الشفعة عند تعدد المشترين

 الشفعة عند تعدد المشترين

أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

في بعض الحالات يكون المشتري المشفوع منه أكثر من واحد، فيتم ذكرهم في بصيرة الشراء، ففي هذه الحالة يجب أن يطلب الشافع الشفعة منهم جميعا، فإن لم يسلموا بالشفعة، فيجب على الشفيع أن يختصمهم  جميعا في دعوى طلب الشفعة أمام  المحكمة المختصة، وبالمقابل تتحقق في المشترين جميعا الصفة والمصلحة  كمشفوع منهم جميعا، فيحق لهم جميعا  الدفاع عن مصلحتهم في مواجهة الشفيع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2013م في الطعن رقم (47175)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((بعد الإطلاع على الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة: أن الطعن قد جاء وفق أسبابه المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات، لأن الشعبة لم تكن موفقة فيما ذهبت إليه من حرمان شركاء المدعى عليه من  حقهم في الدفاع في مواجهة الشفيع أمام محكمتي الموضوع، فقد حكمت عليهم ضمناً بتسليم الشفعة فيما اشتراه لهم المدعى عليه في البصيرة المؤرخة.... واعتبرتهم بأنهم غير ذي صفة عند رفعهم الطعن بالاستئناف، وهذا يعد مخالفة واضحة وصارخة للمادة (1277) مدني التي نصت على أنه (إذا اشترى الواحد لنفسه وللجماعة وذكروا في الشراء فإن ذلك يعد تعدداً للمشترين بخلاف إذا لم يذكروا فإن المشتري يعد واحداً عند طلب الشفعة منه)، فهذا هو التفسير الصحيح للمادة المذكورة، لا كما فسره المطعون ضده في الرد على الطعن بالنقض بأن المشتري يعد واحداً، مما يتعين معه والحال كذلك قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى المحكمة المختصة التي اصدرته لإعادة النظر فيها مجدداً بما يكفل حق شركاء المدعى عليه وتمثيلهم تمثيلاً صحيحاً في الخصومة ابتداءً واستئنافناً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول :  المقصود بتعدد المشترين في الشفعة : 

يقصد بتعدد المشترين في الشفعة أن يقوم جماعة  من الأشخاص أنفسهم بشراء مال بانفسهم  وباسمائهم فتذكر أسماؤهم في بصيرة الشراء أو يقوم شخص بشراء مال مضيفا الشراء لنفسه وآخرين يتم ذكرهم في بصيرة الشراء مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، أو يقوم شخص بشراء مال مضيفا الشراء لعدة اشخلص يتم ذكرهم في بصيرة الشراء. 

فذكر اسماء المشترين في بصيرة الشراء يدل حتما على أن المبيع  قد انتقل من البائع إلى المشترين المتعددين المذكورة أسماؤهم في بصيرة الشراء وان هولاء المشترين هم ملاك وأصحاب المال المبيع بإعتبار  بصيرة الشراء هي الوثيقة  المعدة قانونا لإثبات ملكية العقارات، وبناء على ذلك تتحقق صفة ومصلحة المشترين المذكورة أسماؤهم في بصيرة الشراء. 

 الوجه الثاني : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :

 أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (1277)مدني التي نصت على أن( الشفعة لا تقبل التجزئة، فيلزم الشفيع طلب الشفعة في العين المشفوعة كلها الا اذا تعددت العين المشفوعة وقام سبب الشفعة بواحد من افرادها او تعدد المشترون، فيجوز للشفيع طلب الشفعة فيما قام به سببها في الحالة الاولى وطلب نصيب بعض المشترين في الحالة الثانية، واذا اشترى الواحد لجماعة ولم يضف اليهم فلا يعتبر هذا تعددأ). 

 فهذا النص قد صرح بأحقية الشافع في طلب الشفعة من المشترين المتعددين المذكورين في بصيرة الشراء، وهذا بدوره يرتب أحقية المشترين المتعددين في الدفاع عن مصلحتهم في مواجهة الشافع طالما ان اسماءهم مذكورة في بصيرة الشراء. 

الوجه الثالث : تعدد المشترين في الفقه الإسلامي :

 الفقه الإسلامي هو مصدر النصوص القانونية  المدنية المنظمة للشفعة،  وقد نظم الفقه الإسلامي  الشفعة في حالة تعدد المشترين تفصيلا بحسب كل حالة فقد ورد في كتاب الفروع لابن مفلح :( فإذا تعدد المشتري فصفقتان له أخذ إحداهما ، وكذا إن تعدد العقد ، فإن أخذ بثانيهما ففي مشاركة المشتري فيه أوجه ، الثالث إن عفا الشفيع عن أولهما شاركه وإن تعدد البائع أو المبيع فوجهان  وقيل بتعدد البائع، جزم به في الفنون ، وقاسه على تعدد المشتري بما يقتضي أنه محل وفاق، لأنه يثني الإيجاب ، وهنا يثنى القبول ، بخلاف تعدد الصفقة، فإنه لا يلزم تثنية العقد بالمعقود عليه.

