقي الملكية واسبابها ، ج1 ص، 122.و د. علي هادي العبيدي ، الوجيز في شرح القانون المدني الاردني الحقوق العينية دراسة مقارنة  ،ص66 .و د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني حق الملكية ، ج8  ، ص892).

  الوجه الرابع : قسمة التراضي في القانون المدني العراقي وبعض القوانين المدنية المقارنة :

 نصت الفقرة (1) من المادة 1071 من القانون المدني العراقي على انه: (للشركاء اذا لم يكن بينهم محجورٌ ان يقتسموا المال الشائع قسمة رضائية بالطريقة التي يرونها )، فيظهر من هذا النص ان المشرع العراقي لم يورد تعريفاً محدداً للقسمة الرضائية ولم يصرح بوجوب اجماع الشركاء على ذلك ، الا اننا يمكن ان نتبين اجماع الشركاء وذلك لعدم تحديد النص لأغلبية خاصة منهم مما يدعو الى القول بوجوب اجماعهم ، كما ان النص يشير الى انه في حال وجود محجور فانه لا يجوز اجراء القسمة الا بعد موافقة دائرة رعاية القاصرين وذلك بنص الفقرة (8) من المادة 43 من قانون رعاية القاصرين . واما في الفقرة (2) من المادة 1071 من القانون المدني العراقي فقد نصت على انه : ( لاتتم القسمة الرضائية في العقار الا بالتسجيل في دائرة الطابو ) فيتبين من ذلك بان بامكان الشركاء ان يجروا القسمة الرضائية حتى لو كان ذلك خارج دائرة التسجيل العقاري الا انها لا تكون ملزمة للشركاء الا بعد تسجيلها، وتوافق المادة 1071 مدني عراقي المادة 835 من القانون المدني المصري حيث نصت : ( للشركاء اذا انعقد اجماعهم ان يقتسمو المال الشائع بالطريقة التي يرونها فاذا كان بينهم من هو ناقص الاهلية وجبت مراعاة الاجراءات التي يفرضها القانون )، فيظهر بان القانون المدني المصري قد صرح بوجوب اجماع كافة الشركاء على اجراء القسمة الرضائية، فكان ادق صياغة من القانون المدني العراقي، كما يتضح منها انها لم تلزم بان يكون اتفاق الشركاء على القسمة ثابتاًً في محرر بل يمكن فيها ان تستنتج من ظروف تكفي لاثبات اتفاق الشركاء على وقوعها، كما ان المادة 835 مدني مصري وبقولها :- (الاجراءات التي يفرضها القانون..) فهي بذلك تحيل الى قانون الولاية على المال المصري المرقم 119 لسنة 1952 الخاص باحكام الولاية على المال وقد نصت المادة 40 من هذا القانون على انه : (على الوصي ان يستأذن المحكمة في قسمة مال القاصر بالتراضي اذا كانت له مصلحة في ذلك..)، وعليه فالقانون المدني المصري قد اعتبر القسمة الرضائية فيما يتعلق بقسمة اموال القاصر من التصرفات القانونية فاخرجها من اعمال الادارة المعتادة واشترط الحصول على موافقة المحكمة المختصة في ذلك، وقد نصت المادة 1040 من القانون المدني الاردني على انه: (.. يجوز لمن يريد الخروج من الشيوع ولم يتفق مع باقي شركائه على ذلك ان يطلب القسمة القضائية )، فيما نصت الفقرة (1) من المادة 1041 منه على انه : (اذا كان احد الشركاء غائباً او فاقداً الاهلية او ناقصها فلا تصح القسمة الرضائية حينئذ)، وعليه فقد اشترط القانون المدني الاردني رضا جميع الشركاء فان كان احد المتقاسمين غائباً او قاصراً او مجنوناً او معتوها قام مقامه وليه او وصيه فتجرى القسمة بحضور الولي او الوصي ولا تلزم بغير حضوره.

 الوجه الخامس : إجراءات القسمة :

 سبق القول بأن إجراءات القسمة متنوعة ومختلفة تختلف باختلاف حجم أموال التركة ومدى إتفاق الورثة أو إختلافهم، ويمكن تلخيص إجراءات القسمة على النحو الآتي 

اولا: حصر الورثة : 

حيث يتم هذا الحصر عن طريق مايسمى(إثبات انحصار الورثة )، وتسبق إثبات انحصار الورثة شهادة وفاة المورث للتأكيد على وفاة المورث، لأنه من المقرر شرعا أنه لا تركة الا بعد  تحقق وفاة المورث.