 : إذا تعدد المشتري فصفقتان له أخذ إحداهما، وكذا إن تعدد العقد، فإن أخذ بثانيهما ففي مشاركة المشتري فيه أوجه: الثالث إن عفا الشفيع عن أولهما شاركه انتهى، وأطلق الأوجه في المغني والمقنع والشرح.

( أحدها ) يشاركه المشتري في شفعته، وهو الصحيح، صححه في التصحيح والنظم وشرح  الحارثي وغيرهم، وجزم به في المستوعب والتلخيص والرعايتين والفائق وغيرهم، وقدمه ابن رزين في شرحه. والوجه الثاني لا يشاركه فيها، اختاره القاضي وابن عقيل.

(والوجه الثالث) إن عفا الشفيع عن الأول شاركه في الثاني، وإن أخذ بهما جميعا لم يشاركه.

: وإن تعدد البائع أو المبيع فوجهان، انتهى . شمل مسألتين:

(المسألة الأولى ) إذا تعدد البائع والمشتري واحد بأن باع اثنان نصيبهما من واحد صفقة واحدة، فهل للشفيع أخذ أحدهما أو لا يأخذ إلا الكل أو يترك ؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المحرر والرعاية الكبرى.

( أحدهما ) له أخذ أحدهما، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب.

وقال الحارثي: عليه الأصحاب، حتى القاضي في المجرد، لأنهما عقدان، لتوقف نقل الملك عن كل واحد من البائعين على عقد، فملك الاقتصار على أحدهما، كما لو كانا متعاقبين أو المشتري اثنان، جزم به في الكافي والوجيز وغيرهما، وصححه في الخلاصة والمقنع وشرح ابن منجى وغيرهم، وقدمه في الهداية والتلخيص، والمغني والشرح ونصراه، وغيرهم.

(والوجه الثاني) ليس له إلا أخذ الكل أو الترك، اختاره القاضي في الجامع الصغير ورؤوس المسائل، وذكر المصنف كلامه في الفنون.

(المسألة الثانية ) إذا تعدد المبيع فإن باع شفعتين من مكانين لواحد صفقة واحدة فهل له أخذ أحدهما بالشفعة أو ليس له إلا أخذ الجميع أو الترك؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المحرر والرعاية.

[ ص: 548 ] أحدهما ) له أخذ أحدهما، وهو الصحيح.

وقال الحارثي : هذا المذهب وجزم به في الوجيز ونظم المفردات وغيرهما ، وصححه في الخلاصة والمقنع وشرح ابن منجى وغيرهم ، وقدمه في الهداية والفصول والمذهب والمستوعب والكافي ، والمغني والشرح ونصراه ، وغيرهم ( والوجه الثاني ) ليس له إلا أخذ الكل أو الترك ، وهو احتمال في الهداية .

وقال بعضهم : اختاره القاضي في المجرد.

( تنبيه )

قد بان لك أن في إطلاق المصنف الخلاف في هاتين المسألتين نظرا لاختيار جمهور الأصحاب لأحدهما).(الفروع لابن مفلح ص546)

الوجه الرابع : تعدد الشفعاء :

إذا تعدد الشفعاء وتزاحموا فقد ذكر القانون المدني كيفية ترتيب الشفعاء عند تعددهم وتزاحمهم، ففي هذا الشأن نصت المادة ( 1257) مدني على أن( تستحق الشفعة لاصحابها على الترتيب التالي:-

1. الشريك المخالط على الشيوع في اصل العين.

2. الشريك المخالط على الشيوع في حق الشرب ومجراه.

3. الشريك المخالط على الشيوع في الطريق.

 وفي السياق ذاته نصت المادة (1258) مدني على أنه( اذا تساوى الشفعاء في الطلب قدم صاحب السبب الاقوى على الترتيب المبين في المادة السابقة. واذا تساووا في الطلب والسبب قسمت الشفعة على رؤوس الشفعاء).اي يتم احتساب نصيب كل شفيع من المال المشفوع على أساس راس كل واحد من الشفعاء المتزاحمين وذلك على قدم المساواة دون اعتبار للذكورة والأنوثة حيث يكون  نصيب الذكرمن المال المشفوع  كالانثى راس براس ودون اعتبار لنصيب كل شفيع في المال سبب الشفعة حيث يكن نصيبهم من المال المشفوع سواسية بحسب الروؤس وليس بحسب الذكورة والأنوثة ومقدار نصيب كل شفيع في ماله سبب الشفعة. 

 وكذا نصت المادة(1259) مدني على أن( يعتبر السبب اخص في الطريق المسدود ان كان لها باب يغلق على بعض الدور فتدخل منه, فان الدور الداخلة من الباب اخص بالنسبة لبعضها من الدور الخارجة عنه وان تعددت الطرق الخاصة فتختص بالدار الداخلة الدور الاقرب طريقا اليها وهكذا بالنسبة لحق الشرب والسواقي). والله اعلم.