ويتم إلزام الورثة على التوقيع في ظاهر وثيقة ( إثبات انحصار الورثة ) من قبل الورثة للتأكيد على تصادق الورثة على حصر الورثة. 

ثانيا :حصر الالتزامات الاكيدة القائمة على التركة :

 فيتم إعداد كشف أو بيان يتضمن مخاريج موت المورث والديون الاكيدة القائمة على المورث  الوصايا والنذور والكفارات  وتحديد مقاديرها وادلة إثباتها. 

ثالثا :حصر الدعاوى ومطالبات الورثة وغيرهم ببعض أموال التركة :

تتعلق ببعض التركات مطالبات ودعاوى جادة يدعي فيها بعض الأشخاص ان بعض أموال التركة ملك له وليست من أموال التركة القابلة للقسمة، حيث يتم تجنيب هذه الأموال المختلف بشأنها حتي يتم حسم الدعاوى والمطالبات المتعلقة بها.

رابعا : المطابقة بين مستندات ملكية المورث وأموال التركة المطلوب قسمتها :

للتحقق مما اذا كانت الأموال  التي مات المورث وهي تحت يده هي من الاملاك الخاصة بالمورث وانها تركة وليست من الأموال المؤجرة للمورث أو المرهونة لديه. 

خامسا : حصر أموال التركة الخالية من النزاع القابلة للقسمة بين الورثة ويتم مسحها وتثمينها بنظر خبراء عدول يختارهم الورثة المتقاسمون، ويتم بيان اوصاف الأموال وحدودها ومساحاتها. 

سادسا : إعداد وثيقة القسمة أو مايسمى بالامية أو التركيز : 

وتتضمن هذه الوثيقة بيان الأموال المقسومة وتحديد نصيب كل وارث والاوصاف الكاملة للأموال المقسومة، وهذه الوثيقة هي الوثيقة الأساسية للقسمة، حيث يتم تحرير الفصول بموجبها، ولذلك يجب على  الورثة المتقاسمين المصادقة عليها والتوقيع عليها بما يفيد قبولهم إجراء القسمة على أساسها. 

سابعاً :تحرير الفصول أو الفروز أو التخروج:

ففي هذه المرحلة يتم تحرير الفصول، والفصل  عبارة عن  وثيقة مستقلة تتضمن نصيب كل وارث من اموال التركة بعد قسمتها. 

ثامنا:تمييز وتعيين انصبة المتقاسمين  نصيب كل وارث على حدة  وتسليم الانصبة: 

حيث يتم في هذه المرحلة تطبيق الفصول على أرض الواقع، إذ يتم فرز وتعيين انصبة الورثة كل وارث على حدة، ويتم تسليم كل وراث نصيبه عن طريق التخلية.

ومن خلال ماتقدم عرضه من إجراءات القسمة تظهر أهمية حضور المقاسم أو وكيله في هذه الإجراءات وموافقته عليها، ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بأن عدم المقاسم  إجراءات القسمة وعدم موافقته عليها يبطل القسمة.

الوجه السادس: غياب المقاسم  عن إجراءات القسمة يبطل القسمة:

يصرح القانون بعدم صحة القسمة الاختيارية أو الرضائية إذا كان أحد الورثة غائبا عن إجراءات القسمة، وفي هذا المعنى نصت المادة (1211)  مدني على أنه( للشركاء البالغين ان يقسموا المال المشترك بينهم اختياريا بالطريقة التي يرتضونها ويجوز فيها جمع الاشياء المتماثلة والمختلفة, كما يجوز فيها جمع نصيب اثنين او اكثر في قسم واحد, ولهم ان يقسموا بانفسهم او بواسطة عدلين، كما يحق لهم تعديل الحصص بالنقد, ولا تسمع من حاضر دعوى غبن في القسمة الا لامر قطعي ولا تجوز قسمة اختيارية فيها قاصر او مجنون او غائب) وعلى هذا الأساس فأنه يترتب على غياب المقاسم بطلان القسمة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.